علينا أن نعترف أن برنامج كشف المستور الذي بثته قناة الجزيرة القطرية أربك كل فلسطيني أينما تواجد، ولا بد أن تنفق على عدم إمكانية اصطفاف الشعب الفلسطيني خلف هذا التوجه أو ذاك، فشعبنا مدرك لمصالحة جيداً ومدرك بأنة ضيع أكثر من ثمانية عشر عاماً في مفاوضات عبثية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تريد كل الأرض الفلسطينية وتعلن ليل نهار أن القدس المحتلة عاصمة أبدية لهم.
كغيري تابعت حلقات كشف المستور الذي يتحدث عن ملف المفاوضات الفلسطينية، وتابعت مدى انشداد الشعب الفلسطيني لهذا الحدث التفجيري الذي يأتي في مرحلة حساسة يعيشها الشعب الفلسطيني، مرحلة تستهدف اجتثاثه من أرضة وتصفية قضيته، وهذه حقيقة ليست بحاجة إلى ذكاء للوصول إليها.
إن الحقيقة الأكثر ثباتاً في هذه القضية لا تتعلق بما يطرح على شاشة الجزيرة، ولا في الأداء والتوقيت والهدف من فتح ملفات التفاوض كأن نقول لماذا ألان وليس غداً، في اعتقادي إن التركيز الفلسطيني بمشهده الرسمي والفصائلي كان على الثانوي وليس على الرئيسي، فالقضية هنا ليست الجزيرة وإنما مصير الشعب الفلسطيني، ولا اعتقد بصحة الهجوم على قناة الجزيرة وإنما تفنيد ما جاءت بة، واستغلال برنامج كشف المستور لطرح الحقائق التي بحوزة المفاوض الفلسطيني لفضح السياسات الإسرائيلية.
لن يجدينا نفعا إن نلعن قناة الجزيرة في الليل والنهار، ولن نتقدم خطوة إلى الإمام بمهاجمة مكتبها في رام اللة، أو تنظيم مسيرات للاحتجاج على كشف المستور وتلك القناة المشاكسة التي تعبث بأمن الشعوب والدول العربية كما جاء على لسان السيد صائب عريقات الذي ظهر على شاشة القناة قبل أيام، ولن نراكم إيجاباً ونستقطب شعبنا عندما نخرج إلى العلن بمؤتمرات صحافية أو محاضرات وندوات لا تدخل في صلب الموضوع الفلسطيني الذي نتفق جميعاً بصرف النظر عن موازين القوى أنة ملك الشعب كل الشعب وليس ملكية خاصة لهذا أو ذاك من الشخصيات الفلسطينية التي قادت دفة المفاوضات من كبير المفاوضين حتى صغيرهم.
دعونا نتفق أن كل ما جاءت وستأتي به الجزيرة محض هراء وتلفيق، ودعونا نتفق أن التوقيت كان محكماً ويهدف ضرب الصمود الفلسطيني في ظل الجمود السياسي والهجمة التي يتعرض لها المفاوض الفلسطيني، ولا باس من الاعتقاد أن الجزيرة محطة متآمرة مع أعداء الشعب والقضية، وأنها تنفذ أجندة شيطانية معادية لحقوق شعبنا الفلسطيني وتتقاطع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة أنها تعود لقطر التي لها علاقات مع دولة الاحتلال وعلى أرضها قواعد أمريكية هدفها ضرب حركات التحرر والأنظمة المشاكسة في العالم العربي.
لكن: أليس من حق الشعب الفلسطيني امتلاك تفاصيل ما يجري من مفاوضات؟ كيف يمكن الدخول في مفاوضات على القضايا الفلسطينية المصيرية بدون قراءة النتائج الخطيرة للقاءات التي لم تفضي لأي اتفاقيات موقعة؟ والاهم من ذلك هل الوثائق كانت مبعثرة على مكتب كبير المفاوضين وجاهزة للعبث؟ الحقيقة أن الوثائق خرجت من مكتب السيد صائب عريقات، والمعلومات تشير إلى أن موظفين في مكتب كبير المفاوضين باعوا أو سربوا الوثائق، وهناك من صرح بان ستة أشخاص وراء تسريب الوثائق منذ ثلاثة أشهر من ضمنهم احد أقرباء الدكتور عزمي بشارة، وهناك من ذهب للقول انة يمتلك السبق في معرفة من الذي سرق وسرب لتتحول الساحة الفلسطينية لمسرح للتسابق على معرفة الذي سرب وتناسي ما الذي سرب.
بعيداً عن منهج المناكفات والحرب التي شنتها الجزيرة على المفاوض الفلسطيني، وبمعزل عن قنبلة العيار الثقيل التي سيفجرها كبير المفاوضين الفلسطينيين ضد الجزيرة، الشعب الفلسطيني بدو عنب، ومن حق الشعب الفلسطيني امتلاك الحقيقة ومن خلال قيادته وليس من الفضائيات، والحقيقة الأكثر سطوعاً ووضوحاً أن الشعب الفلسطيني عن بكرة أبية لن يتنازل عن حقه في أرضة ووطنه وقدسه المنتهكة التي يقضمها الاستيطان يومياً.
إن الحلقة المفقودة في معالجة ومواجهة الوثائق المجتزئة والمحورة والمزيفة كما جاء على لسان كبير المفاوضين صائب عريقات بان يخرج أمين سر اللجنة التنفيذية ياسر عبد ربة ليعلن للشعب الفلسطيني في مؤتمرة الصحفي عن أن حق العودة مقدس لكل لأجيء فلسطيني هجر من أرضة، وان القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، وان الموقف الرسمي رافض ليهودية الدولة وتبادل الأراضي.
القصة بسيطة: الحقيقة كل الحقيقة للجماهير الفلسطينية والعربية، وعبر القنوات الفلسطينية، ولا باس من مسك الحلقة المفقودة في طرح الجزيرة الفضائية واستغلال الحالة، هذا إذا كان موقف المفاوض الفلسطيني متماسكاً، الحقيقة كل الحقيقة للجماهير الفلسطينية بعيداً عن تزيف الوعي الفلسطيني من كل الأطراف، لأنة بكل بساطة لن يستطيعوا إخفائها عن شعبنا للأبد.
إن الشعب الفلسطيني مع القيادة طالما تمسكت بثوابته، ومع كبير المفاوضين طالما لم يفرط بالثوابت، ومع الذين يقفون ضد وثيقة جنيف، والشعب الفلسطيني ليس مع الجزيرة، لكنة تواق لمعرفة الحقيقة جراء الفراغ ألمعلوماتي الذي يعيشه، والواضح إن التسابق على رجم الجزيرة"الشيطان" من كتاب وسياسيين لن يخرج المفاوض الفلسطيني من أزمته، فالخروج من الأزمة يكمن بالشفافية واحترام الشعب لا إدخاله في معارك جانبية لا طائل منها، معارك ليست سوى متاهة وقنابل من النوع الثقيل لا مفعول لها سوى المزيد ردات الفعل.
لقد ألقت قناة الجزيرة حجر في الماء الراكد بما تقول أنة كشف للمستور، ودفعت بالساحة لمتاهة جديدة نحن في غنى عنها، لكن المشكلة ليست في قناة الجزيرة التي تطرح أنصاف الحقائق كما يقال، المشكلة في أداءنا التفاوضي الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة وخاصة أن دولة الاحتلال كان لها موقفاً واضحاً لم تتزحزح عنة، وبصرف النظر عن ردات الفعل المناهضة للحدث سيتجاوز الشعب الفلسطيني الصدمة، وسيتوقف أمام الحقائق التي لا مفر منها.
في المحصلة صدقت الجزيرة أم شوهت وتأمرت، فان القضايا الجوهرية ليست ملكاً لطاقم المفاوضات، ومن حقنا أن نعود إلى قرانا التي هجرنا منها، ومن حق قدسنا علينا أن لا نفرط بها، وللأجيال القادمة حق علينا كقيادة وشعب، حق يلزمنا بالصمود في وجه دولة الاحتلال، فبلادنا كان اسمها فلسطين وسيبقى فلسطين، لنا ارض احتلت، وقرى لا زالت تحتفظ بأسمائها، وشعب مشرد تمتهن كرامته وتستباح أرضة، وهذا يفرض على القوى الفلسطينية والعربية الحية أن تتمسك بالمضمون لا بالشكل، لان فلسطين عربية بالرغم من ضحالة المرحلة والعقم الذي سيطر على الأداء السياسي العربي الذي لم يرتقي لتضحيات شعوبنا العربية .
0 comments:
إرسال تعليق