حوار في قضايا شائكة/ صالح الطائي

طلب مني موقع الحوار المتمدن الإجابة على الأسئلة أدناه للإسهام في (ملف حول قيام الدولة الفلسطينية و القضية الكردية وحقوق الأقليات وحقها في تقرير المصير في العالم العربي)
1ـ أيهما أهم برأيك، بناء دولة مدنية على أساس المواطنة بدون تمييز قومي أو ديني واحترام حقوق جميع القوميات والأديان، أم بناء دول على أساس قومي و أثنية ، بغض النظر عن مضمون الحكم فيها؟
2- كيف ترى سبل حل القضية الفلسطينية وتحقيق سلام عادل يضمن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وفقا للمواثيق الدولية ومقررات الأمم المتحدة؟
3 - كيف تقيّم الموقف الأمريكي والدول الغربية المناهض لإعلان دولة فلسطينية مستقلة بعد خطوة الزعيم الفلسطيني وتوجهه إلى الأمم المتحدة لتحقيق ذلك؟
4- ــ ما هي برأيك الأسباب الرئيسية للموقف السلبي من قبل الدول الكبرى تجاه إقامة دولة كردية مستقلة، تجمع أطرافها الأربع في دول الشرق الأوسط ، وهو مطلب شعبي كردي وحق من حقوقهِ ، ولماذا يتم تشبيه الحالة الكردية على أنها إسرائيل ثانية من قبل بعض الأوساط الفكرية والقومية في العالم العربي ؟
5- هل يمكن للتغیّرات الراهنة في المنطقة - الانتفاضات والمظاهرات الأخيرة – من أن تؤدي إلى خلق آفاق جديدة أرحب للقومیّات السائدة کي تستوعب الحقوق القومیّة للأقليات غير العربية مثل الأكراد، إلي حدّ الانفصال وإنشاء دولهم المستقلة ؟
6- هل تعتقدون بأنّ المرحلة القادمة ،بعد الربيع العربي، ستصبح مرحلة التفاهم والتطبیع وحلّ النزاعات بین الشعوب السائدة والمضطهدة ،أم سندخل مرحلة جدیدة من الخلافات وإشعال فتیل النعرات القومیة والتناحر الإثني ؟
7 - ما موقفك من إجراء عملیة استفتاء بإشراف الأمم المتّحدة حول تقریر المصیر للأقليات القومية في العالم العربي مثل الصحراء الغربية وجنوب السودان ويشمل أقليات أخرى في المستقبل، مع العلم أنّ حق تقریر المصیر لکلّ شعب حقّ دیمقراطي وإنساني وشرعي و يضمنه بند من بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منذ عام ١٩٤٨؟
8- ماهي المعوقات التي تواجه قيام دولة كردية، و كيانات قومية خاصة بالأقليات الأخرى كالأمازيغ وأهالي الصحراء الغربية؟
وقد كتبت هذا الموضوع وأرسلته لهم ولكنه لم ينشر وعليه أصبح من حقي أن انشره!.
***

لا أحلى من الصراحة إذا ما كانت مقالة حق، ولا صراحة إلا وتثير في النفوس صراعا وشجونا طالما أدى إلى (نقب الطاقية) تساوقا مع المثل الشعبي الدارج (الذي يقول الحق طاقيته منقوبة) ولذا يهمني كثيرا في موضوعي هذا أن أقول الحق آمنا مطمئنا من استحالة الخسارة المادية ربما لأني لا البس طاقية لكي أخاف عليها من التمزق بعد أن تخليت عن هذا الموروث ولم اتبع نهج أجدادي بل اصبحت مقلدا للغرب في ملبسه وزيه كما هو ديدننا في التقليد بعد أن فقدنا روح الابتكار والتجديد، ولكني غير مطمئن بالتأكيد من الخسارة المعنوية بعد أن أصبحت الكلمة سلاح دمار شامل تحكم الجماعات والفئات المتطرفة على حامله بالموت (كتما)
وفي جوابي على الأسئلة مجتمعة أقول: لم يكن "جاك باغنار" عبثيا حينما أطلق على أحد كتبه عنوان (الدولة مغامرة غير أكيدة) فالدولة سواء كانت تدار وفق نظام ديمقراطي أو نظام شمولي ديكتاتوري أو نظام إسلاموي متحجر تبقى مغامرة، ومغامرة كبيرة جدا. وربما لهذا السبب اعتقد بعض الحكماء بأنها قيد غليظ يحجب الرؤية ويقتل الرؤى، وعليه قال نيتشه على لسان زرادشت في كتابه (هكذا تكلم زرادشت): "هناك، حيث تنتهي الدولة، أنظروا إذا يا أخوتي، ألا ترون قوس قزح وجسر السمو الإنساني؟" وكأنه أراد القول بان الدولة كنظام هي التي تحجب ألوان قوس قزح الحياة وتقطع جسر السمو فتمنع الإنسان من التسامي والنبالة.
لم يكن سقوط منظومة الإتحاد السوفيتي مجرد سقوط لأحد الطرفين المتزعمين للصراع العالمي بانتصار الآخر عليه وإنما كان بداية لولادة قطبيات هجينة بتركيبة هشة قابلة للتفسخ لأنها بنيت بالأساس على مجموعة تناقضات. وهذه القطبيات هي التي تسببت في تفكك الإتحاد السوفيتي وليس الصراع العقائدي لأن ملامح تكاملها ظهرت في الأفق الدولي منذ عام 1985 تبعا لمشروع ضخم جبار اسمه (النظام العالمي الجديد) كان الإتحاد يعترض طريقه. ولا غرو أن يكون الانتصار المفاجيء هو الذي دفع أصحاب المشروع للبحث عن مفهوم جديد للدولة خارج سياقات الزمن القديم.
الإنسان وفق عقيدتي هو الهدف الأسمى أما الدولة فهي الرقعة الجغرافية التي يمارس فيها الإنسان أنساق حياته وفق الابستمولوجي الموروث والمتجدد، وكل دولة لا توفر للإنسان قيمته الإنسانية وتطلق لرؤاه وفكره حرية التماهي مع جوهر الإنسانية لا تعتبر دولة حتى ولو كان علمها مرفوعا في مقر الأمم المتحدة في يورك الجديدة. بمعنى أن الدولة هي التي يجب عليها أن تكون بخدمة الإنسان وليس العكس.
أورد باغنار عدة تعريفات للدولة منها:"أنها مؤسسة تمارس سيطرتها على إقليم وشعب محددين.. أو هي التنظيم السياسي والقانوني للأمة التي تجسدها" ولكن هذه التعريفات تبدو جدا بدائية وفطرية إذا ما قورنت بنظرة النظام العالمي الجديد، فالدول اليوم لم تعد تدير شؤونها طالما أن اقتصادها يدار من دهاليز "وول ستريت" ولم تعد تسيطر على شعوبها طالما بإمكان هذه الشعوب أن تخرج بمظاهرة حاشدة بسبب الاختناقات المرورية كما حدث في السودان اليوم، ولم تعد تملك مقومات الدولة طالما أن الإرهابيين ينجحون في اختراق أطواقها الأمنية وتنفيذ خمسة انفجارات موزعة على رقعة العاصمة بغداد دون أن ترصد ولو عملية واحدة منها.
إن العالم نفسه بعد تفكك الاتحاد وتفرد القطبية وجد نفسه مكشوف الظهر وبدون حماية فأعاد النظر في مفهومه للدولة ولذا حدث الاختلال الفكري العالمي في السياسة والاقتصاد والثقافة وتبعا لهذا الاختلال لم يعودوا يفكرون بالدولة ككيان مستقل وصاروا يبحثون عن تكتلات جديدة يستمدون منها القوة بعد أن فقدت الدولة هيبتها وألا بربكم ما معنى أن تتخلى دول أوربا عن تاريخ مفعم بالصراعات والحروب والدماء والنزاعات الحدودية والإقليمية المستمرة التي قادت العالم ليخوض حربين كونيتين فقد خلالهما ملايين البشر الأبرياء الذين خدعهم الحكام، وأسرهم مفهوم الدولة فحملوا أسلحتهم وتوجهوا إلى الجبهات لمقاتلة إنسان آخر يحمل نفس ما يحملون ويؤمن بمثل ما يؤمنون، ما معنى أن تتخلى عن كل ذلك لتعقد اتفاقية مايسترخت وتعلن بعدها ولادة الاتحاد الأوربي سنة 1992 ، وما معنى انضواء أغلب الدول الآسيوية تحت بنود اتفاقية الآسيان عام 1994 ، وما معنى ولادة الاتحاد الأفريقي في ليبيا عام 2001، بل ما معنى أن تأتي أمريكا بكل صلفها وتفردها وعدم حاجتها لأحد مع احتياج العالم إليها لتعلن اتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا لإنشاء منطقة تجارية حرة ما بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك في كانون الثاني 1994... ما معنى ذلك؟ ألا يعني ذلك أن العالم يريد إعادة النظر بمفهوم الدولة البدائي والبحث عن صيغ جديدة، ويعني أننا لا نريد ونرفض التنازل عن بدائيتنا ولا زلنا نبحث عن فرص لنعلن بها دولا تحمل ملامح دول الإنسان الأولى وتقوم على نفس المفاهيم القديمة البالية لتكون لنا شمالا دولة كردستان وغربا دولة سنيان وفي الوسط دولة شيعيان وبعيدا دولة جنوب السودان وفي الجنوب دولة المعدان وفي مكان آخر دولة شمال لبنان وفي مصر دولة آل قبطان وفي الخليج دول آل نهيان وآل خليفان وفي الصحراء دولة أمازيغان؟ وهي بالأساس لا تملك شيئا من مواصفات الدولة بالمرة، بل حتى الدول الأصلية التي انشقت أو ستنشق عنها هذه الكيانات هي الأخرى لا تملك مواصفات الدولة لأن مقومات الدولة غير موجودة لديها، وللتأكيد أقول: هل ممكن أن تسمي العراق بشكله القائم اليوم دولة؟ كما إن الكثير من الدول المرسومة خرائطها على أطلس العالم مثل الكويت وقطر والبحرين لا تملك مقومات الدولة وبالتالي هي عرضة للتغير الشامل والمفاجيء!
وآخر ما يجب أن ندركه هو أن خلق وبناء الدول وفق الطرائق القديمة البالية بأنماطها الموروثة لم يعد فاعلا اليوم، بالأمس كانت الكيفية والانتقائية تتحكم بولادة وموت الدول، فأمريكا نفسها في معظم تاريخها كانت أمة عنصرية كما يقول "آرثر شليسنجر" وفي الوقت الذي كان الهنود الحمر فيه يطردون أو يبادون، كان السود يستوردون حتى عام 1808 كما يقول "صموئيل هنتنغتن"
أما اليوم فالنظام العالمي الجديد هو الذي يتحكم بولادة وموت الدول وفق منهجية وخارطة طريق هرمية، وهو ما ينطبق تماما على مشروع الدولة الفلسطينية المقترح والدولة الكردستانية المرتقبة.
بالأمس كانت المواقف السياسية تتساوق مع مشاريع الحكام ضمن آلية المفهوم القديم للدولة أما اليوم فإنها تخضع لميزان معياري يتحكم به معادل موضوعي تمسك به منظمات شبحية غير مرئية تملك سلطة تحريك أي جزء من العالم بما فيها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بل حتى منظمة الأمم المتحدة وباقي المنظمات الدولية كما تتحرك الأحجار على رقعة الشطرنج، ولذا لم تعد للموقف الأمريكي أو الغربي من قضية فلسطين او القضية الكردية أو غيرها علاقة بالحكومة الأمريكية أو الحكومات الغربية لأنهم جميعا لم يعودوا أصاحب موقف، أمريكا اليوم وكل العالم الغربي مجرد أحجار تحركها القوى الخفية على رقعة شطرنج العالم.
