مضى على نكبة فلسطين أربعٌ وستون عاماً، وغاب من عمرها معاصرون كثيرون، وولد في ظلها أجيالٌ آخرون، وشاب في حبها عديدون، وفني دونها مقاتلون، ونشأ لأجلها مقاومون، وضحى في سبيلها أبناؤها المخلصون، وما زال حلم العودة إليها يسكن قلب كل فلسطيني، يعيش في نفوسهم، ويكبر مع أطفالهم، ويشتد مع ناشئتهم، ويترسخ عقيدةً لدى شيوخهم وعجائزهم، يرسمه الأطفال على أوراقهم، وينقشه الكبار في قلوبهم، وتطرزه النساء أثواباً وفساتين، وتلبسه العروس في يوم زفافها، ويحمله الشباب بندقية وعصا، وسكيناً ومدية، ويسعى لأجله الرجال والمقاومون بقنبلةٍ وعبوة، وصاروخٍ وقذيفة.
إنه حلمٌ أكبر من أن يشطبه بطش الاحتلال، وأعظم من أن يزيله من قلوب أصحابه ظلم السجان، مهما بلغت قوته وتعاظمت سطوته، وتآمر معه الحلفاء، وتعاون معه الأعداء، فهذا الأمل يتوارثه الفلسطينيون ويتواصون به، يشربونه مع حليب أطفالهم، ويتعلمونه مع آيات قرآنهم، ويؤمنون به يقيناً كفلق الصبح وكنور الشمس، وينتظرون يوم العودة ليكون حقيقة لا مجرد أماني وأحلام، ويكون واقعاً لا خيال.
فاليوم الذي سيطأ به الفلسطينيون بأقدامهم أرضهم من جديد، وسيفتحون بمفاتيحهم الحديدية الصدئة أبواب بيوتهم القديمة، قادمٌ لا محالة اليوم أو غداً، وسيعودون من جديد إلى بساتينهم وحقولهم، يقطفون البرتقال، ويجمعون أعشاب الزعتر وحبات الزيتون، وسيلتقون من جديد على شواطئ حيفا، وأحراش الكرمل، وأسوار عكا، وسيمرون على يعبد وجنين والقسطل وحطين، وسيصلون في مساجد فلسطين العتيقة ومسجدها الأقصى الأسير، وستقرع أجراس الكنائس في الناصرة، وسيسير المؤمنون في وادي القلط وسيعبرون إلى كنيسة المهد، وسيحيون قداس المسيح في بيت لحم.
لن يقتل إسرائيليٌ حلم العودة من قلوبنا، ولن يتمكن صهيوني من أن يغتال أحلامنا، أو أن يقتلعنا من جذورنا، ليزرع اللقطاء من أبناء جلدتهم مكاننا وعلى أرضنا الطاهرة، فهذه الأرض التي ينمو فيها الزعتر ويثمر فيها الزيتون، ولا تتوقف معاصرها الحجرية عن إنتاج الزيت، ويدندن فيها الرعاة وهم ينتقلون من جبلٍ إلى سهل، أن هذه الأرض لنا، عشبها وماؤها وسماؤها وهواؤها لنا، فهذه أرضٌ لا يعيش فيها إلا أصحابها الفلسطينيون، وملاكها العرب الأصليون، ولا يعمرها إلا أبناؤها المخلصون، ولن يكون فيها مكانٌ مهما طال الزمن لغير الفاتحين المسلمين والسابقين المسيحيين.
فإلى متى سنبقى نحيي ذكرى النكبة، ونراكم في عمرها سنيناً عاماً بعد عام، فتكبر معنا وتهرم مع شيوخنا، وتترك آثارها في نفوسنا، تؤلمنا وتحز في قلوبنا، يموت معاصروها ومن ولدوا أيامها، وتنفطر قلوب من لم يعيشوا فيها ولم يواكبوا نكبة بلادهم، ورحيل وشتات أهلهم، فهذا هو العقد السابع للنكبة، عمرها يكاد يفوق عمر أكبر عجوزٍ فلسطيني ممن شهدوا النكبة، وعاشوا بعضاً من طفولتهم في فلسطين.
إنها تتوالى في سنينها بسرعةٍ ككر الغداة ومر العشي، ننتظر ذكراها كل عام، ونتهيأ لإحياء مناسبتها بشتى أنواع الاحتفالات والمهرجانات، ونبتدع لها كل عامٍ شكلاً جديداً من أشكال الاحتفال، ونستعد في الأعوام المقبلة لتنفيذ أفكارٍ جديدة، نعد الصور والملصقات، ونجهز الأعلام والرايات، وننتقي أجمل العبارات وأفضل الشعارات، وندعو لإحيائها في كل البلاد والساحات أشهر الخطباء، وأبلغ المتحدثين، ورموز السياسيين، وأعلام المقاومين، ومن نبغ في الشعر والغناء، والنشيد والزجل وجميل الكلام، ونكتفي من الأرض بشذاها، ومن الحق باستذكاره.
يقف المنظمون والمشرفون على كل احتفالٍ ومهرجان، يهنئون بعضهم البعض بالنجاح الباهر، وبالتوفيق الكبير، وكأن المطلوب هو نجاحٌ في الاحتفال، وتميزٌ في المهرجان، وحسنُ إحياءٍ للمناسبة، وقدرة على إثارة الحضور ولفت انتباههم، وكأن الفلسطينيين يشبعون من الوطن بسماع اسمه، ويقتنعون بحصتهم فيه بالاستمتاع بأنشودة يذكر فيها اسم الوطن، وحواري الوطن، ومدنه وقراه وكثيرٌ من معالمه.
يتحمل المسؤولية الكبرى في استمرار الاحتفالات وتوالي المهرجانات وزيادة سنوات النكبة، وفقدان الأمل ومضاعفة اليأس، وتأخر العودة وانحباس النصر، وزيادة الخسائر ومضاعفة أعداد الضحايا، وتبذير الأموال وإهدار الطاقات، وإيهام الشعب وإشغال المواطنين، قادةُ الشعب ومن يتولى إدارة شؤونه، ويشرف على تسيير مصالحه وتوجيه مقاومته، الذين يشغلون الشعب بحاجاتهم، ويصرفون اهتمامات الأمة لمصالحهم، ولا يفكرون إلا في بقائهم، ولا يحرصون إلا على امتيازاتهم، ويحرصون على التشدق بخطاباتهم، والظهور أمام الشعب النازف بلباس الصدق والإخلاص.
فالشعب الفلسطيني وأجياله يحملون أصحاب الشأن من القادة العرب والفلسطينيين قديماً وحديثاً، المسؤولية الكاملة عما يجري لهم ولبلادهم، وعن شتاتهم وتعذر تحقيق أهدافهم، فالفلسطينيون قد نذروا حياتهم لهذا الوطن، ودفعوا أبناءهم فداءاً له، ولم يتوانوا يوماً عن تقديم المزيد من الضحايا في سبيله، ولن يتأخروا عن تحريره مهما كبدهم من ثمن، وحق لشعبٍ جرى دمه أنهاراً، وامتلأ جوف الأرض برفاة شهدائه، وغصت السجون بأعظم رجاله أن ينتصر، وأن يحقق ما يريد، وألا يكتفي من الوطن باحتفالٍ أو مهرجان، وألا تبقى نكبته مجرد مبكاةٍ سنوية، وذكراه مأساة دورية.
لا يريد الفلسطينيون أن يستبدلوا الوطن بخارطةٍ أو مجسم، ولا أن ينفقوا أموالهم على احتفالٍ أو مهرجان، ولا أن يضيعوا عمرهم وهم ينتظرون الذكرى السنوية التالية، ليقدموا فيها الجديد، ويعرضوا فيها المزيد، إنما حلمهم في أن تتوقف مظاهر إحياء يوم النكبة لتحل محلها مظاهر العودة، ومعالم النصر، وأن نلتقي على تراب الوطن، وعلى سواحله وشطئآنه، وفوق جباله ووهاده، وفي صحرائه وبساتينه الخضراء، بدلاً من أن تجمعنا ساحات الشتات والمنافي، فقد آن الأوان لهذا الشعب أن يعود إلى وطنه، ولهذه الأمة أن تنتصر على عدوها، وتحقق أحلامها، وتستعيد حقوقها، فنحن لسنا أقل من غيرنا من الشعوب، ولسنا أضعف من كثيرٍ سبقوا وقاوموا، فانتصروا على عدوهم وعادوا إلى بلادهم، فما لدينا أكثر مما لدى الآخرين، وأعظم مما كان متوفراً لكثيرين، إذ لا تنقصنا الحمية، ولا تعوزنا الشجاعة، ولا نشكو من نقصٍ في الرجال، ولا من عجزٍ في الطاقات، وتاريخنا يشهد لنا، وديننا يشحذ هممنا، ويقوي عزائمنا، وينهض بنا، ويعجل بخطواتنا نحو العودة والنصر.
