كنت قد وعدت القراء في الأسبوع الماضي أن يكون مقالي هذا الأسبوع عن الدولة الدينية ، وقد نوهت في أخر المقال عن عنوان المقال لهذا الأسبوع وهو " لا للدولة الدينية " . بالفعل بدأت في كتابة المقال . لكن ما جد على الساحة السياسية في مصر جعلني أترك المقال جانبا الأن ، وأبدأ معكم الحديث عن هذا الشيء المُحير على الساحة السياسية في مصر .
مما لا شك فيه أن السيادة والسلطة في مصر أصبحت لفصيل واحد فقط وهو فصيل جماعة الأخوان المسلمين . الرئيس منهم . رئيس الوزراء وأكبر عدد من الوزراء منهم أيضا ، ولا مكان لأي فصيل أخر معهم ، لا الجماعة السلفية ولا المعارضة . إن دل هذا على شيء إنما يدل على أنهم سائرون على تنفيذ المخطط الذي رسموه لأنفسهم عندما تأتيهم الفرصة ويتربعون على كرسي الرئاسة برئيس فعلوا كل شيء مباح وغير مباح ليكون كرسي الرئاسة لأحدهم سواء يصلح للمنصب أم لا . لأن تحريك الأمور في الحكم ليس في يد الرئيس ولا في يد الوزارة ، وأيضا ليس في يد مجلس الشعب لا المنحل ولا القادم ، وطبيعي ليس في يد مجلس الشورى الذي أثبت إنتخابه "%7 " فقط من مجموع تعداد الناخبين الذين لهم حق الأنتخاب .
تولى الرئيس الدكتور محمد مرسي سُدة الحكم بعد إنتخابات الإعادة التي شابتها شبهات كثيرة ومع الأسف فشلت كل محاولات المعارضة في محاولة إثبات ذلك . لا لشيء سوى لوجود قوة خارجية أقوى منهم وبيدها تسير الأمور في مصر ، ورضاها التام على جماعة الأخوان .
يكون هذا الشهر " مايو " قد مر على تولية الرئيس مرسي للحكم عشرة أشهر تقريبا
دون أي حلحلة لأي شيء تعاني منه مصر والشعب المصري . رأيناه في خلال تلك الفترة مثل سائق قطار يسير بسرعة دون الوقوف على أي محطة في طريقه ليركب من يريد الركوب ، أو ينزل لمن يريد النزول من الركاب . قطار له وجهة معينة محددة هدف السائق أن يصل إلى ما يريد الوصول إليه دون إهتمام وصراخ وخوف الركاب .
بدأ هذا الخوف من الركاب إلى محاولات توقيف القطار في شكل هتافات ومظاهرات مليونية " كما يطلق عليها " أمام الأتحادية حيث يوجد سائق القطار ، أو في المقطم حيث يوجد من بيدهم قيادة القطار وتوجيه السائق .
إنتشرت الفوضى في القطار . إزداد عنف البلطجية فبدأ إتخاذ القصاص بأيدي الشعب فسحلو وذبحو وسلخو البشر وعلقوهم كالذبائح في القطار . لا قانون يحكم أو يدين في القطار . لا أحد يهتم بركاب القطار إن جاعو أو عطشو أو أرادو قضاء " الحاجة " . القطار يسير والشعب مفوض أمره إلى الله . لم تظهر قوة سياسية مدنية أو غير مدنية تعمل من أجل هذا الشعب الذي إنتفض يوما فأطاح بحاكمه ، لكنه إنكسر بعد خيانة التيارات الأسلامية له وعلى رأسها الأخوان والسلفيين ومساندة أميركا والغرب لفصيل الأخوان . ونسأل ماذا تريد أميركا والغرب من مصر ؟
الأجابة على هذا السؤال جد عسيرة وليست بالسهلة . لا لشيء إلا أنهم يريدون تغير خارطة الشرق الأوسط بتقسيم الدول العربية إلى دويلات وتقسيم شعب كل دولة إلى شعوب متنافرة دينيا وعرقيا كما فعلوا بالعراق الذي أصبح كل فصيل فيه يحارب الأخر . فتعود مصر إلى عصر ما قبل التوحيد بين الشمال والجنوب على يد الملك مينا موحد القطرين . هذه المرة ليس فقط بين الشمال والجنوب ، لكن بين أقباط مسلمين وأقباط مسيحيين وأقباط نوبيين وأقباط بدو عرب . مع العلم أنهم جميعا يعيشون على أرض واحدة إسمها مصر . وينتمون إلى دولة واحدة إسمها الدولة المصرية .
لكن الأدارة الأمريكية تظن أنها بالربيع العربي تستطيع تقسيم دول الربيع العربي إلى دويلات يسهل التحكم بها مع بث روح الكراهية والبغضاء والتناحر بين أبناء الوطن الواحد . وهذا ما يبدو واضحا وجليا على الأرض السورية ومصر وهما الدولتان اللتان يمكن القول عنهما أن كل دولة منهما تمتلك قوة عسكرية ضاربة يمكنهما مواجهة أي عدو مثل إسرائيل العدو التقليدي للعرب . فيكون العمل هو تفتيت هذه القوة العسكرية وإحلال مليشيات إخوانية مكانها . ودافع الثمن هم أبناء مصر وأبناء سوريا والعار الذي لحق بالعرب الذين تهافتو على أعراض السوريات اللاجئات في دول العالم العربي المتخلف ، وتشجيع نساء العرب على الزنا والفحشاء تحت إسم مساندة المجاهدين في الأستمرار في القتال ضد الأسد . مع إغتصاب السوريات المسيحيات وقتلهن . وكأن إغتصاب المرأة السورية المسيحية هو نصر مبين .
وأيضا النساء والفتيات السوريات المسلمات أصبحن في متناول كل من يدفع من 100 جنيه مصري كمهر لزواجهن إلى 500 جنيه مصري وما أكثر عواجيز العرب الذين يمكنهم دفع المهر بالريال أو الدينار أو الدرهم وممكن بالدولار . المهم المتعة .
نعود إلى قطار الأخوان السريع للوصل إلى هدفه المرسوم له وهو التمكين من أخونة جميع مفاصل مصر ومؤسساتها قبل الأنتخابات البرلمانية لأنتخاب مجلس الأمة الجديد . وقد رأينا في الوزارة الجديدة بقاء الدكتور هشام قنديل رئيسا للوزارة وتعين 9 وزراء جدد لا كفاءة لديهم للوزارات التي يتولون إدارتها . وأغرب من جاء ضمن الوزراء الجدد تعين المستشار حاتم بجاتو الذي كان يشغل منصب رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا ليتولى حقيبة وزير الدولة للشئون النيابية .
إلتقطت من على صفحات التواصل الأجتماعي " الفيس بوك " هذا التعليق على تعين المستشار حاتم بجاتو في هذا المنصب .
احد الاسباب لاختيار بجاتو
[ خروج "" بجاتو "" من تشكيل هيئة المفوضين بالدستورية العليا يبطل عمل الهيئة .. ولابد من تعيين رئيس جديد .. وطبقا للمادة 22 من قانون المحكمة الدستورية العليا يتم تعيين رئيس هيئة المفوضين بقرار من رئيس الجمهورية .. وطبعا رئيس الجمهورية لن يصدر قرار جمهورى بتعيين رئيس لهيئة المفوضين الآن .. ولا يجوز للمحكمة الدستورية العليا الفصل فى أى قضية إلا بوجود عضو من هيئة المفوضين طبقا للمادة 42 .. وبناء على ماسبق أصبحت "" المحكمة الدستورية العليا "" معطلة "" لحين إصدار رئيس الجمهورية قرارا بتعيين رئيس لهيئة المفوضين ] .
[ خروج "" بجاتو "" من تشكيل هيئة المفوضين بالدستورية العليا يبطل عمل الهيئة .. ولابد من تعيين رئيس جديد .. وطبقا للمادة 22 من قانون المحكمة الدستورية العليا يتم تعيين رئيس هيئة المفوضين بقرار من رئيس الجمهورية .. وطبعا رئيس الجمهورية لن يصدر قرار جمهورى بتعيين رئيس لهيئة المفوضين الآن .. ولا يجوز للمحكمة الدستورية العليا الفصل فى أى قضية إلا بوجود عضو من هيئة المفوضين طبقا للمادة 42 .. وبناء على ماسبق أصبحت "" المحكمة الدستورية العليا "" معطلة "" لحين إصدار رئيس الجمهورية قرارا بتعيين رئيس لهيئة المفوضين ] .
وأغرب ما يمكن أن نسمعه من وزير بعد حلفه اليمين أن يشكر رئيس الجمهوريةبقوله :
" شكرا يا باشا .. ألف شكر يا باشا .. " فهل المستشار بجاتو لا يعرف البرتوكول عند مخاطبة رئيس الجمهورية ؟ أم أنه كان في لهفة لأظهار إمتنانه لولي نعمته الذي رد له جميل إختياره رئيسا للجمهورية ؟
الشعب المصري يواجه هذه الأيام أصعب فترة تاريخية في تاريخه الحديث والمعاصر .
الشعب المصري خُدع وظن أنه قد حصل على ما كان يتمناه ويسعى إليه من عيش و حرية وكرامة إنسانية وعدالة إجتماعية ، فإذ به يجد نفسه في مواجهة فصيل واحد قد إستولى على كل شيء ولم يترك أي شيء للأخرين والذين كانوا شركاء معهم في الألتفاف حول ثورة الشعب . وأعني هنا بالسلفيين الذين أستبعدوا من الوظائف والمناصب الحكومية والرئاسية .
ورأينا الشعب المصري قد ضاع من قدمه الطريق ولا يعرف إلى أين المصير .
فقد ثقته في كل شيء يدور حوله . فئة من الشباب الذي إستيقظ وتأكد من إختطاف الثورة منه . فأعلن الجهاد والوقوف في وجه المغتصبين ، فواجههم المغتصبون بالعنف وتلفيق التهم لهم وقتلهم بعد تعذيبهم . فماذا يفعلون ؟
كان أملهم كما هو أمل باقي فصائل المصريين معلق على ما سمي بجبهة الأنقاذ التي تضم أحزابا مختلفة تحت رئاسات مختلفة لا هم لها " الرئاسات " سوى أن يصل كل منهم منفصلا عن الآخرين إلى كرسي الرئاسة .
إزداد عدد الأحزاب السياسية واتسعت مساحة الأختلافات بينهم وأصبح وجود هذه الأحزاب يضر مصر والقضية المصرية التي هي في الأساس محور أمل كل المصريين الشرفاء . لأن مع كثرة الأحزاب لا يوجد فكر واحد يوحدهم للوقوف في وجه فصيل الأخوان وكل من يدور في فلكهم من تيارات إسلامية .
شاهدت يوم الجمعة 10 مايو على قناة " القاهرة والناس " مناظرة بين مسئول حزب الوسط ومسئول من جبهة الأنقاذ . إحتدم النقاش وتم أخذ إستفتاء من الحاضرين فكانت نتيجة الأستفتاء 83 % ضد المعارضة " جبهة الأنقاذ " لأنها أضاعت فرصا كثيرة كان يمكن فيها أن تصل إلى قلب الشارع المصري ، الذي هو المحك الأول في الأنتخابات وإعطاء صوته للمرشحين .
كتبت أكثر من مرة معترضا على ما تقوله جبهة الأنقاذ من عدم المشاركة في أي إنتخابات قادمة . والحجة حتى لا يضفون الشرعية للرئيس مرسي ونظام الحكم .
شرعية الرئيس مرسي والنظام أو عدم الشرعية لا ولن يغير شيئا من مخطط الأخوان وكما أوضحت في هذا المقال أن قطار الأخوان يسير بسرعة هائلة نحو الوصول إلى التمكين الكامل من مفاصل ومؤسسات الدولة والذي سيعطيهم بعد فوزهم في الأنتخابات البرلمانية قوة أكبر تمكنهم من سن القوانين والتشريعات الأخوانية التي يريدونها ويتم لهم السيطرة الكاملة .
أما نظرية عدم المشاركة فهي نظرية لا ولن تخدم التغير الذي يريده الشعب . فإن لم تستطع المعارضة تحقيق مطالب الشعب على الأقل يكون لها وجود . ويجب أن يكون هذا الوجود متميزا للوقوف في وجه البرلمان وتشريعاته .
مصر في أشد الحاجة إلى وقفة ثاني مثل وقفة 25 يناير 2011 يشترك فيها الشعب المصري بجميع أطيافه . ويكون الجميع على قلب رجل واحد " نساء ورجال "في جميع ميادين مصر، ويهتف بنفس الهتاف الذي سبق وهتفوا به ضد الرئيس المتخلي مبارك وبصوت عال ليسمع العالم كله كلمة :
إرحل .. إرحل .. إرحل يا مرسي وليسقط حكم المرشد .
فهل يمكن لجبهة الأنقاذ وجميع الأحزاب المعارضة حشد نفس الملايين التي تم حشدها في يوم25 يناير 2011 والتي أجبرت مبارك على التخلي عن الحكم؟؟
القطار قاب قوسين أو أدني من الوصول بالأخوان إلى تحقيق ما يصبون إليه . فهل يمكن وقف عجلة هذا القطار ومنعه من الوصول إلى هدفه ؟؟ لقد شبعنا من الكلام واللقاءات التلفزيونية وأصبحنا ندور ونلف في حلقة مفرغة لا طائل من وراءها ونتمنى على القيادات السياسية المعارضة أن تفيق وتستيقظ . لأنه ليس بالكلام وحده تتحقق المطالب .
أناشد المرأة المصرية التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنها قادرة وتستطيع أن تشارك وتصر على تحقيق مطالب الشعب . كذلك الشباب المصري الذي أثبت أيضا أنه قادر على التصدي كما فعل في 25 يناير 2011 ولن يسمح لأحد الألتفاف أو خطف الثورة الثانية منه .
فما يحدث في مصر حقيقة ... شيء مُحير .. بجد مُحير !! .
0 comments:
إرسال تعليق