كنت شابا في الثامنة عشرة من عمري عندما عُرِضَ هذا الفلم لأول مرة في عمان الاردن في سنة 1992، و هذه السنة هي سنة إنتاجه، ذهبت أتا و أبن عم والدي الذي كان في نفس سني الى سينما لنشاهده، فكان اي فلم جديد لعادل إمام هو الحدث الابرز و الساخن بين الشباب، و كانت السينما مليئة بالجمهور و المشاهدين الذين هموا بالتصفيق الحار لحظة بدأ الفلم...و كم مرة في حقيقة الأمر صفقوا لمشاهده المثيرة و لقصته المميزة و التي نالت على إستحسان الجمهور الكبير بالسينما في تلك الفترة بكل سهولة...تغيرت أمور كثيرة بالأردن...و حينما اقارن هذه الأزمنة العابرة بالحالية ارى أن هذا التغير طال منطقة الشرق الأوسط عموما فتخلت الناس عن الطيبة و صفاء القلب و النوايا البريئة...و كان العالم العربي أمتلئ بالوحوش الكاسرة التي تسعى للنيل من صفوة المجتمع و براءه الطفولة التي لطالما زينت حياتنا بالبسمة البريئة و نقاء القلوب...قلوب كانت ممتلئة بالخير و العطاء و التسامح...فكسرت هذه الوحوش عنفوان الشباب بالمجتمع و زلزلت السكينة التي لطالما كانت خيط من الخيوط التي تربطنا ببلادنا و حولت دنيانا الى حجيم مروع...هذا الفلم كان المجتمع يصفق له منذ 23 سنة أما في هذه الايام اصبح هو و أبطاله مهاجمون...فملئت هذه الوحوش الكاسرة قلوب الشباب بالكُرْه...برمجتهم لمهاجمت كل شيئ يرسم البسمة على شفاهنا...حولت الصفوة بقلوبهم الى تعصب أعمى...قتلت ترحاب الضيف و حَوًلَتْ رائحة القهوة العربية التي كنا نسكبها بالفناجين للضيف بعربنا الى دخان يخنق طيب ضيافة البداوة التي لطالما تمتعنا بها...كنا قي الماضي عشيرة واحدة همنا أن تمضي الايام بسلام لنرى أولادنا تكبر أمام أعيننا كالورد الذي يورد بالحياة....لينضجوا و لنقول لأنفسنا بأن أيادينا بنتهم و بنت لهم غد أفضل...أما اليوم فحولنا غدهم الى دمار و ركام بسبب قلة نسامحنا و قلة استيعابنا للمحبة و لاصالة الضيافة و لطيب قلب أجدادنا و نحن نلتف حول خيمهم بأمس أصبح عتيق جدا على قلوبنا الحالية القاسية...الى متى يا زمن ستسرق منا البسمة...الطفولة...بل الى متى ستتسمم دمائنا بقلة دفئ المحبة...بالأمس أبطال هذا الفلم رسموا البسمة على شفاه الجمهور و أضحكوا صالة بها لا يقل عن حوالي اربعمائة متفرج بالعرض الذي شاهدته بعمان عاصمة الأردن...و اليوم رُجِموا من قِبَلْ وجوه لم اتعود رؤيتها في بلادنا...ماذا حل بنا؟ ألسنا نفس البشر الذين صفقنا لابطال المسلسلات الدرامية؟ أم ما صفقنا له بالأمس كان حلال و الضحكة و التسلية اليوم حرام؟ فماذا جرى لنا؟ واه عجبي كيف نتغير مع الريح...بلا ثوابت و مبادئ...فتارة نطلب أسقاط قادة بنوا لنا بلادنا و تارة نهاجم من أضحكونا بافلامهم بالماضي و قدموا لنا السلوى الطيبة و تارة نتلون الى غير طبيعتنا المضيافة...نحن شعوب من دون مبدئ واضح نهتز لاقل المِحَنْ و يشكلنا الآخر كيفما يريد لنغدو كالعجينة بين يدي من يلعب دور الرائد بحياتنا حتى لو قدم لنا السموم...فالمهم أن نقدم الطاعة لمن يقول لنا أنه يعلم أكثر منا و نراه قيادي و محنك...نحن شعوب ننساق كالخراف و راء حتى الوهم...ألا تنظروا في حفلات أم كلثوم العتيقة التي تبث على فضائيات روتانا كيف ن النساء في عهدها في الجمهور الذي يحضرها غير محجبة...و في عهدنا اي بعد حوالي خمسون عام نرى العكس تماما...فهل نساء الأمس اقل قيمة من نساء اليوم؟...أقل ربما إنسانية؟ هل نزع الحجاب يقلل من القيمة الإنسانية للمرأة؟ هل المرأة الغير محجبة لا تنتمي الى جيس البشر و المرأة المحجبة إنسانة؟ التَدًيُنْ في القلب و الوجدان لا بمهاجمة الفنانين أو بمهاجة الفنون بصورة عامة أو بشتم الناس...أو بإدارة المعارك ضد اولاد الحضارات التي تحيط بنا...فهل نهاجم من لا يأتي على ذوقنا؟ حتى بلغ بنا التعصب لدرجة أننا نريد تشكيل الكرة الارضية و الكون على مزاجنا الخاص؟...لماذ لا نأخذ مسدس و نسير بالشارع و نسال القاصي و الداني عن إنتمائه العقائدي و الإجتماعي...فإذا لم يكن بحسب توقعاتنا و عاداتنا لماذا لا نقتله؟...بل نقتل كل شخص لا يشاطرنا افكارنا و ينتمي الى حضارة غريبة عن حضارتنا؟ الشخص قليل المرونة غالبا ما يكون بقساوة الخشب...فإذا داهمته العاصفة تكسرت صلابته الى قطع صغيرة و أصبح ركام...أما الشخص المثقف و الذي يتمتع بمرونة عالية و الذي يتمتع بالصدر الوسيع غالبا ما يكون كالمادة الطرية...كلما اشتدت عليه الريح استوعب و أمتص قوتها...فلذلك له قدرة التاقلم مع محيطه و غالبا ما يكون ناجح بحياته...و هكذا نحن يجب أن نكون...كذلك...
وصل مقالتي عن فلم الإرهاب و الكباب على موقع الغربة :
http://al-ghorba4.blogspot.com/2014/11/blog-post_2.html
0 comments:
إرسال تعليق