فشل الخطاب السني في العراق وخذلان المقاتلين/ أسعد البصري
عام ١٩٩٣م كان الشاب كرار الوائلي الذي في مقتبل العمر قد قدم نفسه إلى حزب الدعوة والسيد نوري المالكي في دمشق ، وأثبت لهم بأنه منتمي للحزب و عنده أخ معتقل بتهمة الحزب أيضا . ضمن إمكانات حزب الدعوة الذي كان معارضا و مطاردا تكفل بسكن لائق لهذا الشاب و قاموا بزجه في جامعة دمشق قسم الفلسفة ثم الماجستير في جامعة لبنان ، ثم إلى لندن . طبعوا له بعض الكتب الأدبية البسيطة لكنه الآن في وزارة الخارجية و سفير عراقي يتدرب على الأعراف والأسرار ويكتسب مهارات للمستقبل .
المقصود من هذه الحكاية هو أن حزب الدعوة التقط هذا الشاب من الشوارع في دمشق و جعل منه الآن سفيرا . لا يستطيع السنة منافسة التنظيمات الشيعية لأنهم لا يمتلكون هذه الروحية . ليس عندهم قيادة حقيقية . إنهم فقط متلهفون لصفقة سريعة تنفعهم كأفراد وبوقت سريع .
الأستاذ سرمد الطائي تلقى دعما من مقتدى الصدر و مؤسسة المدى الشيوعية حتى زرعوه في الفضائيات و جريدة الحياة السعودية . و الأستاذ علاء الخطيب تلقى دعما مباشرا من المالكي حتى زرعوه في الفضائيات الرسمية و قناة الجزيرة ... هكذا يصنعون رجالهم و خطابهم وليس " طلوع رب العالمين " مستحيل .
كتاب شيعة كثيرون ( أصدقاء لحزب الدعوة الحاكم ) عرفوا الطريق إلى السعودية حتى أصبحوا ضيوفا دائمين في الجنادرية وإعلام الدول الثرية .
الشيعة يتحركون صح ، وهيمنوا حتى على الإعلام العراقي في الخليج .
السنة يتحركون خطأ لأنهم يفكرون بالصفقات السريعة وليس بالنفس الطويل و تربية الكوادر و دعمها . وأنا لا أدري ما جدوى دعم الخليج السخي لبعض هؤلاء السياسيين الذين لا يتمتعون لا بالخيال ولا بالسخاء .
حتى إعلامنا خطأ ، المالكي يهجم على بهرز نتحدث عن بهرز ، يهجم على حويجة نتكلم في حويجة ، يهجم على الفلوجة نتكلم في الفلوجة ، يصادق على القانون الجعفري نتكلم في القانون الجعفري ... نحن نساهم بالخدعة الشعوبية التي قام بها الخطاب الشيوعي بجعل نقد المالكي يوميا فكاهة وتسلية و أفيون و ديمقراطية .
الحكومة الصفوية تمتلك المبادرة والسنة مجرد ردة فعل . ربما أنا الوحيد الذي انتبه لضرورة الهجوم على المعتقد الصفوي و إحراجه في الأساس الذي تقوم عليه قوته وهي المراجع و النجف .
كان يجب أن نبادر أيضاً ونمنح المقاتلين الأفذاذ في الأنبار أملا ، و مشروعا ، و شرعية لا مجرد ثرثرة و ردة فعل لأفعال المالكي .
ماذا عندنا ؟ شعراء سنة يقرؤون شعرا عموديا في الخليج كالشاعر عمر عناز و هزبر محمود يحرصون على عدم الخوض في السياسة حتى يكون طريق زيارة أهلهم في العراق مكتوما من الكواتم . عندنا شاعر عمودي مهم مثل محمود الدليمي لا يكترث له أحد لأنه حتى لا يعرف الطريق الآمنة من الموصل إلى الخليج .
صحفي شاب مبتديء في فضائية الفرات التابعة للسيد عمار الحكيم يقبض حوالي أربعة آلاف دولار شهريا ، هذا غير المخصصات الأخرى من قطعة أرض و سيارة و مخصصات النقابة . السؤال كم يقبض صحفي معروف مثل وجيه عباس مثلا ؟ .
ينبغي تنبيه الكتاب السنة الشباب الذين يتعرض بعضهم للإغتيال والإجتثاث والتهميش إلى أن مأساتهم يتحملها السياسي السني نفسه . الخميس الماضي المصادف ٢٧ مارس اغتال مسلحون مجهولون في الموصل الإعلامي المعروف واثق الغضنفري الذي يقدم برنامجا في قناة سما التابعة لأثيل النجيفي . الإعلامي السني في العراق يتم اغتياله لمجرد الكفاءة رغم أنه لم يخرج مظاهرات ، ولم يدع إلى ثورة ، مجرد مقدم لبرنامج شيق عن تراث مدينة الموصل .
الثقافة الشيعية ذات تفوق كبير في العراق اليوم وهذا يرجع لأسباب كثيرة أولها القمع والإغتيال بالكواتم لكل الكفاءات السنية تحديدا ، غير أن أهم هذه العوامل هو امتلاك الشيعة لمشروع ثقافي عقائدي جعل من ثقافتهم ذات رافدين ، الأول تقليدي ديني تمثله حوزة النجف بكل ثقلها ، و عدد طلابها ، و المليارات الخاصة بها ، والرافد الثاني هو احتكار الشيعة لكل المؤسسات الإعلامية والثقافية الرسمية في الدولة العراقية بكل مواردها البترولية الضخمة .
إن المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي الذي يحكم العراق حاليا ، هو شخصية دينية و ثقافية و مرجع روحي في نفس الوقت . هل تعلم بأن الخامنئي قاريء نهم للروايات مثلا ؟ . فهو يقول
" أنا لم اقرأ كل الروايات التي كتبت عبر التاريخ بلا شك ولكنني قرأت الكثير من الروايات المتعلقة بقرون مختلفة . قرأت روايات قديمة جدا ، مثالا على ذلك لنقل بأنني قرأت الكوميديا الإلهية و قرأت أمير أرسلان و كذلك ألف ليلة و ليلة ، لكن البؤساء معجزة في عالم كتابة الرواية . قلت مرارا اذهب واقرأ البؤساء ولو لمرة واحدة ، هذه الرواية كتاب في علم الإجتماع ، والتاريخ ، والنقد ، كتاب روحي ، و كتاب في الحب والمشاعر ."
هذا يعكس اهتمام الشيعة بالثقافة والإعلام خصوصا في حربهم المعلنة لتهجير السنة من العراق ، و الهيمنة الكاملة على البلاد باسم المذهب . مقابل هذه الكفاءات المذهلة نلاحظ الساسة السنة إما يقبضون من الحكومة الصفوية ليعملوا كصحوات و وكلاء للمشروع الصفوي ، أو يقبضون من الخليج ليؤسسوا خطابات هزيلة ضحلة مليئة بالشتائم الطائفية . لا يعرفون الفن الشيعي في التربية والدعم و بناء الكفاءات و تأسيس مشروع سني وجداني يمنحهم على المدى البعيد الكرامة التي يطالبون بها بأصوات عالية في ساحات الإعتصام .
0 comments:
إرسال تعليق