إنه حلمٌ أكبر من أن يشطبه بطش الاحتلال، وأعظم من أن يزيله من قلوب أصحابه ظلم السجان، مهما بلغت قوته وتعاظمت سطوته، وتآمر معه الحلفاء، وتعاون معه الأعداء، فهذا الأمل يتوارثه الفلسطينيون ويتواصون به، يشربونه مع حليب أطفالهم، ويتعلمونه مع آيات قرآنهم، ويؤمنون به يقيناً كفلق الصبح وكنور الشمس، وينتظرون يوم العودة ليكون حقيقة لا مجرد أماني وأحلام، ويكون واقعاً لا خيال.
فاليوم الذي سيطأ به الفلسطينيون بأقدامهم أرضهم من جديد، وسيفتحون بمفاتيحهم الحديدية الصدئة أبواب بيوتهم القديمة، قادمٌ لا محالة اليوم أو غداً، وسيعودون من جديد إلى بساتينهم وحقولهم، يقطفون البرتقال، ويجمعون أعشاب الزعتر وحبات الزيتون، وسيلتقون من جديد على شواطئ حيفا، وأحراش الكرمل، وأسوار عكا، وسيمرون على يعبد وجنين والقسطل وحطين، وسيصلون في مساجد فلسطين العتيقة ومسجدها الأقصى الأسير، وستقرع أجراس الكنائس في الناصرة، وسيسير المؤمنون في وادي القلط وسيعبرون إلى كنيسة المهد، وسيحيون قداس المسيح في بيت لحم.
لن يقتل إسرائيليٌ حلم العودة من قلوبنا، ولن يتمكن صهيوني من أن يغتال أحلامنا، أو أن يقتلعنا من جذورنا، ليزرع اللقطاء من أبناء جلدتهم مكاننا وعلى أرضنا الطاهرة، فهذه الأرض التي ينمو فيها الزعتر ويثمر فيها الزيتون، ولا تتوقف معاصرها الحجرية عن إنتاج الزيت، ويدندن فيها الرعاة وهم ينتقلون من جبلٍ إلى سهل، أن هذه الأرض لنا، عشبها وماؤها وسماؤها وهواؤها لنا، فهذه أرضٌ لا يعيش فيها إلا أصحابها الفلسطينيون، وملاكها العرب الأصليون، ولا يعمرها إلا أبناؤها المخلصون، ولن يكون فيها مكانٌ مهما طال الزمن لغير الفاتحين المسلمين والسابقين المسيحيين.
فإلى متى سنبقى نحيي ذكرى النكبة، ونراكم في عمرها سنيناً عاماً بعد عام، فتكبر معنا وتهرم مع شيوخنا، وتترك آثارها في نفوسنا، تؤلمنا وتحز في قلوبنا، يموت معاصروها ومن ولدوا أيامها، وتنفطر قلوب من لم يعيشوا فيها ولم يواكبوا نكبة بلادهم، ورحيل وشتات أهلهم، فهذا هو العقد السابع للنكبة، عمرها يكاد يفوق عمر أكبر عجوزٍ فلسطيني ممن شهدوا النكبة، وعاشوا بعضاً من طفولتهم في فلسطين.
إنها تتوالى في سنينها بسرعةٍ ككر الغداة ومر العشي، ننتظر ذكراها كل عام، ونتهيأ لإحياء مناسبتها بشتى أنواع الاحتفالات والمهرجانات، ونبتدع لها كل عامٍ شكلاً جديداً من أشكال الاحتفال، ونستعد في الأعوام المقبلة لتنفيذ أفكارٍ جديدة، نعد الصور والملصقات، ونجهز الأعلام والرايات، وننتقي أجمل العبارات وأفضل الشعارات، وندعو لإحيائها في كل البلاد والساحات أشهر الخطباء، وأبلغ المتحدثين، ورموز السياسيين، وأعلام المقاومين، ومن نبغ في الشعر والغناء، والنشيد والزجل وجميل الكلام، ونكتفي من الأرض بشذاها، ومن الحق باستذكاره.
