نار مبارك.. ولا جنة الأخوان/ انطونى ولسن

نحن من يحمل جنسيتين ، ومن اصحاب القلم والفكر .. وضع على كاهلنا أن نهتم بافراح واطراح البلدين .. ونهتم بكل ما يحدث لابناء البلدين لأن جذور كل منا مازالت ممتدة فى ارض الوطن الام .. لأنه وطن اجدادنا .. وسيقاننا وفروعنا وثمارنا طارحة فى الوطن الثانى ، وطن احفادنا الذى فتح لنا ذراعيه واعطانا حق المواطنة كاملة غير منقوصة على الرغم من ان فترة وجودنا على ارضه تعتبر قصيرة نسبيا بالنسبة لوجودنا على ارض وطننا الأم الذى حرمنا جميعا من الكثير من حقوق المواطنة واهمها حق الحياة والحرية وكرامة العيش.
فى مصر وطنى الام منذ صدور دستور عام 1971 والذى اصدره الرئيس الراحل انور السادات ووضع المادة الثانية منه التى تقول الاسلام دين الدولة وأن مبادىء الشريعة الاسلامية هى مصدر القوانين والاحكام وكما قال الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب فى حديث له مؤخرا عن هذا البند الخاص بالشريعة هو العمود الخرسانى لهذا الدستور والتى لا يمكن تناولها لا هى ولا المادة الثانية من الدستور لا بالتغير ولا بالتعديل.
وهكذا غيرت هذه المادة الشكل العام لمصر حكومة وشعبا واصبحت مصر دولة دينية قد تم فيها تدين السياسة ، أو كما يحلو للبعض ان يطلق عليها تسيس الدين .
وهكذا للمرة الثانية فى تاريخ مصر القديم جدا والحديث ان تتحول مصر الى دولة دينية غير مدنية . وفى كلتا الحالتين لم يخدم هذا التحول الدينى مصر ولا الشعب المصرى.
المرة الاولى حدثت إبان حكم فرعون مصر أخيتانون الذى آمن بوحدانية الله وان قوته لا حدود لها وهو أقوى من الشمس والتى يرمز اليها فى العبادة الفرعونية بالاله (رع) واقوى من القمر الذى يرمز اليه فى العبادة الفرعونية بالاله ( آمون) وقد تم دمج الالهين فى عبادة واحدة ورمزوا اليها باسم (آمون رع).
بذل الملك اخيناتون كل قواه فى نشر هذا الدين الجديد وأهمل مصالح مصر الداخلية والخارجية وبدأت الاحوال الاجتماعية فى الوطن تهتز .. وساد تعنت اصحاب الدين الجديد ضد من يخالفهم فى الدين وعمت البلاد حالة من الفوضى لانشغال الحاكم بالعبادة الجديدة وبنى معبدا (معبد الكرنك فى الاقصر ) طيبه فى ذلك العصر.
ولم تقتصر هذه الحالة على مصر فى الداخل فقط بل ان اعظم امبراطورية فى ذلك العصر (مصر) قد اهتزت اركانها وبدأ الاعداء يتربصون بها واستغلوا تلك الحالة فقاموا بالتمرد والانفصال.
لكن الجيش وقائده لم يتقبلوا الوضع ليس بسبب العبادة الجديدة لكن لحرصهم الشديد على مصلحة الوطن مصر وما آلت اليه الاحوال فى الداخل والخارج.
بالفعل تم التفاهم بين طبيب الملك وقائد الجيش على ان يقنع الطبيب الملك بضرورة التخلى عن الحكم لقائد الجيش من اجل مصر. وقد تم ذلك.
هذا كان فى الزمن البعيد حيث اثر الدين تأثيرا سلبيا على مصر فى الداخل والخارج ، لولا يقظة ابناء مصر لحدث ما لا يحمد عقباه.
ونحن فى بداية العام السابع فى القرن الحادى والعشرين وبعد مرور ما يقرب من ستة وثلاثين سنه على صدور دستور 1971 نجد ان المادة الثانية من الدستور وملحقاتها قد فتحت الباب على مصراعيه لانتشار الجماعات الاسلامية المتشددة وعلى رأسها جماعة الاخوان.
الجماعات التى اطلق صراحها السادات وعلى رأسها جماعة الاخوان هى التى ازهقت روح السادات باغتياله امام مرأى ومسمع من الناس ومن القوات المسلحة . وكانوا ابان فترة حكمه قد تغلغلوا بشكل مسيطر سافر على الهيكل العام للادارة المصرية الى ان وصل بهم الامر لتكفير رأس الدولة نفسه الذى كان يفتخر بأنه (رئيس مسلم لدولة مسلمة).
فاذا حدث هذا مع من اطلق صراحهم ، فماذا يكون موقفهم من المسيحيين الاعداء التقليديين لهم على مر السنين؟!
لاشك توجس المسيحيون الخطر الزاحف اليهم ولم يستطيعوا عمل شىء خاصة ان صفوفهم المدنية تكاد تكون معدومة وغير موجودة او ان وجدت فلا تأثير لها لا على الحياة العامة فى مصر ولا على المسيحيين الذين ايضا ارتموا فى احضان الدين والتدين ليحميهم الله من الخطر القادم اليهم على ايدى الجماعات المتشددة والتى على رأسها جماعة الاخوان.
دخلت مع الجماعات الاسلامية فى مصر افكارا ومبادىء اسلامية اخرى لم يكن لها وجود او تأثير على المجتمع المصرى او نمط حياته او عبادته وازداد هذا النفوذ الذى لم يبخل بالمال على الشعب المصرى الذى كان ومايزال يعانى من الفقر والمرض والجهل.
فبدأ الريال والدرهم يغزوان قلوب وافئدة وعقول المصريين باسم الدين واشتريا تغيرا جذريا فى نمط حياة المصريين ومن يريد هذه الدراهم والريالات عليه ان يثبت ذلك فى امور غاية فى البساطة.
المرأة تتحجب او تتنقب وندفع لها .. والرجل يطلق لحيته ويكثر من الصلاة حتى تكون (الذبيبة) واضحة فى جبهته ويرتدى الجلباب ويمسك بالمسبحة وسنوفر له العمل.
وبهذا الشكل تمت السيطرة التامة للقيادات الدينية فى مصر واصبح للدعاة واهل الفتوى مركزا مرموقا يسيطر ويهيمن على كل تفكير المسلمين فى مصر حتى المعتدلين والوسطيين منهم الذين خافوا ان يجاهروا برأيهم وسايروا الركب.
لم تستطع إدارة الرئيس مبارك ان تفعل شيئا حيال هذا التوغل الاسلامى المتشدد داخل كل مرافق الحياة فى مصر وتركوهم فنشطت جماعة الاخوان التى رأن ان تستغل العرض الذى عرضته عليهم ادارة الرئيس مبارك.
عرض بسيط جدا .. توبوا عن اعمال القتل والتخريب ونعفو عنكم وتعيشون احرارا .. قبلوا العرض فورا وانما لم يتركوا الساحة .. بل ازدادوا تماسكا واصبحت قصة تولى الحكم قاب قوسين او ادنى .. وظهر ذلك فى انتخابات عام 2005 حيث حصلوا على 88 مقعدا فى مجلس الشعب.
والان يخططون للوصول الى رئاسة الجمهورية بتكوين حزب سياسى لهم واذا نجحوا فى ذلك فقل على مصر السلام ، حقيقة ان مصر الآن ليست فى حالة جيدة الفوضى تعم البلاد والشعب حائر لا يعرف اين الطريق ، والحديث عن الديمقراطية اصبح كمن يتحدث عن ((نكته)) لا تضحك بل تدعو الى الاسى . كيف نتكلم عن الديمقراطية والبلد يدار بفتاوى الدعاة ورجال الدين لدرجة انهم يقولون فى مصر ان الشعب كان يعرف احوال البلاد عن طريق (النكتة) فكان يسأل هل سمعت آخر (نكتة) والآن يسأل الشعب كل يوم هل سمعت آخر (فتوى)؟
والخوف كل الخوف من وصول جماعة الاخوان الى حكم البلاد.
وانا المصرى الاسترالى وطنا والمسيحى دينا اصلى واصرخ الى الله طالبا منه حماية مصر من الضياع بسبب الدين والجماعات الدينية المتشددة.
وعلى الرغم من ان المسيحيين فى مصر منذ قيام ثورة الضباط (الاشرار) حتى هذه اللحظة لم ينعموا بحياة هادئة ولم يحصلوا على اى حق من حقوقهم التى نتمتع نحن بها مسيحيون ومسلمون فى استراليا . ومع ذلك فانى اقول ان نار مبارك ولا جنة الاخوان.
لأن فى وسط نار مبارك هناك بصيص من الامل لكل المصريين .. اما مع جماعة الاخوان فلا امل لا للمسيحيين ولا لمن يخالفهم الرأى من المسلمين.
واتمنى ومصر الان تتحدث عن المواطنة ان يعاد النظر فى المادة الثانية من الدستور. لأننى اؤمن وسبق ان كتبت ان الاوطان ليس لها اديان.
يولد الانسان على ارض وطن وينتمى اليه . اما الدين فهو حر فى اختياره وقد اعترضت على مقولة المرحوم الاستاذ مكرم عبيد التى يقول فيها (انا مسلم وطنا ومسيحى دينا) لأننى مصري وطنا مسيحى دينا.
لأن هذا المولود قد يكبر ولا يؤمن باى دين وهذه حرية الانسان فى علاقته مع خالقه لكنه لابد وان ينتمى الى الوطن الذى له حق المواطنة فيه.
كتبت هذا المقال في شهر فبراير لعام 2007 والإخوان لهم وضع يختلف عن سابقيه فهم يعتبروا المعارضة . ولكن لم يكن لهم التأثير على تسير الحكومة لكن كان تأثيرهم على الشارع المصري فقد تم السيطرة عليه بالتمام . نحن الأن وهم في السلطة لا أرى فارقا بين الأمس واليوم . فهم " الإخوان " يريدون كل شيء دون تقديم أي شيء للوطن مصر .. لذا أعود وإقول نار مبارك " العسكر " ولا جنة الإخوان

اليوم الخميس 29 مارس 2012 وتمام الساعة السادسة والنصف صباحا حسب التوقيت المحلي لمدينة سيدني فكرت وأنا أشاهد برنامج " القاهرة اليوم " المذاع من القاهرة مباشر مساء يوم الأربعاء 28 مارس 2012 أن أعيد نشر هذا المقال

CONVERSATION

0 comments: