الثورات العربية وصناعة التغيير/ رائد مفيد حماد


إنّ التغيير الذي انطلقت مسيرته في البلدان العربية هو تغيير جذري في مسار عجلة التاريخ ولا يوجد من يستطيع وقف عجلة التاريخ. ولانطلاقة التغيير وثبات مساره أسباب عديدة للغاية، ولكن السبب الجوهري هو القوة الشعبية الكبرى الكامنة فيه، والمرافقة لمراحله المتتالية حتى يبلغ غايته
قبل أن تبدأ الثورات والانتفاضات في دول عربية عدة، كانت الأحداث الجسام التي مرت بها منطقتنا على مدار السنوات الأخيرة قد عودتنا أن الرأي العام العربي يقتصر دوره على أن يكون مجرد "رد فعل" على وقوع تلك الأحدث، وليس جزءاً من صناعتها، أو رقماً في المحاولات الرامية إلى الحيلولة دون قيامها، إذا كان فيها ما يضر بمصلحة أي طرف عربي، أو بمصالح العرب أجمعين
و يسود اعتقاد بين كثير من المراقبين أن ما يجري في المنطقة العربية من ثورات شعبية إنما هو بتخطيط من دوائر غربية تقف على رأسها الولايات المتحدة وهدا مفهوم خاطئ لان الشعوب بدأت تعرف طريقها ومصلحتها وتعرف من هو عدوها وان أمريكا هي العدو الأساسي بالمنطقة ومع هذا التغير أعتقد أن الرأي العام العربي بات يمتلك قراره ويسترد ثقته في نفسه وهو يسير بخطى واثقة نحو إسقاط هده الانطمة الفاسدة الظالمة لشعوبها
وستجد أمريكا نفسها مجبرة على الإنصات لصوت الشعوب العربية وتغيير سياستها بالمنطقة على كافة الأصعدة لان لهده الثورات إرهاصاتها ومقدماتها التاريخية ولم تكن قطعا فجائيا مع مراحل تاريخية سابقة بل جاءت تتويجا لمسار وطني وشعبي طويل له عناوينه الواضحة وحيثياته المعروفة لكن لا يبدو أن الفقر هو السبب الرئيسي للثورات العربية وإنما "التسلط" أو"السلطوية" كما جسّدها نظام حكم بن علي في تونس، ونظام حسني مبارك في مصر، وباقي الأنظمة القائمة بتفاوت فيما بينها
الشعوب.. أوعى وأقدر على استيعاب الحدث وصناعته بالتفاعل معه أمّا اليوم فإنّ الشعوب تتحدّث بنفسها وهذا ما ينبغي أن نعوّد أنفسنا على استيعابه لاستشراف النتائج ولم يعد العالم العربي ينتج فقط البترول بل أصبح قادرا لان على إنتاج قواعد التغيير وإنتاج قوة الرأي والضغط القوي على الحكومات وأصبحت الحكومات تعمل ألف حساب لثورة شعوبها و تحمل الثورات العربية في طياتها شيئا جديدا تماما وغير مسبوق في الخبرة التاريخية العربية على الأقل و إن من خصائص هذه الثورات السلمية قيادة الشعوب لها وهذا كاف للدلالة على أن الشعوب العربية حيّة وليست ميّتة وأنها تملك الإرادة لصناعة التاريخ وليست خارجه.
و لكن هل يمكن التشكيك اليوم في أن الشعوب العربية قادرة على إحداث التغيير؟ لقد قدمت الثورات العربية نموذجا جديدا في التغيير السياسي الشامل ولا احد يستطيع اليوم التقليل من قدرة الشعوب على التغيير كما في السابق فان الشعوب العربية اليوم لم تعد تأبه لحاكمها وبدأت الثورات تنمو تدريجياً فالثورة الشعبية في اليمن وسوريا والأردن تضغط وبقوة من أجل تغيير النظام السياسي مما أرغم قادة هذه الدول تقديم تنازلات يوم بعد آخر ويرى محللون سياسيون أن سرعة وتيرة التغيير التي تجتاح العالم العربي بفضل الثورات الشعبية الملتهبة والساعية للحرية والديمقراطية قد فاجأت صناع القرار لدى الغرب والولايات المتحدة وإسرائيل .
فقد استطاعت الثورات العربية اليوم صناعة الحدث كما استطاعت صناعة التغيير وتقول كلمتها للعالم اجمع لن نرضى إلا أن نكون في مقدمة الأمم وسيادة العالم ولن نرضى بعد اليوم التبعية للغرب ولن تصمت على الظلم .

كاتب صحفي فلسطيني- غزة

CONVERSATION

0 comments: