ماذا فعلت يا غراس بالقصيدة؟/ سعيد الشيخ

عندما تقول القصيدة ما ينبغي ان يقال وتقوم الزوبعة الهستيرية المضادة في المانيا والكيان الصهيوني على وقعها، فذلك يعني ان الشعر قد قام بوظيفته على أكمل وجه.
وكشف اللثام عن دور الشاعر الذي يجب ان لا يكتفي بكتابة مديح في الوردة وطيور البجع والبحيرة، دون ان يكون اعلاميا من الطراز الاول يلم بقضايا عصره وينظر اليها من خلال ضمير يقظ على الدوام، على عكس السياسي الذي ينظر الى القضايا بمنظار صدئ ويحصر رؤيته بالمصالح الضيقة.
تساءل الاديب الالماني غونتر غراس في قصيدته "ما ينبغي ان يقال" التي نشرها في أكثر من صحيفة اوروبية واميركية، تساءل: "لماذا سأظل صامتا" وكان ينظر الى الترسانة النووية الاسرائيلية التي تتنامى مع الزمن دون اشراف دولي في حين كل الانتقادات الدولية تتوجه الى الانتاج النووي الايراني غير الاكيد. وكان ينظر الى بلاده التي تزوّد "اسرائيل" بالعتاد الحربي المتطوّر.
يقول غراس:"أنا لن أظل صامتا لانني سئمت من النفاق الغربي" يدحرج كلماته كجبل ما عاد يطيق حمل صخوره، فيدحرجها لتنفجر فوهات البراكين من السموم ضد الشاعر الجالس عند قمة الوعي، وضد الحقيقة التي أشعل ضوءها بهدي الضميرالذي لا يملكه الا انسانيون فريدون ونادرون لهم صفات النبوّة، وعلى خطابهم تمضي الرسالة.
كنا نحتاج لمثل هذه القصيدة، لنكتشف كم تضيق الديمقراطية الغربية بقصيدة نثرية. ولنكتشف كم ان الشعر ما زال صنو الحياة وصنو الجمال، وفيه سهام من القوة لكشف مناهج الكذب والتضليل المؤسساتية حيث الافكار الجاهزة والمعلبة ، وليفضح جنرالات يخبئون عقولهم التدميرية بإرتداء بدلات رسمية وياقات عنق مزركشة بالورود.
يخزيهم "غراس" صاحب جائزة نوبل للأدب لعام 1999، يدخل الى دهاليز سياساتهم ليهتك ما يعتبرونه من المحرمات، ويحطّم الهياكل التي نصبوها لتبرير ابادة شعب آخر في قارة خرى.. لم يطق ظلاميتهم وظلمهم، فكان لا بد من قصيدة تنويرية بسيطة تعيد للرسل مكانتهم في كون يشدونه للهاوية.
"العداء للسامية"!، حتى طائر الببغاء سأم من تكرارها.
الحضارة الزاهية عليها ان تنظر الى الامام من أجل مستقبل أجيال غير معطوبة بطغيان الاضاليل والسائد المنتج في مصانع الامبريالية. كما ولتنظر الى قصيدة غراس وتردد معها القول الذي يجب ان يقال..
وفي الشرق الاوسط هناك الكثير الذي ينتظر أن يقال، خاصة عن الاطفال الذين ضربوا بالفوسفور، وعن الوطن الذي طُرد اصحابه وهم ومازلوا مشردون في بقاع الارض لاكثر من ستين عاما ويفتقدون السلام.
لعل قصيدة غونتر غراس ولدت بلا قيمة أدبية، ولكن بريقها يكمن في قولها ما لا يقال في قارة تعوّدت استهلاك المعلبات الجاهزة خاصة بما يخص وصف الضحية ..
وهو لم يوجه إساءة لأحد بل هم من أساءوا اليه بإطلاق سموم الفكر عليه. لأنه ما قال الا الحقيقة التي اختنق بها.
فهل باتت قارة الديمقراطية تضيق بالحقيقة؟.
كاتب وشاعر فلسطيني

CONVERSATION

0 comments: