نهاية القذافي والمستقبل العربي/ سري القدوة


لم تكن تصفية القذافي علي هذا النحو مجرد صدفة أو جريمة قتل عادية بل جاءت بعد سلسلة طويلة من الممارسـات المعقدة التي امتدت أكثر من اثنين وأربعين عاما ، والشعب الليبي يدرك أكثر من غيره تلك الممارسات التي فاقت بكثير عمليات القتل التي قام بها الثوار خلال معارك تحرير ليبيا , وأنه من دواعي المآخذ التي يتابعها العديد من الإعلاميين والسياسيين العرب علي الثورة الليبية هو التدخل المباشر لقوات حلف الناتو واعتبار ذلك من قبل البعض ( اتفاقيات سايكس بيكو جديدة ) وهذا بالطبع يدفعنا إلي التأكيد مجددا بأن الثورات العربية ما كانت أن تنجح بعيدا عن التدخل الدولي وخاصة النموذج الليبي منها وإلا لسحقها القذافي من أول يوم .. وهنا فأننا لا ندافع عن التدخل الدولي بقدر ما يجب علينا أن نتضامن مع الثورة الجديدة وروح الشباب الثائر مطالبين الجميع بضرورة تحديد منهجية وطنية وثورية وكفاحية وديمقراطية تحدد المستقبل ومشاريع التنمية المستديمة لإيجاد التفاعل الخلاق ما بين متطلبات الواقع والمجتمع الدولي ..



إننا نشعر بدرجة عالية من التألم لما آل إليه الوضع العربي العام نتيجة ممارسات الأنظمة تجاه شعوبها .. كما هو تألمنا البالغ على آلاف ألقتلي الذين قتلوا علي أيدي مليشيات القذافي وأجهزة قمعه البائدة . وماذا سنقول عن مصير بشار الأسد إذا ما تدخل المجتمع الدولي تحت اسم ناتو جديد وآلت الأمور مع بشار الأسد إلي ما آلت إليه مع القذافي .. أيضا سنتألم لأن الرؤساء العرب يرفضون أن يستوعبوا الدرس وما زال بشار الأسد يكابر صامداً أمام جماهير الشعب السوري المناضلة في معركة سيكون هو الخاسر فيها بالتأكيد .. وأمام الحالة اليمنية نتألم أيضا علي ما وصلت إليه أمور اليمن .. يجب أن يدرك الجميع أن ما يجري في العالم العربي هو ثورة بكل المقاييس بالرغم من الأطماع الأمريكية والاتفاقيات والتحالفات الدولية ..



العرب اليوم يريدون التغيير والشباب العربي يتطلع إلي صندوق الانتخابات ليمارس حقه الديمقراطي في اختيار من يمثله ويعبر عنه .. يتطلع إلي صياغة تجربة جديدة بعيدا عن حكم الطاغوت وسياسة التوريث والكراسي الدائمة والشخصية الواحدة .. يتطلع إلي صياغة المستقبل وإلي إيجاد كينونته الوطنية ألمعبرة عن ذاته .



إن نهاية الزعيم كما كانوا يطلقون عليه قائد ثورة الفاتح أو العقيد الليبي معمر القذافي كانت متوقعه ولا يوجد شخص لا يتوقع أن يكون مصير القذافي بهذا الشكل .. فهو من رسم طريقه وأراد لنفسه أن يكتب هذه النهاية المؤلمة بالطبع والتي لا يرجوها أحد أو يقتنع بها .. فحجم البشاعة والتشنيع كبير وتلك المشاهد المؤلمة لعلها باتت نموذجاً للثورة العربية فكل يوم نشاهدها في شوارع اليمن أو القاهرة أو ليبيا أو دمشق الشام .. فأصبحت صور القتل اليومي بشعة إلي حد الاشمئزاز فهذا الواقع المر والطريق السوداء التي أرادها الرؤساء العرب ورسموها لمصيرهم هي طريق وعرة بالتأكيد ومصيرها أحمق ومؤلم .. فبدلا من التنحي والتخلي عن السلطة يزداد الرئيس قمعا ويستنفر أجهزته لقمع شعبه ويستأجر الشبيحة والبلطجية لقتل أبناء شعبة .. فبشاعة المشهد الليبي لقمع أجهزة معمر القذافي للشعب الليبي لم تختلف صورتها عندما بشع به قتلته مع الفارق الكبير هنا أن من قتل القذافي هم الثوار وكان يجب أن يتحكموا بأنفسهم ويجسدوا أخلاق الثوار والثورة .. ولم يختلف مشهد قتل مغني الثورة السورية كثيرا في بشاعته عن قتل القذافي أو عشرات القتلي في اليمن أو شوارع دمشق أو شوارع اليمن فالمشهد بات مألوفاً للمتابع العربي علي ساحة الحدث اليومي .

إن الثورة العربية والتي أفرزت حتى الآن نموذجا لرئيس ترك السلطة وهرب زين العابدين بن علي .. والرئيس المتنحي حسني مبارك والذي يواجهه عقوبة الإعدام حيث يحاكم علي جرائم قتل المتظاهرين .. ونموذج معمر القذافي الذي قتله شعبه .. ونموذج الرئيس اليمني علي عبد الله صالح المستميت والمتشبث بالسلطة والذي يقتل كل يوم أبناء شعبه ونموذج الرئيس بشار الأسد الذي يرفض حتى إجراء تغيير أو يعترف بالثورة في ظل تستر وتعتيم إعلامي لا مثيل له من قبل أجهزة الأمن لديه .. فهذه النماذج تدفع المواطن العربي إلي التفكير معمقا بالمستقبل حيث لا مجال أمام المواطن العربي إلا الموت وهو يطالب بالتغيير .. هذا الواقع العربي المؤلم الذي يدفع بالشباب العربي للخروج إلي الساحات العامة والتظاهر اليومي للمطالبة بالتغيير من أجل حقوقه السياسية ومن أجل مستقبله وحياته ..

إن ما يصعب علي العديد من السياسيين إدراكه حتى الآن أن الشباب العربي الذي يعيش ثورة المعلومات الرقمية والإنترنت هو بحاجه ماسة إلي التغيير السياسي والفكري وإيجاد شخصيته بعيدا عن الاحتكار والإرهاب الفكري الذي مارسته أحزاب القمع العربية أو التطرف الديني وأيدلوجيا الأفكار الضيقة التي استحوذت علي عقول الشباب العربي خلال القرن الماضي ..
رئيس تحرير جريدة الصباح – فلسطين

CONVERSATION

0 comments: