الصراع القومي العلماني مع جماعة الإخوان المسلمين آخر صيحات النظام وفبركاته/ محمد فاروق الإمام

في مقابلة أجرتها صحيفة (ذي صنداي تلغراف) البريطانية، ونشرت يوم الأحد 30 تشرين أول المنصرم حذر الأسد الصغير من أن أي عمل غربي ضد دمشق سيؤدي إلى "زلزال" من شأنه أن "يحرق المنطقة بأسرها".
وقال الأسد إن "سورية اليوم هي مركز المنطقة. إنها الفالق الذي إذا لعبتم به تتسببون بزلزال... هل تريدون رؤية أفغانستان أخرى أو العشرات من أفغانستان؟".
وأضاف إن "أي مشكلة في سورية ستحرق المنطقة بأسرها". وأنه "يدرك أن القوى الغربية "سوف تكثف الضغوط حتما" على نظامه، ولكنه شدد على أن "سورية مختلفة كل الاختلاف عن مصر وتونس واليمن. التاريخ مختلف، والواقع السياسي مختلف".
وأكد الأسد الصغير في مقابلته على أن ما تشهده سورية اليوم هو "صراع بين الإسلاميين والقوميين العرب (العلمانيين)"، مضيفا "نحن نقاتل الإخوان المسلمين منذ خمسينيات القرن الماضي وما زلنا نقاتلهم".
الغرب اعتبر أن تهديدات الأسد الصغير تقصده إذا حاول التدخل عسكرياً لحماية الشعب السوري من المذبحة التي يتعرض لها، فقد اعتبرت صحيفة (فرنكفورتر-فرانكفورت العامة) الألمانية أن تهديدات الأسد جدية، (فالرجل لا يرقب بإنسان ببلده إلاًّ ولا ذمة، فهو يطلق الرصاص على الآمنين ولم يعد يميز بين طفل وشيخ وامرأة) مشيرة إلى أن (تصريحات الأسد شبيهة بتصريحات سلفه معمر القذافي الذي حذر الغرب من مغبة استلام الإسلاميين حكم ليبيا لأنها ستصبح معقلاً للقاعدة) داعية الغرب إلى (اتخاذ سياسة حازمة ضد نظام الأسد وإنقاذ الشعب السوري) واصفة تحذيرات الأسد الصغير بالجوفاء (فهو كان قد وعد ميليشيات حزب الله بدعم عسكري أثناء مواجهة ذلك الحزب لجيش الكيان الصهيوني في صيف عام 2007 إلا أنه اختبأ بأحد جدران قصره في اللاذقية بل قامت طائرات تابعة للكيان الصهيوني بضرب اللاذقية ولم يطلق أي رصاصة تجاه الطائرات ثم خرج ليشتم دول الخليج العربي وفي مقدمتها السعودية لتخاذلها عن نصرة حزب الله، والأسد الذي وعد بتحرير الجولان لم يقم بتنفيذ وعده بل ساهم بقتل شعبه)
هنا أكتفي برد الصحيفة الألمانية على عنتريات الأسد الصغير وقد كشفت بالوقائع والحقائق على الأرض طبيعة هذا النظام، الذي لا يجيد إلا الجعجعة وكيل الاتهام للآخرين ووصمهم بالتخاذل والخيانة والعمالة، وذبح العزل وقتل المحتجين والمتظاهرين السلميين الذي خرجوا مطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية!!
أما عن دعاوي الأسد الصغير من أن الصراع في سورية كان بين القوميين العرب العلمانيين والإسلاميين، وأنه يقاتل الإخوان المسلمين منذ خمسينات القرن الماضي فشيء يثير التقزز والغثيان من هذه المفتريات، التي لا تقنع الطفل الصغير الذي يصدح في الشارع منذ ثمانية أشهر ويتلقى رصاص شبيحة ورجال أمن الأسد بصدره العاري (بشار ما منحبك ارحل عنا أنت وحزبك).
ولو رجعنا إلى خمسينات القرن الماضي لوجدنا أن الصراع كان في حقيقة الأمر بين القومين العرب العلمانيين وبين حزب البعث العربي الاشتراكي الانقلابي الذي كان وراء كل انقلابات العسكر التي حدثت في سورية (انقلاب حسني الزعيم، وانقلاب سامي الحناوي، وانقلابي أديب الشيشكلي الأول والثاني، وانقلاب الضباط البعثيين الصغار)، فلو رجعنا إلى رموز هذا الحزب ومذكراتهم وتصريحاتهم لوجدنا أن الجميع يقرون بذلك ويدعونه، وأن الصراع كان بينهم وبين القوميين العرب العلمانيين للوصول إلى السلطة وبأي شكل وبأي ثمن، في حين كان الإسلاميون وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين يلتزمون بقواعد اللعبة الديمقراطية التي كانت تعيشها سورية في تلك الحقبة، ولم تكن يوماً إلى جانب الانقلابات العسكرية أو تفكر في تبنيها، رغم ممارسات عدد كبير من ضباط الجيش الضغوط عليها لتسلم الحكم عقب انقلاب ناجح يقومون به، لأن جماعة الإخوان المسلمين كانت على الدوام تؤمن بأن الشعب هو صاحب القرار والاختيار، وكانت على الدوام تلتزم بنتائج صناديق الاقتراع، وتعقد التحالفات مع كل الأطياف القومية واليسارية والعلمانية سواء خلال خوض الانتخابات أو في تشكيل الحكومات أو في المصادقة على القرارات.
