تحتفل إذاعة الشمس (اذاعة عربية مستقلة من مدينة الناصرة) بعقدها الأول وهي الأداة الإعلامية المسموعة المستقلة الوحيدة في الوسط العربي، طبعا لا أتجاهل وجود إذاعة عربية أخرى، راديو صوت اسرائيل بالعربية، الراديو الرسمي للدولة!!
تابعت عن كثب ولادة راديو الشمس، لم أتوقع أن تصمد حتى هذا الوقت، بل وتبدو اليوم أكثر شبابا ، أكثر حيوية ، أوسع رؤية وأكثر ثباتا في الساحة الإعلامية التي احتلتها منذ بدأت كإذاعة محلية تتلمس طريقها، عبر الكثير من صعاب ومشاكل البدايات، خاصة الموضوع المهني ،الإداري والإعلامي لأداة إعلامية إذاعية ناشئة.
المجتمع العربي شهد في السنوات الأخيرة تطورا إعلاميا واسعا، بإنشاء صحف عديدة، انشاء مواقع الكترونية بالعشرات ومحاولة لم تنجح بإنشاء محطة تلفزيونية، هناك حديث يسمع بين فترة وأخرى عن مشروع تلفزيون عربي، مجتمعنا العربي بأمس الحاجة إلى مثل هذا المشروع ، كوسيلة إعلامية حديثة ، تملك إمكانيات لا تتوفر بوسائل الإعلام الأخرى، إذ إلى جانب الصوت والكلمة هناك الصورة المتحركة وهو الإعلام الأكثر تأثيرا وانتشارا في المجتمعات البشرية.
القفزة الإعلامية في الوسط العربي، تتميز بامور عديدة ، معظمها شكلي لم ينجح في اختراق مجتمعه والتأثير عليه، واعني من جهة اولى نشر العديد من الصحف المطبوعة واطلاق مواقع انترنت، تأثيرها كان وبقي هامشي الى حد كبير جانبه الترفيهي هو الأقوى، من الجهة الثانية انطلاقة اذاعة الشمس التي استحوذت على اهتمام جمهور المستمعين من المواطنين العرب بشكل واسع للغاية، واستطاعت ان تخترق المجتمع العربي لتشكل نافذته الاعلامية على مجمل الأحداث والقضايا المتنوعة ، ولا يتردد البعض بوصفها ب "صوت الجماهير العربية"!!
الوسائل الاعلامية المطبوعة والمواقع على الشبكة الألكترونية تواجه إشكاليات كبيرة. على رأسها غياب إستراتيجية إعلامية من معظم الصحف والمواقع، ما نشهده اليوم هو إعلام ضعيف من حيث المستوى، طبعا هناك تفاوت ظاهر، بعض المواقع تقدم خدمات اعلامية جيدة، اكثريتها لا يمكن وصف نشاطها الا بالترفيهي. نشر الخبر لا يرفع من قيمة الموقع لأنها تعتمد على النقل ، ويمكن قراءة الخبر بنفس النص ونفس العناوين ونفس الأخطاء (المضحكة احيانا) ، بعشرات المواقع. بكلمات اخرى لا نرى جهدا للتميز الا لعدد قليل جدا من المواقع ولا فرق بين موقع كبير وموقع مبتدئ، ما يصنع الفرق الجهد الاعلامي المميز للموقع. بعض المواقع الصغيرة قيمتها الاعلامية تتجاوز المواقع الكبيرة.
ان صحافة بلا تفكير وبلا تنوير لا مستقبل لها. من الشروط الأساسية للإعلام انه يتبنى مصالح وتطلعات المجتمع الذي يمثله وفي حالتنا المجتمع العربي في اسرائيل، للأسف لا استطع ان أجد مثل هذا الاعلام الا بشكل جزئي. تقوم اذاعة الشمس هنا بالذات بدور لا منافس له، كونها المرآة التي تعكس واقع المجتمع العربي اولا، مجمل قضايا الحياة السياسية والاقتصادية في اسرائيل، لا تترك موضوعا يهم المواطنين العرب دون تناوله بالبحث والتحليل واقول ان ملفات راديو الشمس هي سجل تاريخي للتطورات السياسية والاقتصادية للمجتمع العربي وللمجتمع الاسرائيلي عامة .
هناك عوامل تؤثر سلبا على تطوير الاعلام المحلي، يتعلق ذلك بكعكة الإعلانات الحكومية حيث حصة الوسط العربي ضحلة ولا تصل لأكثر من 2 - 3%، كذلك عدم اهتمام الشركات اليهودية بتخصيص نسبة دعايات تتوافق مع نسبة توزيع منتجاتها في الوسط العربي، الأمر الذي يفرض واقع الفقر على صحافتنا ويقلص إمكانيات تطورها الإعلامي وادخال دم جديد وقوى تملك طاقات اعلامية مهنية، ما نشاهده هو تراجع متواصل وتحول الكثير من الصفحات الاعلامية الى ملصقات دعائية لا تخاطب القارئ.
هذا الواقع القى على عاتق إذاعة الشمس مسؤوليات جسام لكونها الأداة الوحيدة المتواجدة اعلاميا في دائرة الحدث في كل ساعات اليوم، الى جانب انها لا تكتفي بنشر الخبر ، بل تقوم بعمل اعلامي واسع لتقديم الحدث من جميع زواياه، عبر لقاءات حية ومباشرة مع المشاركين في الحدث.
استطع أن أقول إن إذاعة الشمس استطاعت أن تتجاوز هذا الفقر الإعلامي والفقر في المضامين وان تصبح النافذة التي يطل منها المواطن على أحدات مجتمعه ، دولته ومنطقته الجغرافية بكاملها. هذه نقاط تسجل لصالح الادارة وقدرتها على تطوير رؤية اعلامية حداثية للإذاعة.وتوظيف الامكانيات المادية الضرورية للتميز الاعلامي!
طبعا لا يوجد اعلام مطلق والموضوع كله نسبي. من هذه النسبية نجد ان إذاعة الشمس اختطت لها طريقا مميزا، من ناحية جرى تطوير البرامج، تجديدها، إثرائها باستمرار والتعاقد مع إعلاميين لهم مكانتهم البارزة في الإعلام العربي والعبري.
إن تطور الخبرة الإدارية والمهنية، الى جانب التجربة الواسعة التي اكتسبتها الإذاعة وطاقمها وإدارتها خلال عشر سنوات من النشاط الاعلامي، النجاح والتحسين وعدم الظن أن ما وصلته الإذاعة هو قمة التمني، بل بفهم كامل ان النجاح هو طريق باتجاه واحد والويل لمن يتوقف ولا يواصل التقدم دائما. كذلك بناء الثقة بين طاقم العاملين انفسهم وبينهم وبين ادارة اذاعة الشمس، مما خلق اجواء صحية للنشاط الابداعي والشعور المتبادل بالثقة على جميع المستويات، وبرزت قدرة الطواقم المهنية على اتخاذ القرارات بشكل مستقل اذا لزم الأمر!!
طبعا لا اكتب مقالا احتفاليا، ولا تحليلا شاملا ، ولا نقدا تفصيليا للبرامج، لكني اقول عن معرفة ان طاقم الادارة والمهنيين في الاذاعة لا يوفرون نقدهم عن البرامج ونقدهم الذاتي لنشاطهم اذا لزم الأمر ، بروح ايجابية تساهم بشكل كبير في تطوير دائم لأساليب العمل من حيث الاعداد والتنفيذ.
اعرف ان إذاعة الشمس مقبلة في الفترة القادمة على تحديات كبيرة، لكنها أصبحت تمتلك الخبرات المهنية والإدارية الواسعة، المشاكل دائما تظهر بوجود نشاط إبداعي ، هي مشاكل مواصلة النجاح. النجاح ليس وليد لحظة عابرة، بل هو بناء فسيفسائي بالغ الصعوبة والدقة ولا نهاية له ويحتاج إلى جرأة الإقرار بالخطأ، بالضعف في نقاط ما ، نقد الذات أيضا بجرأة وتحليل أسباب الضعف ، ليس بهدف تجريح شخصي أو إلقاء اللوم على إفراد من كادر الإذاعة ، إنما بهدف التميز المتواصل بدون الوهم ان ما أنجز هو الهدف وحان وقت الراحة، كذلك ابراز النجاحات وتطويرها !!
الصحافة يميزها أمر أساسي : لا تعرف التوقف في المفارق.
الملاحظة الهامة التي أود أن أسجلها، اني اليوم عندما انظر لما تقدمة اذاعة الشمس، أقول بكل مسؤولية، أنها لم تعد تلك الإذاعة المحلية التي بدأت قبل عقد من السنين، بل أضحت إذاعة شرق أوسطية، تعطي تغطية إخبارية لمجمل ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، بدءا من إسرائيل ، وصولا إلى العالم العربي ، وفتحت بثها المباشر لكل من يستطيع أن يساهم برأيه حول حدث ما، حتى من الولايات المتحدة الأمريكية أو من دول أوروبا كافة.
ملاحظة أخرى، إذاعة الشمس كسرت حواجز اللغة، بصفتها إذاعة شابة، تخاطب جمهورا عربيا يعيش في إطار ثقافتين ولغتين، العربية والعبرية، لم تتردد لحظة واحدة في استضافة شخصيات يهودية ، من رئيس الدولة إلى الوزراء ، نواب الكنيست ، السياسيين ، المحللين ، رجال الاقتصاد ، رجال العلوم، أطباء، أدباء، شخصيات اجتماعية ، رجال أكاديميا ، عسكريين وغيرهم ، لتقديم أرقى المعلومات وأكثرها دقة من مصدرها الأول ، إن كان باللغة العربية أو باللغة العبرية وبدون ضرورة للترجمة إلى العربية لتصريحات المتحدثين باللغة العبرية، على حد علمي الشمس هي الإذاعة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تقدم برامج سياسية فكرية اجتماعية بمشاركة متحدثين بالعربية ومتحدثين بالعبرية بدون ترجمة من منطلق قناعتها ان المواطنين العرب ، جمهور الإذاعة الأساسي هو جمهور ضليع باللغتين. ويستطيع المتابع أن يقرا تفاصيل اللقاء العبري على موقع الشمس الالكتروني مترجما الى اللغة العربية ضمن اخبار الموقع .
لا ادعي أن إذاعة الشمس لا تواجه إشكاليات مهنية ، هذه الإشكاليات هي من طبيعة كل عمل إعلامي، كل عمل إبداعي وكل نشاط إنتاجي، الذي أريد التأكيد عليه أن الانتباه والاندماج الحماسي بالعمل، لكادر الإذاعة وإدارتها، عدم الهروب من المصاعب المختلفة، بل مواجهتها والبحث عن حلول، إلى جانب عدم السقوط بأوهام إننا نعرف كل شيء ولا نحتاج إلى المزيد من المعرفة ، لان المهني البارز أيضا يفقد مكانته إذا لم يواصل إثراء مضامينه وأساليبه الإعلامية.
إن أي عمل إبداعي أو إنتاجي، يحتاج إلى مشاركة واسعة وليس الاعتماد على معرفتي الذاتية مهما كانت واسعة ، النجاح يفترض التعاون الواسع، يفترض إبداع أفكار جديدة دائما، الأفكار الجديدة لا تحتاج إلى ساحر، بل إلى اندماج في العمل والتعاون الواسع وقبول النقد وفحص الاقتراحات ولا يضر أحيانا تجريبها، إن تحسين الأداء يفترض تحسين المضامين أيضا، لا شيء في عالمنا مستقل عن الأشياء الأخرى.نحن في عالم مترابط متداخل ويجب معرفة ما هو ضروري وما هو اقل ضرورة في الوقت المناسب..
من هذه الزاوية استطع أن أقدم شهادة لكادر إذاعة الشمس انهم أضحوا اولا منبرا اعلاميا هاما وثانيا مدرسة إعلامية مميزة.
وكل عام وطاقم الشمس وإداراتها بخير .
ملاحظة: لإذاعة الشمس موقع الكتروني خاص يمكن عن طريقه متابعة برامج الإذاعة عنوانه:
( www.ashams.com)
0 comments:
إرسال تعليق