والحال ينطبق على الموقف من فكرة إنشاء الدولة الكردية، وهذا لا يعني انعدام فرصة قيام هاتين الدولتين، ففرصة قيامهما متاحة إذا ما كان ذلك متوافقا مع بنود المشروع الكوني، أما إذا خالف المشروع أو تعارض معه فمن سابع المستحيلات قيامهما لأن للأمر علاقة بحركة الأحجار على رقعة الشطرنج، وحركة الحجار هي التي تحدد الفوز أو الخسارة.
أمر قيام الدول وتأسيس الدويلات لم يعد خاضعا لقوانين لعبة النضال ضد الإمبريالية، والجهاد لتحرير الأرض المغتصبة من المحتلين، والاستبسال لتوحيد الشعوب الموزعة جغرافيا في رقعة واحدة، والمرابطة والمزامطة والعنتريات التي ما قتلت حتى ولو بعوضة لأن الإمبريالية انتهى دورها، والاحتلال تغير تعريفه واصبحت الأمم المتحدة توصي به. ولذا لن ينجح العبث الشبابي العربي الذي يسمونه ربيع العرب في انتزاع الحقوق وإعادتها إلى أصحابها الشرعيين بقدر ما سيتسبب بإحداث فوضى جديدة عارمة تعرقن كل البلدان العربية وتحولها إلى أنموذجات جديدة مستنسخة من الحالة العراقية لأن مفهوم الشرعية تغير عما كان عليه ولم تعد له علاقة بالدين أو الجنس أو القومية وعليه أرى أن نتاج الفعل الشبابي العربي الذي يبدو اليوم زاهيا مفرحا ستتغير صورته تلقائيا على أيدي الشباب الثوار أنفسهم ومصر أنموذج أمثل فقد خرج اليوم ثوار الأمس في مظاهرات صاخبة تطالب بتصحيح مسار الثورة، مع أن الثورة لم تبدأ مسيرها إلى الآن، وهذا يعني أن المرحلة القادمة ـ بعد الربيع العربي الذي يبدو أن أيامه ستطول حتى يتم تنفيذ بنود المشروع المسخر للجماهير ودفعها للتحرك بروح القطيع وليس الفريق ـ سندخل مرحلة جدیدة من الخلافات القومیة والدينية والمذهبية والتناحر الإثني والنزاع الديني ربما بشكل أقسى وأمر وأشد ضراوة من سابقه، ومصر هي المثال، فما حدث بين المسلمين والأقباط مؤخرا لم يحدث ما يماثله قبل الثورة حيث لم تحدث جرائم قتل بهذا المستوى من قبل. وهنا أسأل: إذا كان الربيع العربي أنموذجا يحتذى به ومثالا للطريقة الأروع لتحقيق أماني الجماهير، فما الحاجة إذا للبحث في أروقة المنظمة الدولية عن آليات لتطبيق بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لنيل حق تقریر المصیر عبر الاستفتاءات، لماذا لا تثور هذه الشعوب مثل غيرها وتهتف: شعب الصحراء الغربية أو الشعب الكردي أو الفلسطيني أو السوداني أو الأمازيغي يريد إسقاط النظام، فهم جميعا باستثناء الكورد من القومية العربية التي ثار شبابها؟
أما جواب السؤال الثامن فليس من المعقول أن يوجز بمقال واحد رغم أني أرى هذا الجهد برمته يراد من ورائه الحصول على جواب هذا السؤال تحديدا، فالدولة الكردية تبدو مكتملة التكوين ـ في الأقل في القسم العراقي من كردستان ـ ولا تحتاج لأكثر من موافقة القوى الخفية لكي تعلن استقلالها أو بالأصح تمارس استقلالها رسميا.
وأعود واذكر باني لا ارتدي طاقية ولكني لا املك أسس الحماية من الكواتم، وعلى الله اتكلت!!!

CONVERSATION

0 comments: