وطن النجوم.. وطن التنجيم/ بطرس عنداري

‮ ‬لو‮ ‬عاد‮ ‬الشاعر‮ ‬ايليا‮ ‬ابو‮ ‬ماضي‮ ‬الى‮ ‬الحياة‮ ‬ثانية‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬الايام،‮ ‬لرأيناه‮ ‬يطالب‮ ‬بتبديل‮ ‬قصيدته‮ ‬الرائعة‮ ‬في‮ ‬لبنان‮ ‬من‮ »‬وطن‮ ‬النجوم‮»« ‬الى‮ ‬وطن‮ ‬التنجيم‮.‬
لقد‮ ‬دأب‮ ‬اللبنانيون‮ ‬منذ‮ ‬سنوات،‮ ‬وتحديداً‮ ‬منذ‮ ‬انتشار‮ ‬الفضائيات‮ ‬التلفزيونية،‮ ‬على‮ ‬هدر‮ ‬عدة‮ ‬اسابيع‮ ‬من‮ ‬مطلع‮ ‬كل‮ ‬عام‮ ‬للحديث‮ ‬والكتابة‮ ‬وتخصيص‮ ‬البرامج‮ ‬الخاصة‮ ‬والمطوّلة‮ ‬عن‮ »‬تنبؤات‮« ‬المنجّمين‮ ‬وتكهناتهم‮ ‬التي‮ ‬تدور‮ ‬دائما‮ ‬حول‮ ‬نقطتين‮ ‬هما‮: ‬الاولى‮ ‬وجوه‮ ‬ستغيب‮ ‬ووجوه‮ ‬ستظهر‮ ‬وتتألق،‮ ‬اما‮ ‬النقطة‮ ‬الثانية‮ ‬فهي‮ ‬توقع‮ ‬حصول‮ ‬اضطرابات‮ ‬في‮ ‬بعض‮ ‬المناطق‮ ‬اللبنانية‮.‬
هكذا‮ ‬يتحول‮ ‬التنجيم‮ ‬الى‮ ‬تدجيل‮ ‬فاضح‮ ‬لان‮ ‬الحياة‮ ‬قائمة‮ ‬منذ‮ ‬وجود‮ ‬الانسان‮ ‬على‮ ‬ظهور‮ ‬وجوه‮ ‬وغياب‮ ‬اخرى،‮ ‬كما‮ ‬ان‮ ‬التنبؤ‮ ‬بحدوث‮ ‬اضطرابات‮ ‬في‮ ‬لبنان‮ ‬المضطرب‮ ‬ابداً‮ ‬يشبه‮ ‬التنبؤ‮ ‬بامتلاك‮ ‬البحر‮ ‬للأمواج‮ ‬والصخب‮.‬
كنا‮ ‬نتمنى‮ ‬لو‮ ‬توقف‮ ‬التنجيم‮ ‬عند‮ ‬حدود‮ ‬برنامج‮ ‬تلفزيوني‮ ‬وقراءة‮ ‬فنجان،‮ ‬ولكنه‮ ‬انتقل‮ ‬الى‮ ‬قمّة‮ ‬القرار‮ ‬السياسي‮ ‬والامني‮ ‬والتجاري‮.‬
منذ‮ ‬سنوات‮ ‬عديدة‮ ‬دأب‮ ‬عدد‮ ‬من‮ ‬السياسيين‮ ‬والإعلاميين‮ ‬وغيرهم‮ ‬الى‮ ‬اطلاق‮ ‬التصريحات‮ ‬المتشابهة‮ ‬التي‮ ‬تقول‮ ‬ان‮ ‬حياتهم‮ ‬بخطر‮ ‬وانهم‮ ‬مستهدفون‮ ‬ويتهددهم‮ ‬الاغتيال،‮ ‬وقال‮ ‬اكثر‮ ‬من‮ ‬سياسي‮ ‬واعلامي‮ ‬انه‮ ‬تأكد‮ ‬من‮ ‬استهدافه‮ ‬بالعبوات‮ ‬المتفجرة‮ ‬والسيارات‮ ‬المفخخة‮.‬
وقد‮ ‬أدى‮ ‬هذا‮ ‬الجو‮ ‬الى‮ ‬انتقال‮ ‬أعداد‮ ‬من‮ ‬المسؤولين‮ ‬والاعلاميين‮ ‬ورجال‮ ‬الامن‮ ‬والشهود‮ ‬المتهمين‮ ‬بالتزوير‮ ‬الى‮ ‬باريس‮ ‬وغيرها‮ ‬من‮ ‬عواصم‮ ‬اوروبية‮ ‬وعربية‮ ‬حيث‮ ‬يحاربون‮ ‬الضجر‮ ‬هناك‮ ‬بالتنقل‮ ‬من‮ ‬الفنادق‮ ‬الفخمة‮ ‬الى‮ ‬المنتجعات‮ ‬السياحية،‮ ‬الى‮ ‬الحانات‮ ‬ومجمعات‮ ‬التسوق‮ ‬وغيرها‮.‬
وتبرز‮ ‬اليوم‮ ‬تقارير‮ ‬جديدة‮ ‬عن‮ ‬خطط‮ ‬يعدها‮ ‬مجهولون‮ ‬لاغتيال‮ ‬رؤساء‮ ‬اجهزة‮ ‬امنية‮ ‬وشخصيات‮ ‬قيادية‮ ‬بارزة‮ ‬من‮ ‬مختلف‮ ‬القوى‮. ‬واتسعت‮ ‬رقعة‮ ‬التكهنات‮ ‬يوما‮ ‬بعد‮ ‬يوم‮ ‬ووصلت‮ ‬الى‮ ‬حد‮ ‬اضطر‮ ‬قيادة‮ ‬الجيش‮ ‬الى‮ ‬فرز‮ ‬نصف‮ ‬فصائلها‮ ‬لترافق‮ ‬وتحمي‮ ‬وتراقب‮ ‬الذين‮ ‬لا‮ ‬يقدرون‮ ‬على‮ ‬الانتقال‮ ‬الى‮ ‬فنادق‮ ‬باريس‮ ‬الفخمة‮ ‬لاسباب‮ ‬مادية‮ ‬عابرة‮.‬
‮ ‬قال‮ ‬معلق‮ ‬سياسي‮ ‬ان‮ ‬قيادة‮ ‬الجيش‮ ‬غير‮ ‬قادرة‮ ‬على‮ ‬تجاهل‮ ‬تكهنات‮ ‬المعنيين‮ ‬بوجود‮ ‬خطط‮ ‬لاغتيالهم‮ ‬او‮ ‬تفجيرهم‮. ‬ولكن‮ ‬المواطن‮ ‬العادي‮ ‬الذي‮ ‬يمتلك‮ ‬قليلاً‮ ‬من‮ ‬الذكاء‮ ‬يسأل‮ ‬ويتساءل‮: ‬اذا‮ ‬كان‮ ‬ذلك‮ ‬السياسي‮ ‬او‮ ‬الاعلامي‮ ‬او‮ ‬الضابط‮ ‬عارفاً‮ ‬ومتأكداً‮ ‬من‮ ‬استهدافه‮ ‬ومن‮ ‬وجود‮ ‬خطة‮ ‬لاغتياله‮ ‬او‮ ‬تفجير‮ ‬سيارته،‮ ‬فلماذا‮ ‬لا‮ ‬يفضح‮ ‬الجهة‮ ‬التي‮ ‬تخطط‮ ‬لقتله؟‮...‬
هل‮ ‬يعقل‮ ‬ان‮ ‬يدلي‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬خمسين‮ ‬سياسي‮ ‬واعلامي‮ ‬وعسكري‮ ‬بمعلومات‮ ‬عن‮ ‬استهداف‮ ‬حياتهم‮ ‬ووجود‮ ‬خطط‮ ‬مؤكدة‮ ‬لاغتيالهم‮ ‬دون‮ ‬ان‮ ‬يعرف‮ ‬ولو‮ ‬واحد‮ ‬من‮ ‬هؤلاء‮ ‬الجهة‮ ‬التي‮ ‬ستفعل‮ ‬ذلك؟
انها‮ ‬خطط‮ ‬دائمة‮ ‬تبدأ‮ ‬في‮ ‬مطلع‮ ‬كل‮ ‬عام‮ ‬لإثارة‮ ‬أجواء‮ ‬القلق‮ ‬قبل‮ ‬مجيء‮ ‬موسم‮ ‬الاصطياف‮ ‬في‮ ‬الربيع‮ ‬والصيف‮... ‬في‮ ‬العامين‮ ‬الماضيين‮ ‬أوهموا‮ ‬المواطنين‮ ‬في‮ ‬الداخل‮ ‬والخارج‮ ‬بان‮ ‬لبنان‮ ‬سينفجر‮ ‬من‮ ‬اقصاه‮ ‬الى‮ ‬اقصاه‮ ‬مع‮ ‬صدور‮ ‬القرار‮ ‬الظني‮ ‬بجريمة‮ ‬اغتيال‮ ‬الحريري‮. ‬قالوا‮ ‬ان‮ ‬الربيع‮ ‬سيكون‮ ‬ساخناً‮. ‬وعندما‮ ‬مر‮ ‬فصل‮ ‬الربيع‮ ‬بهدوء‮ ‬وسلام،‮ ‬قالوا‮ ‬ان‮ ‬الصيف‮ ‬سيكون‮ ‬ملتهباً‮. ‬وبعد‮ ‬انتهاء‮ ‬فصول‮ ‬الربيع‮ ‬والصيف‮ ‬والخريف،‮ ‬قالوا‮ ‬ان‮ ‬الانفجار‮ ‬تأجل‮ ‬الى‮ ‬العام‮ ١١٠٢ ‬حيث‮ ‬عادت‮ ‬اسطوانة‮ ‬التكهنات‮ ‬والتنجيم‮ ‬من‮ ‬جديد‮. ‬ولا‮ ‬نشك‮ ‬ان‮ ‬حملة‮ ‬وجود‮ ‬خطط‮ ‬الاغتيال‮ ‬والقتل‮ ‬ستتواصل،‮ ‬ولا‮ ‬نستبعد‮ ‬ان‮ ‬تحصل‮ ‬عمليات‮ ‬تفجير‮ »‬وهمية‮« ‬لاثبات‮ ‬وجهة‮ ‬نظر‮ ‬المنجّمين‮.‬
مهما‮ ‬قيل‮ ‬ومهما‮ ‬سيقال‮ ‬عن‮ ‬وعي‮ ‬اللبنانيين‮ ‬السياسي‮ ‬والاجتماعي،‮ ‬فقد‮ ‬أثبتوا‮ ‬امتلاكهم‮ ‬للصبر‮ ‬والجرأة‮ ‬وتجاوز‮ ‬ما‮ ‬يقوله‮ ‬السياسيون‮... ‬ففي‮ ‬العام‮ ٠١٠٢ ‬سخر‮ ‬لبنانيو‮ ‬الانتشار‮ ‬من‮ ‬أضخم‮ ‬حملة‮ ‬تخويف‮ ‬وترهيب‮ ‬لمنعهم‮ ‬من‮ ‬زيارة‮ ‬وطنهم‮ ‬لقضاء‮ ‬عطلة‮ ‬الصيف‮ ‬وتفقد‮ ‬اقاربهم‮ ‬وسجلوا‮ ‬ارقاماً‮ ‬قياسية‮ ‬بتدفقهم‮ ‬على‮ ‬ارض‮ ‬الوطن‮... ‬ولم‮ ‬تتراجع‮ ‬هذه‮ ‬النسبة‮ ‬في‮ ‬العام‮ ‬الماضي،‮ ‬وستتكرر‮ ‬هذا‮ ‬العام‮ ‬دون‮ ‬أدنى‮ ‬شك‮.‬
لم‮ ‬يعد‮ ‬للمنجّمين‮ ‬والدجّالين‮ ‬أي‮ ‬أمل‮ ‬لتمرير‮ ‬أكاذيبهم‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬إثبات‮ ‬سلطاتهم،‮ ‬ولا‮ ‬شك‮ ‬ان‮ ‬زمن‮ ‬الاقطاع‮ ‬السياسي‮ ‬وممارسات‮ ‬السياسيين‮ ‬التقليديين‮ ‬كان‮ ‬افضل‮ ‬من‮ ‬التلاعب‮ ‬بأعصاب‮ ‬المواطنين‮ ‬وترهيبهم‮ ‬والإتجار‮ ‬بدمائهم‮.‬

CONVERSATION

0 comments: