عقود طوال وقعت فيها الأمة تحت ربقة أنظمة استبدادية هيمنت على السلطة والثروة ورهنت قرار الأمة للخارج.. عقود على اتفاقيات "كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة" التي صادرت القرار السيادي للأمة بما فيها القرار السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي.. وخضعت أنظمتا للاشتراطات والإملاءات الأمريكية بالانفتاح الاقتصادي ، وخصخصة القطاع العام ، وارتهان مقدراتنا الحياتية للمساعدات الامريكية.. ومحاصرة لقمة عيشنا.. وتهميشنا بين الأمم . ناهيك عن إلزام مصر بتصدير أغلب انتاجها من الغاز والبترول للعدو الصهيوني بأبخس الاسعار.. ومحاصرتها بلقمة عيشها إذ تم منعها من إنتاج القمح .. حتى أصبحت الاستهانة بمصر والتطاول عليها السمة الغالبة على السلوك الصهيوني طيلة عقود من الإرتهان والإذعان لعدو انفطر على التآمر والعدوان، وارتكاب المذابح ، واتسم بالصلف والعنجهية والاستعلاء والنظر الدونية ..
لقد جاء السلوك الإسرائيلي تجاه حادثة قتل الجنود المصريين .. ورفضها الاعتذار أو حتى إجراء تحقيق فى الحادث ليؤكد حجم الاستهانة والتطاول والتهميش الذي نال من الهيبة والسيادة المصرية .. ولكن رد الفعل على هذه السلوكيات في مرحلة ما بعد الثورة المصرية والربيع العربي جاء مختلفاً عن سابقاتها .. إذ فتحت الحادثة جرحا غائراً في القلب والكرامة والكبرياء العربية بعامة والمصرية بخاصة.. وأعادت فتح كل الملفات.. ولا أظن أنه بات من السهل إعادة الملفات الساخنة في العلاقات العربية الإسرائيلية أو العلاقات العربية الدولية إلى سابق عهدها .. !!
فحين تفجر الربيع العربي لاحظ المراقبون تراجع "قضايا الأمة " أمام أولويات ثورات الحرية والكرامة والخلاص من الاستبداد والتهميش.. فظن الكثيرون أن الثوار لم يعودوا على ارتباط بالأمة وقضاياها المركزية.. !!
وبالرغم من أن هناك - حتى من داخل "إسرائيل" - من يعتقد بأن من أهم أسباب قيام ثورة 25 يناير هو تصرفات إسرائيل المستفزة.. وما جره النظام المصري المخلوع من إهانة لمصر وتهميش لدورها .. بدعمه المتواصل للعدو الصهيوني وتعاميه عن المجازر التي يرتكبها هذا العدو بل وتغطيته الدائمة لها، إن لم نقل دعمه المباشر لها.. إلا أن لدينا نفر من المشككين أخذوا يروجون لمزاعم - لا أساس لها من الصحة - بأن "الربيع العربي ما هو إلا مؤامرة أمريكية صهيونية لإعادة ترتيب أولويات الأمة بعيداً عن الخطر الصهيوني ومصالحها..
إلى أن جاءت حادثة العدوان الصهيوني على سيناء وقتل الجنود والمدنيين المصريين .. ورفضه حتى الإعتذار.. دون رد من السلطة المصرية.. فكانت بمثابة القشة التي كسرت ظهر البعير .. فانفجرت براكين الغضب المكبوت.. وعلت صرخات الاحتجاج .. وأرسل المصريون رسالتهم لمن يهمهم الأمر فطوقوا وكر العدو وأنزلوا العلم البغيض .. وهدأوا بانتظار "رد حكومي ما "على إستباحة الدم والكرامة وإهانة الدولة وإنتقاص سيادتها.. ومرة أخرى جاء الرد الحكومي "استفزازياً مفزعاً" بإعادة رفع علم الكيان الصهيوني.. وبناء سور لحماية العدو.. حتى بلغ الغضب الثوري النبيل مبلغه فانقض الثوار بـ"الشواكيش" على جدار الإذعان .. ثم اقتحموا وكر التآمر والتجسس ، وأنزلوا العلم اللعين للمرة الثانية ..وهتفوا بحناجر الأمة من محيطها إلى خليجها "ارحلوا عن ديارنا، اخرجوا من تحت جلودنا" .. فاشتعل الموقف .. وتدخلت قوات الأمن .. ولكن الأمر كان أكبر من أن يمنع!!.. فها هو السفير الإسرائيلي في مصر " اسحاق ليفانون" يروي لـ''هآرتس'' لحظات الرعب التي عاشها عند اقتحام السفارة قائلاً : "أدركت ان الموقف على غير ما يرام.. عندما علمت من حارسي المبني أن المتظاهرين أحدثوا فتحة في الجدار.. وبلغت ذروة الضغط الحقيقي عندما أخبروني عبر جهاز الاتصال أن "المتظاهرين اخترقوا .. اخترقوا ... اخترقوا المبني"... وفى تلك اللحظات وصل المتظاهرون إلى الطابق السادس عشر الذي توجد به السفارة ، وهنا أدركت أننا في حالة طوارئ قصوى " !!
إذن - مهما تفلسف المتحذلقون .. ومهما شكك المشككون .. فإن اقتحام هذا الوكر الصهيوني هو عمل وطني بطولى بامتياز .. يمكن أن يعتمد نموذجاً للقادم من الفعاليات الشعبية في النضال الشعبي السلمي لإعادة الاعتبار للكرامة الوطنية .. لقد عبر المصريون الأشاوس بهذا العمل عن الشعور الحقيقي للأمة الواحدة .. كما أعادو توجيه البوصلة الثورية نحو اتجاهها الصحيح .. و سجلوا بالشهادة والدماء الطاهرة رفض الأمة للوجود الصهيوني .. وأكدوا بأن أحوال الأمة لا يمكن لها أن تستقيم بدون إعادة الاعتبار للكرامة الوطنية التي استبيحت باتفاقيات العار مع العدو الصهيوني .. وبإنهاء هذه العلاقة الشاذة مع أعداء الأمة.!!
لقد صنع المصريون منجزاً تاريخياً نعتز به .. فهذا المنجز أكد بما لا يقبل مجالاً للشك بأن الاحتلال إنما يستمد قوته وهيبته من بقاء الأنظمة الاستبدادية التي تصادر حق الشعوب في التعبير عن إرادتها وتمنعها من حسم خياراتها نحو استعادة الحقوق والكرامة المفقودة.. !!
فهل يدرك المشككون حجم المتغيرات التي طرأت على المنطقة بفعل الربيع العربي؟ وإلى متى
ستظل أنظمتنا الرسمية على احترامها الاستفزازي لاتفاقيتي العار - كامب ديفيد ووادي عربة – مع عدو لم يحترمها وليس على استعداد لاحترامها ؟
الكرة اليوم فى ملعب الشعوب وقواها الحية شريطة ألا يظلوا رهائن للخوف والعجز .. لقد ولى زمن الابتزاز والاستغلال.. واستيقظ العرب.. وها هي الأمة – كل الأمة - دخلت مرحلة نهوضها التاريخي .. في حين بدأ عدوها مرحلة أفوله الحتمي ..
0 comments:
إرسال تعليق