كل الأطياف السياسية الفاعلة في سورية في خمسينات القرن الماضي كان لها تمثيل بحسب حجمها في مجلس النواب، ولم يكن لحزب البعث أي تمثيل في هذا المجلس حتى العام 1952، حيث جرب الأستاذ ميشيل عفلق وصلاح البيطار مؤسسا الحزب خوض الانتخابات فلم يحقق أياً منهما الفوز.. إلى أن توحد حزب البعث الذي يقوده ميشيل عفلق والحزب العربي الاشتراكي الذي يقوده أكرم الحوراني الذي كان يملك قاعدة شعبية واسعة في ريف حماة وبعض أرياف المدن السورية الأخرى، وقد حقق هذا الدمج حصول الحزب على 16 مقعداً في مجلس النواب، في حين كانت تتقدم عليه في عدد المقاعد أحزاب (الوطني والشعب والجبهة الإسلامية)، ولما لم يتمكن حزب البعث من الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع الحر يمم وجهه نحو الجيش من جديد، حيث دفع عدداً من ضباطه إلى السعي للاتصال بالرئيس جمال عبد الناصر من وراء الحكومة الشرعية المنتخبة ودون استشارتها، وعقد اتفاق معه على إقامة وحدة اندماجية بين سورية ومصر يكون فيها جمال عبد الناصر رئيساً، ووضع هؤلاء الضباط الحكومة السورية أمام خيار واحد، إما القبول بما اتفقوا عليه مع الرئيس عبد الناصر أو الإطاحة بهم لأنهم كانوا ضد إقامة الوحدة مع مصر، وهي الأمنية التي كانت تراود كل العرب من المحيط إلى الخليج، وحتى لا يوصم رجال الحكم آنذاك بأنهم ضد الوحدة ذهبوا مع الضباط إلى القاهرة ووقعوا على الوحدة وآثروا الانسحاب من الحياة السياسية، لتصبح سورية الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة رهينة بيد البعثيين الذين انتشوا فرحاً عندما أصبحوا جزءاً أساسياً من النظام الجديد، حيث شغل أكرم الحوراني الرجل الثاني في حزب البعث منصب نائب رئيس الجمهورية وتسلم عدد كبير من أعضاء الحزب حقائب وزارية هامة، ولم يطل شهر العسل بين عبد الناصر والبعثيين عندما شعر أن هدف الحزب من كل هذه الوحدة هو التسلط على سورية وجعلها مزرعة لهم، فبدأ الصراع الخفي بين الطرفين القوميين العروبيين (الناصري والبعثي) يظهر إلى العلن، حيث تقدم البعثيون باستقالة جماعية، وراحوا يحيكون المؤامرات لفصم هذه الوحدة والإطاحة برائد القومية العربية آنذاك جمال عبد الناصر.
لقد كان من شروط الوحدة أن تحل كل الأحزاب السورية نفسها وقد فعلت تلك الأحزاب ذلك وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين إلا حزب البعث فإنه رفض حل نفسه (رغم إعلانه عن حل نفسه)، وبدأ العمل من تحت الأرض ساعياً إلى تدمير الوحدة ودولتها وبكل الوسائل والسبل، فقد أنشأ مجموعة من ضباطه المقيمين بالقاهرة خلية سرية أطلقوا عليها اسم (اللجنة العسكرية) ضمت كلاً من (العقيد محمد عمران والعقيد صلاح جديد والعقيد حافظ الأسد) وبدأت تتوسع هذه اللجنة حتى أصبحت من القوة بحيث كان بإمكانها فصل سورية عن مصر واستلام الحكم فيها، ولكن مجموعة من (الضباط الشوام) التي شعرت بالغبن الذي أصاب سورية والشعب السوري من هذه الوحدة الاندماجية غير المدروسة تمكنت من فصل سورية والاستيلاء على الحكم، ولم يُعدم البعثيون الحيلة حيث سارع رموز الحزب (أكرم الحوراني وصلاح البيطار) بصياغة بيان الانفصال والتوقيع عليه، في حين رفضت جماعة الإخوان المسلمين التوقيع على البيان، واعتبرت أن حركة الانفصال حركة غير شرعية ولا تمثل الإرادة الشعبية.