يقف المنظمون والمشرفون على كل احتفالٍ ومهرجان، يهنئون بعضهم البعض بالنجاح الباهر، وبالتوفيق الكبير، وكأن المطلوب هو نجاحٌ في الاحتفال، وتميزٌ في المهرجان، وحسنُ إحياءٍ للمناسبة، وقدرة على إثارة الحضور ولفت انتباههم، وكأن الفلسطينيين يشبعون من الوطن بسماع اسمه، ويقتنعون بحصتهم فيه بالاستمتاع بأنشودة يذكر فيها اسم الوطن، وحواري الوطن، ومدنه وقراه وكثيرٌ من معالمه.
يتحمل المسؤولية الكبرى في استمرار الاحتفالات وتوالي المهرجانات وزيادة سنوات النكبة، وفقدان الأمل ومضاعفة اليأس، وتأخر العودة وانحباس النصر، وزيادة الخسائر ومضاعفة أعداد الضحايا، وتبذير الأموال وإهدار الطاقات، وإيهام الشعب وإشغال المواطنين، قادةُ الشعب ومن يتولى إدارة شؤونه، ويشرف على تسيير مصالحه وتوجيه مقاومته، الذين يشغلون الشعب بحاجاتهم، ويصرفون اهتمامات الأمة لمصالحهم، ولا يفكرون إلا في بقائهم، ولا يحرصون إلا على امتيازاتهم، ويحرصون على التشدق بخطاباتهم، والظهور أمام الشعب النازف بلباس الصدق والإخلاص.
فالشعب الفلسطيني وأجياله يحملون أصحاب الشأن من القادة العرب والفلسطينيين قديماً وحديثاً، المسؤولية الكاملة عما يجري لهم ولبلادهم، وعن شتاتهم وتعذر تحقيق أهدافهم، فالفلسطينيون قد نذروا حياتهم لهذا الوطن، ودفعوا أبناءهم فداءاً له، ولم يتوانوا يوماً عن تقديم المزيد من الضحايا في سبيله، ولن يتأخروا عن تحريره مهما كبدهم من ثمن، وحق لشعبٍ جرى دمه أنهاراً، وامتلأ جوف الأرض برفاة شهدائه، وغصت السجون بأعظم رجاله أن ينتصر، وأن يحقق ما يريد، وألا يكتفي من الوطن باحتفالٍ أو مهرجان، وألا تبقى نكبته مجرد مبكاةٍ سنوية، وذكراه مأساة دورية.
لا يريد الفلسطينيون أن يستبدلوا الوطن بخارطةٍ أو مجسم، ولا أن ينفقوا أموالهم على احتفالٍ أو مهرجان، ولا أن يضيعوا عمرهم وهم ينتظرون الذكرى السنوية التالية، ليقدموا فيها الجديد، ويعرضوا فيها المزيد، إنما حلمهم في أن تتوقف مظاهر إحياء يوم النكبة لتحل محلها مظاهر العودة، ومعالم النصر، وأن نلتقي على تراب الوطن، وعلى سواحله وشطئآنه، وفوق جباله ووهاده، وفي صحرائه وبساتينه الخضراء، بدلاً من أن تجمعنا ساحات الشتات والمنافي، فقد آن الأوان لهذا الشعب أن يعود إلى وطنه، ولهذه الأمة أن تنتصر على عدوها، وتحقق أحلامها، وتستعيد حقوقها، فنحن لسنا أقل من غيرنا من الشعوب، ولسنا أضعف من كثيرٍ سبقوا وقاوموا، فانتصروا على عدوهم وعادوا إلى بلادهم، فما لدينا أكثر مما لدى الآخرين، وأعظم مما كان متوفراً لكثيرين، إذ لا تنقصنا الحمية، ولا تعوزنا الشجاعة، ولا نشكو من نقصٍ في الرجال، ولا من عجزٍ في الطاقات، وتاريخنا يشهد لنا، وديننا يشحذ هممنا، ويقوي عزائمنا، وينهض بنا، ويعجل بخطواتنا نحو العودة والنصر.
0 comments:
إرسال تعليق