هذه ليست المرة الأولى التي أتطرق فيها لظاهرة العنف المستشري والمتغلغل
في جسد مجتمعنا العربي الفلسطيني في هذه البلاد ، فقد وتطرقت إليها في كتاباتي من
قبل ، وحذرت من انتشارها لأن لها آثار ضارة ، وانعكاسات كثيرة وخطيرة على مستقبلنا
، وسوف تحرق الأخضر واليابس .
لا يختلف اثنان على أن العنف في ازدياد ، وبات وباء مستفحلاً وظاهرة
مقلقة ومثيرة للجدل ، ولا يكاد يمر أسبوع أو شهر دون عمليات قتل يذهب ضحيتها شباب
في ربيع العمر . فهنالك عنف في البيوت والمدارس والشوارع والمصانع وأماكن العمل
وداخل المؤسسات التربوية والتعليمية ، وآخرها اعتداء من قبل طلاب على معلمة في
مدرسة عرعرة الإعدادية في المثلث الشمالي .
إن بواعث ودوافع موجات العنف التي تجتاح مجتمعنا وتنخر هيكله في
الأعوام الأخيرة تعود لأسباب وعوامل كثيرة ، منها الوضع السياسي ، والأوضاع
الاقتصادية ، وحالات الفقر والفاقة والبطالة التي بدورها تعكس آثاراً نفسية في
أعماق الأفراد . هذا بالإضافة إلى الفجوات الاجتماعية والفوارق الطبقية ، وتبدل
المفاهيم ، وتفكك البنى التقليدية ، والمتغيرات الحاصلة في مجتمعنا بفعل ثقافة
العولمة والثقافة الاستهلاكية ، عدا عن الضغوطات التي يعيشها المواطن في الحياة
اليومية ، وإغراءات الحياة العصرية ومتطلباتها ، وسطوة المادة وتوغلها في الإنسان
. وكذلك سوء التربية والتنشئة الاجتماعية وتراجع القيم وانهيار الأخلاق والابتعاد
عن التعاليم الدينية الأصيلة والحقيقية .
لا يوجد حلول سحرية للعنف ، فلا العرائض ولا المؤتمرات ولا بيانات
الاستنكار تقضي على هذا الطاعون الفتاك ، لكن باستطاعتنا الحد منه بوضع خطة كاملة
وشاملة قابلة للتنفيذ من قبل السلطات المحلية والمؤسسات التربوية والقوى النشيطة والفاعلة
بهدف مواجهة سرطان العنف الدموي الذي يضرب ويفتك بمجتمعنا ، وأيضاً بالتنشئة
الاجتماعية الصحيحة للنشء الجديد في البيوت والمعاهد التعليمية ، وتعميق روح
التسامح والمحبة ، وإشاعة ثقافة الحوار ومبدأ الديمقراطية واحترام الرأي الآخر ، وبناء
مراكز ثقافية وتربوية في قرانا لجذب الشباب وتخليصهم من الفراغ القاتل ، الذي يشكل
مرتعاً خصباً للجريمة والعنف والمخدرات .
وأخيراً ، من واجب جميع القوى والمؤسسات التكاتف والعمل من أجل تطهير
مجتمعنا وتخليصه من كل الظواهر السلبية التي تعتريه ، والعمل على إرساء مجتمع
ديمقراطي سليم ومعافى ، وبناء جيل جديد قادر على التحدي ومواجهة تحديات العصر
والسير على الطريق الصحيح والدرب المستقيم .
0 comments:
إرسال تعليق