ما ان فلتنا من شِباك الحاكم بأمر القانون، الذي كان يعرف كيف يختار ألوان بنوده التي تناسب مشاعره، وأغراضه، حتى وجدنا على باب الوطن من يقعى كذئب، يريد أن ينقضّ علينا بإسم الله، مردداً عبارة ذات تأثير عاطفي هائل على قلوبنا: " الحكم الإلهي في مقابل الحكم البشري"!
ان هذا الضوء المبهر من العاطفة؛ سيقذف بنا على منحدر السقوط إلى ديكتاتورية دينية قاسية.. بسببنا نحن.. ان تنازلنا عن عقولنا، وتجاهلنا الحاكمية كما تجسدت في التاريخ. وان رضينا بأن نسلم مقاليد أمورنا لجماعات تُغمّض عينيها عن تجربة الثورة الإسلامية الإيرانية، كنموذج معاصر، ولا تحاول أن تبدي ولو استنكاراً واحداً على ما قامت به من تصفية أحزاب المعارضة واحداً بعد الآخر، وما تنشره من روح الكآبة والعبوس حتى سادت حياة الناس اليومية، وارتسمت على تعبيرات وجوههم. بل وتقول في معاناة الايرانيين الصارخة: " ليس هذا هو الإسلام.. انه خطأ الحاكم" بما في هذا القول من مغالطات فادحة؛ لأن أية تجربة تطبق في أي مجتمع آخر ستكون بدورها مجرد تطبيق آخر، وقد ثبت في جميع هذه المحاولات أن النتائج كانت واحدة: انظمة للحكم تبعد كل البعد عن الحرية والعدالة والمساواة وجميع القيم التي سعت إلى اقرارها كافة الأديان، ودعا إليها الفلاسفة والمصلحون منذ أقدم العصور.
ان مهمة الحكم بشرية، وستظل بشرية.. حتى ولو كانت الاحكام التي يرجع إليها إلهية . فاسمى المبادئ الدستورية لا تحول دون أن يضطهد حاكم طاغية رعيته، وينشر الرعب والظلم بينهم. وبالمثل فان أرفع التشريعات السماوية لا تمنع ولم تمنع طوال التاريخ من وجود حكام مستبدين يفسرونها على هواهم!
لذلك، فنحن لا نريد حاكماً يعطي نفسه سلطة تفوق سلطة البشر، ويضفي على نفسه قداسة بلا قداسة، فتدعوه العصمة إلى الغرور والمغالطة للذات وللآخر. ولا نريد أن نصبح في حال نكون فيه عاجزين عن منعه من الشرود والانحراف، ومحاسبته عندما يسقط ويخطيء.
نريد حاكماً يحكم بأمر الإنسانية.. كواحد منهم.. يقدّر الجانب الإلهي فيهم، كونهم خليقة الله الأقرب بأرواحهم إلى السماء.
حاكماً يعرف: أن القانون وُضع ليخدم الإنسان، ولم يُخلق الإنسان ليخدم القانون!...
0 comments:
إرسال تعليق