بعيدا عن الجدل الدائر حول انفلات سيناء من عقال الامن المصري وعن تصريحات رئاسة الجمهورية بأن الحالة الأمنية في سيناء مستقرة وأن نسبة الإشغال السياحي بفناديق جنوب سيناء نسبة جيدة جدا , يخبرنا التاريخ بأن سيناء ارض منعزلة جغرافيا ومنطقة نائية أداريا عن الحكومة المركزية في القاهرة منذ مئات السنين , ويعامل اهلها الاصليون وهم العربان البدو معاملة تختلف تماما عن معاملة باقي المصريين , فمنذ عام 1805 م في عهد محمد علي تم الحاق سيناء بنظارة الحربية إدارياً وماليا وعسكريا ، وظلت تحت ادارة مدير المخابرات واشراف سردار الجيش المصرى وناظر الحربية وكان عليها ضابـط من الجيش المصرى برتبة قائمقام وكان يلقب (قومندان ) جزيرة سيناء ومركزه كان في نخل , ومنذ ذلك التاريخ ويعاني بدو سيناء العزلة الادارية ويشعرون بالغربة والتفرقة بينهم وبين باقي المصريين.
وكان يتوجب علي من يريد زيارة سيناء قبل عام 1967 الحصول علي تصريح من حرس الحدود بالقاهرة مما رسخ الاعتقاد لدي المصريين بمحافظات مصر المختلفة أن سيناء ليست مصرية , وحتي بعد عودة سيناء الي السيادة المصرية في أبريل عام 1982 بدأت مرحلة جديدة من معاناة بدوها حيث بدأ عهد استخدام جميع انواع التمييز السلبي ضدهم بواسطة الذراع الأمني لنظام البائد مشفوعا بالتشوية الأعلامي, بالإضافة الي تعمد وتعنت وتجاهل من قبل القيادة السياسية حينها لعزل وتهميش البدو وعرقلة التنمية فى سيناء والتعامل مع سيناء وأهلها علي انها مجرد ملف امني فقط .
وقد تأزمت العلاقة بين عربان سيناء وبين الاجهزة الأمنية والأدارية المصرية نتيجة الشعوربالاضطهاد والمعاملة السيئة من قبل السلطات المصرية الي درجة أن هدد مؤخرا العشرات من العائلات البدوية الموجودة فى ابو رديس بجنوب سيناء بتسليم البطاقات الشخصية والعائلية والتنازل عن الجنسية المصرية , كما هدد أبناء البدو في أبو رديس بأنهم سوف يذهبون إلى مقرات القوات متعددة الجنسيات وحفظ السلام بشرم الشيخ لحمايتهم .
وفي هذا الصدد صرح المتحدث باسم شباب القبائل انة اجتمع مع معظم القبائل البدوية وجمع اكثر من مائة بطاقة شخصية وعائلية للتوجه بها إلى مكتب المخابرات الحربية لتسليم البطاقات أحتجاجا علي المعاملة السيئة والمعاناة التى يلاقونها من تهميشهم وعدم الحصول على الوظائف بالإضافة الي قتل أبناءهم اكثر من مرة علي يد رجال الامن والجيش المصري وهدد إذا لم تقم الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة بتوفير فرص عمل والقصاص من قتلة ابناء البدو سوف يقومون بالتنازل عن هويتهم وجنسيتهم المصرية.
كما قام المئات من بدو جنوب سيناء بغلق مداخل ومخارج شركة بترول بلاعيم وحجز العاملين داخل المقر، بعد قيامهم بإشعال النيران بإطارات الكاوتش إمام بوابات الشركة، إحتجاجًا على عدم تعيينهم فى شركات البترول وتعيين الوافدين من خارج المحافظة , حيث انضم إليهم أكثر من 70 شابا من البدو تم تعيينهم فى محافظة البحر الأحمر ويرغبون فى نقلهم الى محافظتهم بجنوب سيناء .
يقول الشيخ أحمد عيد ابوهاشم من عواقل قبيلة العليقات أن تهميش البدو فى التعيينات وغياب العدالة الإجتماعية و التعيين بالمحسوبية والوساطة بجانب إرتفاع معدل البطالة بين شباب البدو أصبح أمر غير مقبول خاصة مع وجود 55 شركة خدمات بترولية وكبرى الشركات " سوكو" و "بتروبل" في أبورديس وينتج منها ثلثي البترول المصري , وأوضح ابوهاشم أن هذه الشركات يعمل بها أكثر من12 الف عامل ليس بينهم سوى 89 من أبناء جنوب سيناء مؤكداً أن الشركة العامة للبترول "برأس سدر" لم يعين بها سوى 10 من أبناء البدو و 1100 عامل من خارج المحافظة.
وأضاف احد العاملين بشركة "ابيسكو" فى محافظة البحر الاحمر ويدعي عبدالله محمود جمعة رغم انى اقيم فى ابورديس ولا ابعد عن شركة " ابيسكو" سوى 800 متر الا ان وزير البترول امر بتعيننا فى محافظة البحرالاحمر التى تبعد 1100 كيلومتر ذهابا وعودة وتساءل "جمعة" ما الهدف من تعذيبنا بالسفر، ينقلون المغتربين من ابورديس للبحر الاحمر "مش هاتفرق معاهم" , واضاف محمد سليمان من قبيلة القرارشة، "الهدف من نقلنا هو ان نترك العمل ثم يقال البدو مش بتوع شغل يتمنون لنا الفشل رغم وعود الجيش ووزارة البترول لنقلنا الا انها لم تنفذ"
وفي الانتخابات الرئاسية الاخيرة وجد عربان سيناء انفسهم بين مطرقة الاخوان المسلمين وبين سندان النظام البائد , فرغم مخاوفهم من سيطرة الاخوان المسلمين علي مقاليد الامور في البلاد وما ينتج عن ذلك من تأثير سلبي علي صناعة السياحة التي يعيش عليها معظم بدو سيناء , رغم هذا إلا انهم آثروا التصويت لصالح مرشح حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الاخوان المسلمين محمد مرسي هربا من جحيم عودة اركان النظام السابق للسدة الحكم وحرصا منهم علي المصلحة العامة لثورة حسب تصريحات شيوخ قبيلة المزينة التي دعمت مرسي , وفي هذا يقول الشيخ رمضان رويبض شيخ قبيلة المزينة كبري قبائل الجنوب: " ان فوز مرسى دللالة على أن الثورة بدأت تتحقق أهدافها، وأن أبناء سيناء وقفوا خلف مرسي لثقتهم بأنه سيعيد حقوقهم إليهم، ويرفع عنهم الظلم و الطغيان."
لاكن تراكم المشكلات وتدهور الاوضاع الامنية دفع بدو سيناء الي مناشدة الرئيس المنتخب محمد مرسي بسرعة التدخل لحماية البدو وهم من الأقليات فى المجتمع المصري وطالب شيوخ العربان بسرعة القصاص العاجل بدلا من الانتقام الذي سيطول الجميع , وذلك في أعقاب مقتل احد رجال قبيلة الحماضة علي ايدي احد ضباط الجيش المصري نتيجة اطلاق النار علية مما أثار حفيظة العشرات من البدو الذين تظاهروا بمدينة ابورديس وهددو بالاعتصام علي الحدود مع اسرائيل . كما هدد أحد أقارب البدوي المغدور أنه إذا لم يستجب لنا احد سنضطر لتقطيع الهوية (البطاقة) المصرية واللجوء الى الحدود المشتركة بين إسرائيل ومصر.
وأشار احمد الهريش شيخ قبيلة القرارشة إلى أن مايحدث لايمكن السكوت عليه مصرحا " أننا بالفعل سنسلم بطاقتنا لأقرب وحدة عسكرية بسبب سوء معاملة البدو وإهدار حقوقهم من قبل الشرطة والجيش، مؤكدا أن دماء البدو أصبحت رخيصة بدليل قتل اثنين من قبيلة القرارشة بمجرد الاشتباة وقتل اربعة افراد على يد الجيش من قبائل الصوالحة والحيوات وأخيرا الحماضة , كما أن الشيخ عبد العزيز حسن أحد مشايخ قبيلة الحماضة عندما سؤل هل ترى حدوث تفرقة عنصرية لكم ؟ أجابا قائلا "نعم فالحكومة تعامل البدو على أنهم تجار مخدرات و حرامية و تجار سلاح و ليس لنا أصل أو حق من الحقوق المدنية و عند إرتكاب أى أحد مننا خطأ فإننا يحكم علينا بأحكام مضاعفة أحيانا و تنسب إلينا تهم أخرى لا علاقة لنا بها ".
وقد أيد المحامي والناشط السياسي صالح ياسين البدو ودافع عن موقفهم من الناحية القانونية موضحا أن مايحدث هو قتل مع سبق الاصرار والترصد وتصفية جسدية يدخل فى نطاق التطهير العرقى , وأكد ان مثل هذة التصرفات تزيد وتعمق احساس البدو بالتفرقة فى المعاملة , وتساءل ياسين لو كان الضابط هو من قتل لتحرك الاعلام باسره وجنازة عسكرية وقصاص من القتلة.
ومع تسارع وتيرة الاحداث علي ارض سيناء , تري هل ينجح الرئيس المصري الجديد محمد مرسي الذي خرج من عبائة الاخوان في رفع الظلم والاجحاف عن العربان وتحقيق الامن والاستقرار علي ارض سيناء وتلبية طموحات أهلها , ام ان الامور لن تبارح مكانها "وتعود ريما لعادتها القديمة" علي حد قول احد ابناء القبائل , وتبقي الوعود والقرارات حبر علي ورق؟ هذا ما ستجيب عنة الاشهر بل الايام القليلة القادمة .
الباحث. نبيل عواد المزيني
رئيس مركز المزيني للدراسات والابحاث
وسفير الجمعية المصرية لعلوم وأبحاث الأهرام بأمريكا
0 comments:
إرسال تعليق