تشهد الأزمة الداخلية في البيت الفتحاوي خطاً بيانياً متصاعد باتجاه الهاوية، بحيث تم رفع حالة الاستقطاب والتجاذب إلى الدرجة الحمراء بكل ما تحمله من معاني الخطورة، وبمعنى آخر لقد دخل الصراع مرحلة جديدة، أهم سماتها إصرار أحد طرفي النزاع على نقل الصراع من مستوى القمة إلى الأطراف، مستخدما ًالأرهاب الجسدي والفكري والثقافي وقمع حرية الرأي والتعبير، لتطال كل من يعبر عن رأيه ويحاول الإعتراض على الواقع المأزوم لحركة فتح ولو بالكلمات.
إن أهم سمات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تتمحور حول الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان بما تتضمنه من الحق في حرية الرأي والتعبير وحرية التفكير، ذلك ما القى بظلاله على الواقع العربي المعاصر بما يشهده من ثورات مطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وما يترتب عليهما من حرية الرأي والتعبيروالتفكير، غير أن الواقع الفلسطيني المعاصر مخالف تماماً لما يجري ويدور في المحيط، فقد أضحى ثمن الكلمة غاليأ، بحيث تُرفع أعمدة المشانق، وتنصب المقاصل، ويهدد البشر بالقتل، وتقطع رواتبهم لمجرد الحديث وانتقاد الواقع.
وتؤشر الممارسة العملية إلى أن الأمور وصلت ذروتها وصعدت إلى أعلى درجات الخطر وصولاً إلى حد التصفية الجسدية والتهديد بالقتل للأخ المناضل توفيق أبو خوصة، إلى جانب الإستمرار في مسلسل قطع الرواتب عقاباً على النوايا والعواطف والأفكار، متغاضين عما يمثله الراتب من قدسية خاصة بإعتباره يمثل مساساً بقوت الأطفال، فبالأمس القريب تم قطع راتب الأخوين: عرفات أبو شباب، ورياض أبو صوصين، والشهر الماضي تم قطع راتب الأخ المناضل ماهر مقداد، وفي آخر مشاهد المسلسل تم إقالة مدير عام الشئون المدنية الأخ المناضل غسان جاد الله، بتوصية من وزير الشئون المدنية حسين الشيخ، تحت مبرر عدم الإلتزام بالدوام، مع العلم بانه لم يتم إشعاره بالأمر بما يقتضيه القانون، كما لا يجوز فصل أي موظف دون الرجوع لقانون الخدمة المدنية، مع العلم أن كادر قطاع غزة المتواجد في رام الله نتيجة الإنقلاب لم يسمح له حسين الشيخ بالدوام، ورفض بالمطلق دمجه في وزارة الشئون المدنية وهذا الأمر لا يخفى على أحد ، وفي ذات السياق فإن ثمة سياسة منظمة تدار من أعلى قمة الهرم السياسي لإقصاء كادر قطاع غزة بشكل عام من الهيكل الإداري للوزارات المختلفة في الضفة الغربية إلا من رحم ربي، إن ما حدث مع الأخ غسان ومن قبله الأخ ماهر لم يكن على الإطلاق تحت مبرر عدم الإلتزام بالعمل، وإنما خطوة في طريق معاقبة البشر على آرائها وأفكارها،.
إن ما يحدث اليوم يمثل أمراً طبيعياً في ظل تحكم الرويبضة (التافه) في أمور العامة؛ فمن المفارقات العجيبة أن تجد الغارقين بالعار والفضائح والمخمورين وسكارى الليل يتحكمون في أمور البشر؛ ويتسلطوا على رقاب الناس بقطع رواتبهم، في إطار محاولتهم السيطرة على العقل والفكر والرأي والمبادرة، بل حرمان البشر من الحق في إبداء الرأي أو الإختلاف ومجادلة الحجة بالحجة، فأعطوا لأنفسهم حق الإدانة والعقاب، وجرموا كل سلوك قد يؤدي الي يقظة عقلية، فجعلوا التفكير والأحلام والعواطف خطيئة, والقراءة والكتابة خطيئة, والمبادرة بالرأي انحرافا يستحق العقاب، مُنَصّبين أنفسهم مشرعين ومحاسبين وقضاه ومنفدين للأحكام الصادرة ضد كل فكر ينتقد الواقع أو يسمح للإنسان أن يفكر لنفسه كإنسان، تماماً كمحاكم التفتيش التي سادت أوروبا ما بين القرن الخامس والخامس عشر لعقاب اصحاب الرأي، وكأننا في القرن الحادي والعشرين مع محاكاة للعصور المظلمة التي سادت أوروبا في تلك الحقبة، عندما سيطرت السلطة الدينية ورجالها على أركان السلطة متمسكين بالسيطرة التي تقمع حرية الرأي والتعبير، وما ترتب عليها من عقاب كل من تجرأ علي انتقاد الواقع وتقديم فكر مستنير، ونتسائل إذا كان السكارى والمخمورين على حق، لماذا يخشون حرية الرأي والتعبير؟ لماذا يخشون العقل أكثر مما يخشون العدو؟ ألأنه يظهر الحقائق للنور، ويوضح الأمور للعامة، ويضع كل شيئ في نصابه الصحيح وحجمه الطبيعي، بما يؤهل الشارع للثورة ضد سلطانهم وينتقص مما يتمتعون به من مزايا ومكاسب.
في هذا السياق نؤكد أن الحقبة المظلمة والظالمة في التاريخ الفلسطيني المعاصر من غير الممكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، وكما تحررت أوروبا من العصور المظلمة، علينا أن نفجر عصر التنوير الفلسطيني بالصعود نحو التحرر من العبودية ورفض مفهوم القهر والتسلط والطغيان والاستبداد وقمع حرية الرأي والتفكير بكل أشكاله، ولن تثنينا سياسة قطع الأرزاق وتكميم الأفواه عن ذلك بكل المقايس، وهنا فإن المسئولية جماعية تقع على عاتق الكل الفلسطيني؛ وفقاً لهذا المنظور فإن الجميع مطالب بدءً من حكماء السلطة مرورأ بعقلاء فتح وإنتهاءً بكل أحرار الوطن العمل جاهدين على وقف ديكتاتورية الرويبضة والسكارى والمخمورين والكف عن العبث بتاريخ ومصير أُمّة، والخروج من عصر الظلمة الى عصر التنوير والتحرر .
0 comments:
إرسال تعليق