لماذا تخاف "إسرائيل العظمى" من تواصل العرب الدروز؟/ النائب سعيد نفاع


قرار النيابة العامة تقديم لوائح اتهام ضد ستة عشرة شيخا من رئاسة لجنة التواصل الوطنيّة وضد النائب سعيد نفاع على خلفيّة زيارات التواصل إلى سوريّة ولبنان، هو قرار غريب أخذا بالاعتبار انتقائيته، بمعنى إغلاق الملفات ضد كل من زار سوريّة ولبنان من أناس عاديين ومن نواب برلمان تمّ التحقيق معهم، وعدم مساءلة الآلاف ممن زاروا سوريّة و"التكالب" فقط على النائب نفاع وأعضاء اللجنة.
التواصل بين عرب ال-48 وبقية أبناء شعبهم وأمتهم على خلفيات دينيّة أو مذهبيّة أو حتى إنسانيّة، لم تقطعه إسرائيل وسنوات قليلة بعد ال-1948 عندما تطلّبت مصلحتها "البروبغنديّة-الديماغوغيّة" ذلك لا تواصل لدول معاديّة في قاموسها ولا لغيرها، و"منحت" التواصل طبقا لذلك لشرائح وأفراد ومنعته من شرائح وأفراد من الأقليّة الفلسطينيّة، ومنحته طبعا لليهود مع ما يُسمّى شتاتهم دون قيود اللّهم إلا عندما تطلّبت سلامتهم ذلك.
من نافل القول أن هذا التوجه كان في سياق سياسات المؤسسة لتفريغ الأقليّة الفلسطينيّة من "الخطر" الكامن بها على الكيان الجديد. الشريحة الوحيدة التي مُنعت عنها كل أشكال التواصل هم العرب الدروز، فقبل النكبة وقيام إسرائيل اعتاد العرب الدروز في أماكن تواجدهم سوريّة ولبنان وفلسطين الالتقاء أربع مرات في السنة في أحد الأماكن المقدّسة، مرّة في سوريّا وأخرى في فلسطين ومرتين في لبنان، يتداولون في شؤونهم ويتعبدون. وعلى المستوى الإنساني يتواصلون إذ أن بحكم ظروف تاريخيّة لا توجد تقريبا عائلة عربيّة درزيّة غير موزعة بين البلدان الثلاثة، وانقطعت هذه الأواصر بعد النكبة.
لكن الأهم أن المؤسسة وعبر سياستها ضرب وحدة الأقليّة الفلسطينيّة انفردت بأضعف حلقاتها وهم العرب الدروز والشركس، واستثنتهم عام 1956 كما هو معروف من الإعفاء من الخدمة العسكريّة المفروضة بالقانون على كل من يحمل الجنسية الإسرائيلية وبضمنهم الفلسطينيين، ومارست عليهم على مدى السنوات سياسة عزلة داخليّا وخارجيّا، جاء مشروع التواصل ليضرب هذه السياسة في الصميم.
قيل الكثير وكُتب الكثير في هذا السياق، ولكن يبرز السؤال عنوان هذه العُجالة مُحوّرا بعض الشيء: هل "الدولة العظمى- النوويّة" تخاف تواصل العرب الدروز وطنيّا ومذهبيّا وإنسانيّا، ولذا رأت أن تحاكم ممثليهم دون خلق الله؟!
الحقيقة التاريخيّة أن الشريحة الوحيدة التي يدير شؤونها حتى الحياتيّة حتى الآن في إسرائيل جهاز المخابرات العام هم العرب الدروز، والبيّنات كثيرة ويكفينا الحضور الكبير لرجال الأمن جلسات المحكمة العليا التي بحثت حينها طلب لجنة التواصل في الموضوع. تجذّرت عند المؤسسة الإسرائليّة قناعة لم تستطع مع السنوات تغييرها ورغم تغيّر العالم، أن العرب الدروز "قبيلة" وضع "زعماؤها" أنفسهم في خدمة المؤسسة كما أن المؤسسة وضعت نفسها في خدمتهم، لتبقى هذه القبيلة كما أرادوا لها فعلا بعد ال-48 كاعترافهم خنجرا في ظهر أبناء شعبها وأمتها، والطريق هي في إشباع الزعماء وإبقاء الناس في عوز لا يكفيه إلا هؤلاء ولكن إلى حد سدّ الرمق ليس إلا، لكن حتى هذا شحّ مع الأيام.
كان الجديد في العقد الأخير أن أفراد القبيلة تململوا وبقوّة ضد الزعماء وبالتالي ضدّ المؤسسة واتخذ هذا التململ شكلا جديدا لم يخطر على بالهم، ألا وهو تحطيم جدار العزلة والتواصل مع فضائهم الوطني والقومي وحتى المذهبيّ، وعندما لم يستطيعوا وقف هذا المارد المنطلق بالترهيب والتخويف، حاولوا مواصلة مشروع التواصل ولكن طريق "زلمهم" وعندما فشل ذلك فشلا ذريعا كان لا بدّ من التصعيد، وجاء التصعيد بتقديم لوائح الاتهام في البائن من المخالفات القانونيّة (زيارة دولة عدو والمساعدة على هذه الزيارة) والتلفيق وبالذات ضد النائب نفاع (الاتصال بعملاء أجانب) اعتمادا على مخبرين لقّنوهم أقوالهم.
ما كان للمؤسسة أن تُقدم على مثل هذه الخطوة لولا عنصريتها وأذرعها الممتدة بين ظهراني العرب الدروز، ولكن جهلها وجهلهم بلغ حدّا أن تُعمى بصيرتها عن أن هذه الأذرع قد تكسّرت وفي طريقها إلى القطع ولن يشفع لا لها ولا لهم لا التّهم ولا المحاكم، وقد شبّ القوم عن الطوق، وراح الزمن الذي قبلوا فيه التعامل معهم كقطيع للحلب والنطح.


CONVERSATION

0 comments: