... لعل الجميع يذكر الولاية الأولى للرئيس الأمريكي أوباما،والذي بعض العرب والفلسطينيين،نظروا اليه على انه المخلص والمنقذ،لمجرد انه أستخدم لغة جديدة تضرب وتلعب على وتر المشاعر والعواطف والدين في تسويق بحلة جديدة لنفس السياسة الأمريكية الخارجية،تلك السياسة الأمريكية التي ثابتها الدعم والولاء المطلق لإسرائيل في كل ما تنتهجه وما تقوم به من سياسات وإجراءات وممارسات بحق الفلسطينيين والعرب،وتوفير الغطاء السياسي والحماية لها في المحافل والمؤسسات الدولية ضد أي قرار أو عقوبات قد تتخذ أو تفرض عليها بسبب إجراءاتها وممارساتها وجرائمها المتناقضة والمتعارضة مع القوانين والاتفاقيات الدولية،والضغط على العرب والفلسطينيين لتقديم تنازلات تستجيب للشروط والإملاءات الإسرائيلية - الأمريكية فيما يتعلق بالتسوية والمفاوضات في أي استعصاءات تواجهها بسبب التعنت الإسرائيلي.
وبالفعل السلطة الفلسطينية اشترت الأوهام الأمريكية وراهنت على حلب"الثور" وعادت للمفاوضات وفق النصائح والوعود والضغوط الأمريكية ،مفاوضات سرية وعلني،مباشرة وغير مباشرة،ولكن تلك المفاوضات العبثية والماراثونية،كان الهدف الأمريكي- الإسرائيلي منها واضح استمرار إدامة الأزمة لمنع تدهور الأوضاع في المنطقة،على أن تقوم ما يسمى بالرباعية شاهد الزور بالضغط على الدول الأوروبية الغربية لتمويل مشاريع ومساعدات اقتصادية للفلسطينيين،ووفق شهادة حسن سلوك يستصدرها"المتصهين" بلير للسلوك الفلسطيني من أمريكا وإسرائيل،وعلى ضوئها يتقرر الصرف من عدمه،بما في ذلك العوائد الجمركية والضريبية الفلسطينية.
وللتذكير رغم قصر الذاكرة عندنا كعرب وفلسطينيين،فالولاية الأولى للرئيس الأمريكي أوباما،كان العداء فيها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،الأكثر من أي إدارة أمريكية سابقة،حتى أن المواقف العدائية الأمريكية من تلك الحقوق،كانت أكثر تطرفاً من الموقف الإسرائيلي نفسه،فهي من عارضت انضمام السلطة الفلسطينية الى هيئة الأمم والوكالات الدولية التابعة لها،وهي من استخدمت الفيتو ضد إدانة الاستيطان،وهي من رفضت بشدة وعارضت الطلب الفلسطيني للحصول على العضوية الكاملة في مجلس الأمن،وهددت باستخدام الفيتو في حال عرض الطلب الفلسطيني على مجلس الأمن،ومارست كل الضغوط على السلطة لثنيها عن الذهاب الى الجمعية العامة من أجل الحصول على العضوية المراقبة،بل وحرضت العديد من الدول لجهة عدم التصويت الايجابي،وكانت بصماتها واضحة في تعطيل المصالحة الفلسطينية.
إن زيارة أوباما القائمة ستكون بمثابة إنعاش أو ضخ الروح في عملية سلام ميته،وهي ستكون تكرار للحديث والوعود السابقة،وخصوصاً ان الحكومة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي يزدادون صلفاً وعنجهية وتطرفاً،وفي ظل ما نشهده من تغول وتوحش و"تسونامي" استيطاني غير مسبوق،ليس في القدس وحدها،بل في الضفة الغربية،فإن تلك الحكومة لن تستجيب للطلب الأمريكي بتجميد جزئي أو مؤقت للاستيطان،ولربما تقبل بتلك الخطوة مؤقتاً خارج القدس وما يسمى بالتجمعات الاستيطانية الكبرى،على ان يتعهد الطرف الفلسطيني مقابل ذلك بعدم المضي قدماً في الانضمام الى الوكالات والاتفاقيات الدولية،وبالذات محكمة الجنايات الدولية،على الرغم من قناعتي بعدم قبولها بهذا المطلب والخيار،فالاستيطان ثابت من ثوابت فكرها الصهيوني،كذلك فإن بوادر بناء الثقة التي يجري الحديث عنها،وبالذات إطلاق سراح الأسرى،لن تصل الى حد إطلاق سراح أسرى بحجم ومكانة سعدات أو البرغوثي،فهؤلاء ضمن مشروع ابتزاز سياسي أكبر،وما سيجري الحديث عنه،سيكون ضمن برنامج ومشروع نتنياهو لما يسمى بالسلام الاقتصادي،تسهيلات اقتصادية،والإفراج عن أموال الضرائب المغتصبة،ورفع بعض القيود عن الحركة بين الضفة والقطاع،وزيادة تصاريح العمل للعمل والدخول لعدد أكبر من التجار الى القدس والداخل- 48 -.
المأساة هنا أن السلطة الفلسطينية،تريد استئناف المفاوضات بأي ثمن،وهي لا تريد خيار آخر غير المفاوضات،في الوقت الذي نرى فيه بأن المفاوضات العودة إليها،يجب أن لا تكون كما يريد نتنياهو وأوباما بدون شروط مسبقة وبدون مرجعية دولية وبدون سقف وجداول زمنية محددة،وبدون وقف كامل للاستيطان،وبدون اعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على أساس حدود عام 1967،وبدون إطلاق سراح الأسرى وبالذات القدماء منهم.
فالعودة الى هذه المفاوضات بدون هذه الشروط سيقودنا الى العودة الى نقطة البداية،تفاوض من أجل التفاوض كما أراد ذلك أحد رؤوساء الوزراء الإسرائيليين السابقين "اسحق شامير" عندما قال في مؤتمر مدريد سأفاوض الفلسطينيين والعرب عشرون عاماً،دون أن أقدم لهم أي تنازل جوهري،أو انسحاب من الأرض،ومر أكثر من عشرين عاماً على ذلك،وكل الحكومات الإسرائيلية تعاملت معنا كفلسطينيين على هذا الأساس،حيث كانت تلك المفاوضات تعني ربحاً صافياً للمحتل وخسارة صافية لنا كفلسطينيين،فمصادرة الأراضي والاستيطان تضاعف مئات المرات من مدريد وحتى الآن،وحتى اتفاقية أوسلو المجحفة جداً بحقنا كفلسطينيين،جوفها الاحتلال من مضمونها،ولم يبق منها سوى التنسيق الأمني والتبعية الاقتصادية.
وأنا لآ أدري لماذا نصر على أن نخسر أنفسنا وندمر مشروعنا الوطني ونفكك قضيتنا في سبيل مفاوضات بائسة وعقيمة،حيث تعطلت مفاوضات وحوارات القاهرة الفلسطينية للمصالحة على مذبح زيارة أوباما،وكذلك لم نلمس منذ الحصول على الدولة المراقب،أي خطوات نحو التحلل من التزامات أوسلو وسلطة الحكم الذاتي،والانتقال لو بشكل متدرج على أساس أننا دولة،فلا أفق لانتخابات برلمانية للمجلس الوطني،بدل المجلس التشريعي .
وزيارة اوباما عدا انها ستحمل طابع علاقات عامة،وإظهار اهتمام الإدارة الأمريكية بعملية السلام،حيث من المرجح أن يضغط أوباما لالتقاط صورة تذكاريه تجمعه بنتنياهو وعباس وعبدالله الثاني،فهناك الكثير من العناوين على جدول تلك الزيارة،ليس الملف الفلسطيني أهمها،بل الملف النووي الإيراني،وطمأنه إسرائيل بأن أمنها وتفوقها،وجودها ومستقبلها في أيدي أمريكية أمينة،وإيران يجب أن تكون في حصار وعزلة وخاضعة لعقوبات دولية ما لم تخضع لشروط "ومتطلبات المجتمع الدولي"،وكذلك قضية ترميم العلاقات الشخصية بين نتنياهو واوباما،والملف السوري،والتطورات العربية أو ما يعرف بالربيع العربي،والفوضى التي بدأت تتسع عربياً،ولربما تخرج عن السيطرة الأمريكية.
العودة للمفاوضات تفترض وجود عوامل قوة فلسطينية،أساسها وحدة فلسطينية،ومصالحة وإنهاء انقسام،وصياغة تحالفات عربية وإقليمية جديدة تقوى الموقف الفلسطيني،وتحدث تعديل في ميزان القوى،وبدون ذلك فالعودة للمفاوضات وبالطريقة السابقة وشروطها ،يعني سلطة مؤبدة تحت الاحتلال،ومشروع استثماري للبعض،وضياع للمشروع الوطني وتفكيك للقضية.
0 comments:
إرسال تعليق