.... شهر رمضان على الأبواب والمفروض كما هو مذكور ربانياً في القرآن الكريم،ان يكون شهراً للتوبة والرحمة والمغفرة والتعاضد والتسامح والتكافل والعبادة،ولكن على أرض الواقع ترى عكس ذلك،فما أن يقترب شهر رمضان ويبدأ،حتى تجد الكثير من المظاهر والظواهر على عكس ما يجب أن يكون عليه الشهر الفضيل،حيث ترى الجشع عند التاجر بأكثر صوره وضوحاً وتجلياً،وأيضاً أصحاب شركات وسيارات المواصلات العامة،يرفعون أسعار المواصلات،ويستغلون حاجة الناس للقدوم إلى المسجد الأقصى من أجل الصلاة أو التعبد في العشرة الأخيرة من رمضان،وكذلك النهم عند جموع المستهلكين والنفاق والدجل الاجتماعي والبطر والإسراف والافطارات الجماعية الاستثمارية اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وغيرها والمقامة من قبل رجال أعمال واقتصاديين وسياسيين..الخ.
قبل بداية شهر رمضان بأيام تجد أن الأسعار قد ارتفعت بشكل جنوني بقدرة قادر،وأصبح سعر اللحمة كسعر أونصة الذهب في البورصات العالمية،وليس هذا فحسب فالعديد من التجار البضائع الموجودة عندهم منذ فترة طويلة وكاسدة او منتهية صلاحياتها وفاسدة يقوم بعرضها في السوق للبيع،وهنا التشديد على نقطة هامة وجوهرية أن من يجعل" فرعون يتفرعن" من التجار ولا يلاقي أحد يرده، ليس فقط غياب الرقابة والمساءلة والمحاسبة للتجار وغياب الضمير والوازع الأخلاقي والتمسح بالدين،بل المستهلكين أنفسهم،والذين ترى أو تعتقد في هجومهم وتزاحمهم على البضائع والحلويات والمثلجات أن المنطقة مقبلة على مجاعة كبرى"أيام سفربلك" أو أن حرب كبرى ستنشب او كارثة ستقع،فهم يأكلون كالجراد الأخضر واليابس،وأنا أجزم أن العديد منهم لا يصومون مغفرة وتوبة وقناعة،بل ما يهمهم بالمقام الأول أصناف الطعام والمقبلات والمثلجات والحلويات التي ستوضع على مائدة الإفطار،وهنا أيضا حدث ولا حرج فالأطعمة التي ترمى في حاويات القمامة أكثر مما تؤكل،وأراهنكم أن الطعام الذي يوضع على موائد الإفطار عند البعض،كفيل إذا ما اقتادت عليه الحركة الأسيرة الفلسطينية في سجون الاحتلال،أن تخوض شهراً كاملاً إضراباً عن الطعام،وإذا كانت هناك عزيمة أو وليمة " فأنت ترى البطر والإسراف على أصوله فالأكل الذي يوضع للفرد الواحد يشبع ويطعم عشرة أشخاص،ولكن ليس هذا المهم فالمهم القول أن أبو شادي عمل وليمه رمضانية واللحم "اللي انكب فيها أكثر من اللي أكلوه الناس"،فغياب الوعي والتربية والثقافة وسيادة مفاهيم "الفشخرة" الاجتماعية والاستعراضية والوجاهية والزعاماتية وحب الذات والظهور هنا هي الأساس،وليس التعاضد وصلة الرحم او الشعور مع الفقراء أو طلب المغفرة والتوبة والصدقة الجارية.
أما عن الافطارات الجماعية الاستثمارية فحدث ولا يحرج،فهي تقام في فنادق خمسة نجوم وعبر دعوات رسمية توجه لكبار وعلية القوم،والذين جزء منهم لا يعرف رمضان طريقه إليهم،ولكن الدعوة هنا هي جزء منها "تسليك" مصالح واستثمار اقتصادي او اجتماعي أو سياسي أو جميعها مجتمعة،او "برستيج" وجاه اجتماعي،وهنا يتجلى لك النفاق الاجتماعي على أصوله،فالعديد من المدعوين قد يكونوا رجال دين،وهم لا ينتقدون مثل هذه الدعوات والافطارات،بل دائماً مشاركين فيها ومادحين ومسبحين بحمد مقدميها.
ولم تعد المسألة مقصورة على الافطارات الجماعية متعددة الوجوه الاستثمارية،بل حفلات ما بعد الافطار والمسماة مجازاً خيم رمضانية،خيم طرب وكيف "والذي منوه" حتى السحور.
وظاهرة أخرى أصبحت تسيء لرمضان وللذوق والأخلاق العامة،مجموعات شبابية تضع سياراتها على جوانب الشوارع العامة في القدس،وتصدح مسجلات سياراتها بأغاني هابطة بعد ساعات الإفطار،ويقوم أصحابها بعمل وتدخين "الأراجيل" في الشوارع العامة،وتسبب الإزعاج للمارة والمتسوقين.
قلنديا وما إدراك ما قلنديا في شهر رمضان،فكل طويل عمر من يستطيع الوصول إلى رام الله أو العودة منها خلال أربع أو خمس ساعات،فهو قد يصل الى الأردن ويعود منها قبل أن يصل من رام الله الى القدس أو بالعكس،فالفوضى عارمة،وسيارات عمومية والمفترض أن يكون سواقها أكثر التزاماً وانضباطاً وعلى درجة عالية من الأخلاق،ولكن على الأرض هم الأكثر خرقاً وخروجاً وتعدياً على النظام والقانون وقواعد المرور،ولا يتوانون عن أي شكل من أشكال التجاوز الخطر والسير بعكس السير،وأيضاً أرتال من السيارات الخاصة بسبب التجاوزات والخروج عن مسالكها تغلق الطرق والشوارع دون أي اكتراث بالمصلحة العامة،وهناك من يوقفون سياراتهم في وسط الشوارع،وتصبح الحالة كيوم الحشر،يوم يفر الولد من أبيه،وترتفع درجات الحرارة والشتائم والتلاسن وتصل الأمور حتى التطاول والاعتداءات الجسدية،ولا أحد يسمع من أحد،وتغيب القيم والأخلاق والذوق ولا ينفع لا شعبان ولا رمضان ولا شوال،وترى أعمال البلطجة والزعرنة وتدفيع الناس الخاوات،وعلى بعد أمتار من ذلك ترابط مجندات على الحواجز يضبطن إيقاع حركتنا كبندول الساعة،ولا احد يجرؤ أن يخالف لهن أمرن،وتنزل فجأة علينا الأخلاق وقواعد الالتزام بالنظام والقانون،فنحن نعيش على ثقافة الخوف والعقاب والترهيب،أما الالتزام بالنظام والقانون والانتماء وتغليب المصلحة العامة على الخاصة،فهي ليست قيم أصيلة عندنا،بل نتغنى ونتمسح بها كشعارات،وفي الواقع العملي لا تجد لها أية ترجمات بل ما يمارس هو عكسها تماماً .
قبيل مواعيد الإفطار ترى جموع وسيول بشرية تزحف على محلات الحلويات وبالذات القطايف وكذلك محلات بيع الفلافل والحمص،حتى لتظن أن تلك السلع ستختفي من السوق،أو لكأنها غير موجودة قبل يوم واحد من رمضان،حتى يشتهيها الناس ويطلبونها بهذه الشراهة،ومع عودة الصائمين إلى البيوت وقبل موعد الإفطار بقليل،تسمع "زمامير" السيارات وسيرها بسرعة جنونية،وتنشب "طوش" ومعارك تستخدم فيها كل الألفاظ البذيئة والمسيئة،والتي يجب أن لا تقال في رمضان أو في غيره،وإذا كان رمضان يعود الناس على الصبر والتسامح،فلماذا يقدم مثل هؤلاء الصائمين على مثل هذه الممارسات المتعارضة مع هدف الصوم والذوق العام؟.
وهموم شعبنا في القدس تكبر وتتعاظم يومناً بعد يوم،ونزيف المقدسيين متواصل وعلى كل الصعد،ودون أفق لحل يلوح في الأفق ينقذ المقدسيين من هذا الوضع أو يدع حداً لهمومهم ومعانياتهم الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية والسياسية.
0 comments:
إرسال تعليق