وراح ضباط حزب البعث من خلال توافقات بينهم وبين الضباط الناصريين والقوميين والشيوعيين يعملون على الإطاحة بالضباط الشوام إلى أن تمكنوا من النجاح أخيراً في فجر الثامن من آذار عام 1963 والإطاحة بهم وتسلم السلطة وتوزع المناصب فيما بينهم وبين حلفائهم من الناصريين والقوميين والشيوعيين وبعض المستقلين، وفي الخفاء كانوا يخططون للاستئثار بالحكم دون الجميع، وتم لهم ذلك في تصفيات متلاحقة بحق الضباط الناصريين والقوميين والمستقلين حتى إذا ما أمسكوا بالحكم في كل مفاصله بدأ الصراع فيما بينهم يأخذ طابعا دموياً حيث أطيح بالرئيس أمين الحافظ في مجزرة دموية بشعة في 23 شباط عام 1966، لتنكب سورية بهزيمة حزيران عام 1967 على يد البعثيين وتسلم الجولان دون دفع أو مدافعة إلى الصهاينة بقرار من وزير الدفاع آنذاك اللواء حافظ الأسد الذي أعلن سقوط القنيطرة وأمر الجيش بالانسحاب الكيفي، ولما شعر الحزب بالخزي والعار الذي أصابه جراء هذه الهزيمة، وفكر بعض رموزه في محاسبة وزير الدفاع حافظ الأسد على تخاذله وتسليمه للجولان للعدو الصهيوني وإعلانه عن سقوط القنيطرة قبل دخول القوات الإسرائيلية إليها، سارع هذا – أي وزير الدفاع حافظ الأسد – بالاستيلاء على السلطة في عملية غدر بشعة، حيث ألقى القبض على رئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي ورئيس وزرائه يوسف زعين، ورفاقه أعضاء القيادة القومية والقيادة القطرية لحزب البعث فجر السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970.
وأخذ الحكم الجديد يلاحق القوميين والناصريين والرفاق البعثيين وكل معارضيه داخل سورية وخارجها اعتقالاً وسجناً ونفياً وقتلاً وتصفية، وكان في مقدمة من وقع ضحية للنظام الجديد رفاق رأس النظام حيث تم اغتيال القائد البعثي صلاح جديد في باريس، واغتيال الشريك في الجنة العسكرية العقيد محمد عمران في لبنان، وسجن الرفيق في اللجنة العسكرية العقيد صلاح جديد حتى مات في سجنه، وغير هذه الأسماء كثير وكثير، وكلها كانت تعتنق العروبة والقومية والعلمانية واليسارية، ولم يكن للإخوان المسلمين أي دور في كل هذه الأحداث لا من قريب ولا من بعيد.
وشارك حافظ الأسد أنور السادات في حرب تشرين أكتوبر 1973، فحرر السادات سيناء ومضائق ثيران واجتاز خط بارليف، في حين سلم حافظ الأسد بقية المناطق والقرى التي لم تحتلها إسرائيل عام 1967 (34) قرية حدودية تابعة للجولان، وعقد مع الصهاينة اتفاقية فك الاشتباك عند الكيلو (54) عام 1974 التي تعهد الأسد بموجبها المحافظة على أمن إسرائيل في مقابل إعادة القنيطرة المدمرة، وهذا ما حصل بالفعل حيث لم يسمع أزيز رصاصة واحدة تطلق في سماء الجولان منذ عقد تلك الاتفاقية.
وعلى المستوى القومي والعروبي وقف حافظ الأسد إلى جانب الإيرانيين الفرس في حربهم ضد رفاقه البعثيين في العراق لثماني سنوات يمدهم بالسلاح والعتاد والتمويين حتى توقفها، ومن ثم انضمامه إلى التحالف الدولي تحت راية الولايات المتحدة في حربها ضد العراق عام 1990، وبعدها فعل نفس الشيء وريثه بشار الأسد عندما قدم الدعم المخابراتي واللوجستي للأمريكيين في غزوهم للعراق عام 2003.
أما عن القضية الفلسطينية فحدث وحرج عما فعله النظام القومي والعروبي البعثي بمنظمة التحرير وفصائلها المقاتلة في لبنان، وما فعله بالمنظمات الوطنية المقاتلة اللبنانية التي كانت تقف إلى جانب الفلسطينيين، وحدث ولا حرج عن قتله واغتياله للقادة الوطنيين العروبيين والقوميين اللبنانيين.
الحديث عن فعال القوميين والعروبيين البعثيين بأنفسهم وما فعلوه بأقرانهم ورفاقهم لا يمكن الإتيان عليه بمقال أو دراسة أو بحث أو كتاب، وما قدمناه هو شيء قليل لنثبت للجميع أن الصراع لم يكن في سورية يوماً من الأيام بين جماعة الإخوان المسلمين والقوميين العلمانيين، فتلك افتراءات باطلة ساقها بشار الأسد عن غير وعي أو إدراك في معرض تخبطه وفقدان توازنه وهو يرى انهيار حكم الاستبداد لنحو نصف قرن الذي حكم به البعث الشمولي وأبوه من قبله وسار هو على دربه أنها مسألة وقت، وأن اللعب على الوقت لن يسعفه مهما حاول وارتكب من آثام وجرائم وقمع في غعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فقد قال الشعب كلمته وأصدر قراره (حرية للأبد ارحل عنا يا أسد).

CONVERSATION

0 comments: