** لقد تأخر هذا السؤال لأكثر من 35 عاما .. منذ قرار قداسة البابا المتنيح "البابا شنودة الثالث" ، بمنع زيارة الأقباط الأرثوذكس لكنيسة القيامة ، وبيت لحم ، وكل الأماكن المقدسة ، وقبر السيد المسيح له كل المجد ..
** ولكن آن الآوان لنطرح سؤالنا هذا لقداسة البابا "تواضروس الثانى" ، عن جدوى هذا المنع ، وحقيقة هذا القرار البابوى ، والسارى حتى الأن .. ربما الحالة تغيرت بعض الشئ ، والقرار لم يعد له أى رد فعل عنيف تجاه الحجاج الأرثوذكس كما كان يحدث أيام قداسة البابا شنودة ، ولكن نريد أن نفتح هذا الملف ، ولتكن الحرية الكاملة لمن يشاء أن يذهب لنوال البركة ، كما كان فى الماضى .. قبل أن يوقع الرئيس الراحل محمد أنور السادات معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وهى معاهدة كامب ديفيد ..
** دعونا نرجع للوراء منذ 35 عاما ، عقب إتفاقية كامب ديفيد .. قرر المتنيح "البابا شنودة الثالث" منع الأقباط من زيارة القدس ، كما صرح بأنه لن يذهب إلى القدس إلا بعد تحريرها ويده فى يد شيخ الأزهر ، وهو ما يعنى رفض المتنيح البابا شنودة للتطبيع فى العلاقات مع إسرائيل والذى إعتبره موتا للقضية الفلسطينية والقدس .. علما بأنه لم يكن هناك أى منع لزيارة الأماكن المقدسة قبل إتفاقية كامب ديفيد ..
** وسؤالنا .. هل قرار قداسة البابا شنودة هو قرارا سياسيا أم قرارا دينيا ؟ .. وهل كان القرار مجاملة لبعض الأنظمة العربية التى وقفت فى وجه السادات تندد بالإتفاقية وتعتبرها عار على الأمة المصرية؟ .. هل القرار كان مجاملة لبعض التيارات الإسلامية المتشددة التى تعلن دائما الجهاد فى وجه الإحتلال الإسرائيلى ، وذلك بتقديم أخر جندى مصرى فى حرب مع إسرائيل لا ناقة لنا فيها ولا جمل .. فالجميع يعلم أن عرب فلسطين هم الذين باعوا أرضهم لليهود ، وليس المصريين ..
** هذا ما جعل السادات يصدر قرارا بنفى البابا شنودة إلى الدير وتحديد إقامته ، وكلف المجمع المقدس بمباشرة شئون الكاتدرائية للأقباط الأرثوذكس .. وقد ظل قداسة البابا فى الدير حوالى 40 شهر رغم إغتيال السادات من قبل الجماعات الإسلامية بعد شهر واحد من هذا القرار ..
** فهل كان قرار السادات صائبا عندما وقع إتفاقية كامب ديفيد ؟ .. هل كانت الإتفاقية من أجل أن ينهى حالة الحرب مع دولة إسرائيل ، ووقف نزيف الدم ، وأن يعم السلام دول المنطقة ، ويضع السادات نهاية لحرب لا طائل منها إلا سقوط مزيد من الشهداء من أبناء الجيش المصرى والشعب .. أم من أجل شئ أخر لا نعلمه ؟ ..
** عندما ذهب السادات إلى الكنيست الإسرائيلى فى لحظة تاريخية من أروح لحظات حكم السادات ، ووقف فى الكنيست الإسرائيلى ، شامخ الرأس ، مرفوع الهامة ، قائلا "إننى جئت إليكم فى عقر داركم نتحدث عن السلام .. مادين أيدينا بالسلام من أجل الأجيال القادمة" .. صفق له الكنيست والشعب الإسرائيلى أكثر مما صفقوا لأى رئيس أخر ..
** لقد أعلن السادات أنه على إستعداد أن يذهب إليهم فى عقر دارهم ، فهل ذهب السادات إلى إسرائيل بعد هزيمة يونيو 1967 ، أم ذهب إليهم بعد نصر أكتوبر العظيم عام 1973 وهو يدعو السلام لتكون أخر الحروب بين مصر وإسرائيل ..
** هل ذهب السادات من أجل أن يسجل التاريخ له مجد شخصى أو عمل شو إعلامى .. أم ذهب من أجل كل أم وكل أرملة وكل أب فقدوا أبناءهم وأعزائهم ، وأنه آن الآوان أن يعيش المصريين والإسرائيليين فى سلام وعدم خوف ..
** لقد نادى السادات الشعب الإسرائيلى بالسلام المبنى على العدالة وإحترام الأخر .. السلام المبنى على الكرامة والعزة والقوة ، وليس السلام المبنى على الإنكسار أو الهزيمة والعار ..
** أتذكر ذلك اليوم التاريخى ، وقد حبست القاهرة أنفاسها ، بل والعالم كله ، وهم يشاهدون السادات يخطب فى الكنيست الإسرائيلى ، ممثلا عن الشعب المصرى بالكامل أقباطا ومسلمين .. بغض النظر عن القلة التى تدعو دائما إلى إشعال الحروب والفتن ، وترفض أى مبادرات للصلح ..
** ومع ذلك أعلنت بعض الأنظمة العربية والمنظمات الفلسطينية موقفها المعادى للسادات وللإتفاقية ، رغم أنهم يخوضون الحرب ضد إسرائيل بالشعارات واللافتات التى يجيدون إطلاقها فقط ، ولم يقدموا جندى واحد للدفاع عن القضية الفلسطينية ..
** لم يكن الهجوم من هذه الدول والأنظمة العربية المرتزقة عقب كامب ديفيد فقط ، بل هاجموا مصر عقب نكسة 1967 ، وعقب نصر أكتوبر 1973 ، ولم يسلم الجيش المصرى ولا القيادة المصرية من السخرية والتريقة من هؤلاء الأقزام حتى بعد نصر أكتوبر ..
** نعود للسؤال الهام .. هل قداسة البابا شنودة كان يرفض مبادرة السلام المصرية الإسرائيلية ، مجاملة للذين هاجموا مصر فى زمن الإنكسار وزمن النصر .. والمنظمات الفلسطينية والمتطرفين العرب ، والحزب اليسارى المتطرف والإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية ؟ ..
** وإذا تناولنا الشق الدينى للموضوع .. فأعتقد أنه ليس من الإنصاف أن أتناوله .. لأننى إنسان ضعيف وخاطئ لم أصل لمرتبة ومكانة قداسة البابا شنودة الثالث .. ولكن على حد إيمانى الضعيف ، ألم تكن تعاليم السيد المسيح هى "أحبوا أعداءكم .. باركوا لاعنيكم .. أحسنوا إلى مبغضيكم .. صلوا من أجل الذين يسيئون إليكم ويبغضونكم" .. ألم تكن توصيات السيد المسيح "طوبى لصانعى السلام لأنهم أبناء الله يدعون" .. وعندما ولد السيد المسيح فى بيت لحم ، ترنمت الأجناد السماوية قائلة "المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" .. وفى العهد القديم فى نبوءة أشعياء عن المسيح ، قال "لأنه يولد لنا ولد وتعطى إبنا تكون الرئاسة على كتفه ويدعى إسمه عجيبا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام" ..
** كما دعى السيد المسيح إلى المحبة والأخاء والمسامحة والغفران ونبذ الأحقاد والعنف والقتال .. عندما قال المسيح "لا تظنوا أنى جئت لألقى سلاما على الأرض ، ما جئت لألقى سلاما بل سيفا" ..
** ظن الكثيرين أن ملك السلام يدعو لحمل السيف وتساءل الكثيرين ، كيف يقول السيد المسيح ذلك وهو الذى أمر بطرس بإعادة السيف إلى مكانه ، عندما قطع بطرس الرسول أذن أحد جنود بيلاطس ، فنهره السيد وقال "مايؤخذ بالسيف لا يرد بغير السيف" ، وقام بإعادة أذن الحارس إلى مكانها .. وهنا لا بد من تفسير كلمة السيف ، وهى كلمة الله ، السيف الفعال للتغلب على الشرور والأباطيل التى تواجهنا فى حياتنا وإنتصارنا على الشر ..
** لم يكن لهذه العبارة إلا معنى واحد هو التنويه إلى الحقيقة المرتقبة والإمتحان الصعب الذى سيمر به كل من يؤمن به أو كل من يتبعه ، وهنا يضع السيد المسيح الإختيار بين الإيمان به والإمتناع عن أعمال الشر وشهوات الجسد والسير فى حياة القداسة ، وبين أن يرفضوه ولا يؤمنون به ... فالإيمان بالمسيح والولاء المطلق يكون بمثابة سيف فى حياة الإنسان المؤمن ، وهذا ما قصده السيد المسيح عندما قال "لا تظنوا أنى جئت لألقى سلاما على الأرض .. ما جئت لألقى سلاما بل سيفا" ..
** كانت تعاليم السيد المسيح لشعبه "أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا لأنه إن كنتم تحبون بعضكم بعض تكونون لى شهودا وسوف يعرف العالم أنكم تلاميذى" ..
** لقد أردت أن أذكر الجميع أن دعوة السيد المسيح للسلام والمحبة هى نفس المنهج الذى سلكه الرئيس الراحل محمد أنور السادات للمطالبة بالسلام ..
** إذن .. فعلى أى أساس منع المتنيح قداسة البابا شنودة زيارة الأقباط المصريين الأرثوذكس للأماكن المقدسة ، وهل كان من اللائق عندما يذهب الأقباط لزيارة الأماكن المقدسة وبعد العودة يقومون بنشر إعتذار على صفحات جريدة الأهرام وطلب غفران من قداسة البابا وهو يقبل قدميه ليغفر له .. والسؤال هنا ، هل هؤلاء الأقباط كانوا فى سهرة حمراء أم ملاهى شارع الهرم؟ ..
** هل مازال البعض يأمل فى حل المشكلة الفلسطينية على حساب دولة إسرائيل .. وإذا حدث ذلك ، فأى سلطة فلسطينية سوف تقع الأماكن المقدسة تحت ولايتها .. هل تحت سلطة منظمة حماس الإرهابية التى تحرق فى الكنائس وتقتل المسيحيين وتنكل بهم ؟ .. هل ستقع الأماكن المقدسة تحت سلطة حركة فتح التى تواجه حماس الإرهابية أم سيتم الصراع بين المنظمتين حتى تفوذ أحدهم بالسيطرة ؟ ..
** أعتقد أنه فى كلا الحالتين سيتم الإعتداء على الأماكن المقدسة بل ربما يصل لتدميرها تنفيذا لأنصار الشريعة ..
** وهنا أتذكر واقعة هامة .. عندما ذهب د."على جمعة" مفتى الديار المصرية ، لزيارة المسجد الأقصى تلبية لدعوة المملكة الأردنية الهاشمية فى أواخر إبريل 2012 .. قامت الدنيا ولم تقعد ، وقام العديد بمهاجمة مفتى الديار المصرية ووصفه بالعمالة والخيانة .. وهم الأن محبوسين على ذمة قضايا قتل وإرهاب وتطرف وعمالة وتخابر .. البعض قال "يبدو أن ثورة 25 يناير لم تصل إلى فضيلة المفتى" ، رغم أنها لم تكن ثورة بل وكسة سودة على دماغ من إخترعها أو إخترع الربيع العربى .. والبعض الأخر طالب بجلد المفتى وعزله من منصبه ، والأخرين طالبوا بالإعتذار للشعب المصرى وتقديم قرابين الغفران .. ومن بين هذه الأسماء ، النائب السابق فى برلمان قندهار "البدرى فرغلى" ، والنائب "أمين إسكندر" ، والنائب "حسين إبراهيم" ، والنائب "أبو العز الحريرى" ، والنائب السلفى "ممدوح إسماعيل" .. هذا بجانب الهجوم الكاسح من وسائل الإعلام والصحف القومية والخاصة ، ولكن كانت هناك النائبة المحترمة القبطية "مارجريت عازر" التى وقفت فى شجاعة للدفاع عن فضيلة المفتى "على جمعة" ..
** منذ عامين .. وعقب تنحى قداسة البابا شنودة الثالث .. يبدو أنه حدث إنفراجة للأقباط فى الذهاب إلى الأماكن المقدسة ، وفى تطور غريب فوجئنا بهجوم كاسح من كنائس أقباط المهجر ، ومن كل أقباط المهجر .. ولا أدرى سبب هذا الهجوم .. هل هو كراهية وحقد لأنهم ببساطة يذهبون إلى إسرائيل وقتما يشاؤون وهم بالخارج فى أمريكا أو أى دولة .. ولا يريدون أن يذهب أحد غيرهم للتبرك بالأماكن المقدسة ، وهى ما تسمى "النرجسية" .. فهم يحملون الباسبور الأمريكانى بعد إخفاء الباسبور المصرى .. فيصبح مواطن أمريكى يزور القدس ، ولا تستطيع كنائس المهجر أن تعترض أو حتى تنطق بكلمة واحدة ، وإلا نالها ما لا يحمد عقباه ..
** أما فى مصر فيبدو أن البعض بالخارج والداخل يتصورون أنهم أوصياء على أقباط مصر ، بل زادت الطين بلة عندما تطاول الأخ "خالد صلاح" رئيس تحرير جريدة اليوم السابع على أقباط مصر ، فى إبريل 2012 .. وكان لا بد من الرد عليه .. وبالفعل قمت بالرد عليه لوضع حد لهذا الهجوم وهذه الظاهرة ، وكتبت مقالا بعنوان "العام القادم فى زيارة قبر المسيح" .. وتعهدت أن أكون أول الذاهبين إلى القدس العالم التالى ..
** ولأن الوقت لم يسعنى لتحقيق هذه الأمنية فى العام الماضى ، فقد قررت تحقيقها فى هذا العام لزيارة الأماكن المقدسة .. لذلك رأيت أن أتوجه برسالة حب إلى قداسة البابا تواضروس الثانى لإعادة النظر فى قرار البابا المتنيح "شنودة الثالث" ، لتكن الزيارة لكل من يشاء أو يرغب حتى ولو تم وضع قيود أو شروط على الراغبين فى التبرك بالزيارة ..
** أخيرا .. كل عام وأنتم بخير .. المسيح قام بالحقيقة قام !!
صوت الأقباط المصريين
0 comments:
إرسال تعليق