لا تزال بعض القوى العالمية تراهن على إقدام الرئيس الأسد على طرح مبادرات قد تؤدي إلى حل الأزمة المستعصية في بلاد الشام والتي يذهب ضحيتها كل يوم المزيد من السوريين بين قتيل وجريح في جسده أو كرامته أو ممتلكاته لا فرق.
الرئيس الأسد الذي تربى في حضن والده الطاغية الأكبر لا يعرف كيف يخرج من المستنقع الذي وضع فيه؛ فهو ورث رئاسة بلد محكوم بالقوة والعنف ترتكز مقومات الحكم الأساسية فيه على الولاء الذي تفرضه أجهزة المخابرات على شعب رضخ تحت التنكيل وكبّل بشعارات أقل ما يقال فيها أنها لا يمكن أن تأتيه بالمن فكيف بها تفتح له آفاق التقدم والتطور في عالم اليوم المتداخل في كل شيء.
قد يكون اللاعبون الكبار منشغلين في بعض الشؤون إن في المنطقة أو في غيرها، أو قد يكونون غير متحمسين لاتخاذ قرارات رفع الضيم عن السوريين خوفا من انقلاب هؤلاء ضدهم فور انتهاء مفاعيل القوة التي يحكمهم بها الرئيس الأسد ونظامه. ولا يمكننا أن نلوم العالم الحر بعدم الاسراع إلى نجدة الشعب السوري طالما هذا الشعب بكل مفكريه وقياداته وحتى مغتربيه وفنانيه وشعرائه، المفترض أن يكونوا حساسين للمسائل الانسانية، لا يزالون، وبالرغم من تحرك الشارع من أجل الحرية، مقيدين بالتطرف والتعصب المقيت عندما يحكى عن حلول في المنطقة. فعدا عن فريد الغادري الذي يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يمثل تيارا سوريا متحررا بعض الشيء من رواسب الحقد المزروعة في نفوس السوريين والتي تشدد عليها ثقافة شعب لجمته الأنظمة طيلة أكثر من نصف قرن، فإن الباحث في كل مواقف المعارضة السورية لا يجد فيها اختلافا عن مواقف الحكم بالقضايا والطروحات السياسية الأساسية.
لماذا يطلب من العالم الحر التدخل وارسال جنوده وأعتدته وصرف مبالغ من أموال دافعي الضرائب في تلك البلاد طالما لا يقبل السوريون بعد بالعيش بسلام وتعاون مع بقية جيرانهم إن في لبنان أو تركيا أو إسرائيل أو العراق وكردستان؟ وأكثر من ذلك فهم يعتبرون دول العالم الحر هذه دولا استعمارية لا تتدخل إلا لمصالحها الخاصة ولكي تسلبهم حريتهم وثرواتهم. وكيف سيوافق المجتمع الدولي على التدخل لرفع سيف النظام الذي يقتل شعبه طالما لم نسمع بعد من المثقفين السوريين كلاما عن الانفتاح والتعاون وتطبيع العلاقات المتساوية في داخل البيت السوري أولا، حيث يعمل البعض على زرع الحقد بين مكوناته، أو مع جيرانه في الخارج، الذين يشغلون هذا العالم بين الفترة والأخرى بمشاكلهم الناتجة عن التعبئة بالحقد والغضب والمستندة تارة إلى إثنية منغلقة أو أرث تاريخي معقد وأخرى إلى معتقد متزمت أو تجربة اجتماعية ناقصة.
السوريون العاديون يناضلون بالفعل من أجل الحرية، هم يناضلون من أجل كرامتهم، من أجل حقهم بالحياة الشريفة، ومن أجل أن يتساووا بالحقوق والواجبات أمام قانون عادل يحلمون به ويخضعون له بكل قناعة، وليس بالاكراه، ويحمونه بأرواحهم إذا ما تطلب الأمر ذلك، لأنه يحمي حقوقهم هذه ويصون كرامتهم وممتلكاتهم.
لقد سئم السوريون العاديون بالتأكيد الشعارات الرنانة كما سئموا الحروب التي يدفعون ثمنها من مستقبل أولادهم بدون مقابل. وهم اليوم انتفضوا بالفعل ويصعب إخماد ثورتهم لأنهم لن يخسروا أكثر مما خسروه حتى الآن وحتى ولو لم يعرفوأ ما ينتظرهم في الضفة الأخرى.
صحيح أن الشارع السوري لم يقف بعد وقفة واحدة ولم تغلق البلاد بكل مقوماتها مرة أو تعم الفوضى كل أرجائها، والمواطنون المتحركون ضد النظام اليوم ويطالبون باسقاطه، كانوا تمنوا أن يقدم من اعتقدوا بأنه رئيس شاب قد يمتلك بعض الحس بأهمية الحرية بالنسبة لجيل الشباب ولشعب لم يعد من السهل إبقاءه بعيدا عن التطور بوسائل القمع القديمة، ولكن حلمهم قتل في أول مواجهة وأملهم خاب منذ "خطاب المناورة" حيث اشتمّوا تمسكا بالمسلك القديم وتعلقا بوسائل القمع نفسها ولم يروا بارقة أمل بالتغيير من داخل النظام ولذا فلا بد من اسقاطه.
الشعب السوري يفهم أهمية الصمود في مواجهة الهجمة الشرسة التي يقوم بها النظام وأدواته، وهم يعرفون أن تراجعهم سيشكل مزيدا من القهر لسنين طويلة قادمة وأن هذه الفرصة لن تعود بسهولة فيما لو وقفت الحركة الاعتراضية. من هنا أهمية أن يدرك الرئيس الأسد ومعاونوه بأن اطالة الازمة إنما سيكون في مصلحة التغيير ولن يكون أبدا في مصلحة استمرار نظام المخابرات والتعسف المعتمد منذ تسلم البعث للحكم في سوريا.
إن ما قام به الرئيس الأسد ونظامه بدفع حلفائه على الساحة اللبنانية بالانقلاب على الديمقراطية وتشكيل حكومة "المساندة" هو بحد ذاته جوابا صريحا للشعب السوري وللعالم أجمع بأن هذا النظام لا يخطط للتراجع أمام حركة المطالب الشعبية بل للتصعيد والمواجهة التي يريدها شاملة ضمن مبدأ "عليّ وعلى أعدائي" فإما الفوز بالمعركة التي يعتبرها مصيرية وإما التخريب وجعل عملية استئصاله عملية مكلفة جدا.
هذا الموقف الذي قد يتصعّد من قبل حليفه اللبناني نحو التحرش الجدي ببقية اللبنانيين الذين يعارضون هيمنته أو ربما بجارته الجنوبية إسرائيل في سبيل تفعيل الورقة الوحيدة التي يعتقد بأنه لا يزال يمتلكها، سيؤدي إلى حرب شاملة هذه المرة يؤكد النظام بأنها كفيلة للملمة الداخل ووقف التحركات وإعطاء حليفه الإيراني فرصة أخرى لتثبيت شعاراته على الساحة الشرق أوسطية. ولكن نتائج هذه الحرب ستكون مكلفة جدا في عدد القتلى ومستوى الدمار لأن الرد الإسرائيلي على الهجمات الصاروخية، التي ينوي المثلث السوري-الإيراني-اللبناني القيام بها من الأراضي اللبنانية والسورية والإيرانية على السواء هذه المرة، سوف يكون ردا عنيفا موجعا بحسب تصاريح القيادات الإسرائيلية المعنية.
من هنا وتفاديا لكل الأضرار التي ستنتج عن مثل هذه المغامرة التي ستقع على كاهل المواطنين في كل من سوريا ولبنان وحتى إيران، على الشعب السوري أو من يدّعي قيادة تحركه أن يُسمع أهل النظام والعالم كلاما واعدا بأن الشعب سوف يحاكم المسؤولين عن أية مغامرة سيدفعون البلاد إليها وأن تخطيطهم للخطر الخارجي الذي قد يعطي الحكم ورجاله فرصة جديدة لن يمر ولن ينجح في وقف المطالب بتغيير النظام، وسابقة الثورة الروسية خلال الحرب العالمية الأولى مثالا واضحا عما قد يحدث في سوريا وإيران. أما في لبنان فعلى المعارضة الجديدة أن تفهم حزب الله وهو السلطة الفعلية في الحكومة بأن اي تحرش بالإسرائيليين سيعني محاكمة المسؤولين ليس فقط عن نتائجه إنما أيضا عن حرب 2006 وكل نتائجها.
فهل يمكن الاعتماد على الشعوب لتحقيق الردع المطلوب لتسرّع أو لمخططات الأنظمة القمعية والتنظيمات التي ترعاها؟ أم أن هذه الأنظمة ستستمر في قمع شعوبها مرة بقواها الذاتية ومرة بردات الفعل على مغامراتها في التلاعب بمصائر شعوب المنطقة؟
0 comments:
إرسال تعليق