مضى أكثر من ثلاثة شهور على تأسيس محكمة جرائم الفساد في فلسطين، إلا أننا لا نعرف إن كانت ستعمل باستقلالية تامة كما هو مفترض أن تكون هي وكل القضاء الفلسطيني؟ أم أن الأمر لم يعد سوى مظهرا شكليا مكملا لباقي المؤسسات؟ التي تخلو من العمل الجوهري الذي يعالج المرض ولا يزيده مضاعفات؟ أم أنها ستحتاج هي الأخرى لمراقبة من مؤسسة أو هيئة أعلى..؟ والهيئة الأعلى تحتاج لهيئة أخرى وهكذا..؟ وقبل هذا وذاك.. هل للفساد ووجهته تعريف لدينا؟ وأي نوع من الفساد يمكننا محاكمته؟ إن كان الفساد يستشري في مؤسساتنا العامة والخاصة ويعمل على قهر المواطن وإحباطه ويأسه ليكون مواطنا غير صالح أو يفكر بترك الوطن ليهجره بلا رجعة..؟ وهل يمكن تنظيف مؤسساتنا بما علق بها من فساد إداري؟ أم أن محكمة الفساد ليس من اختصاصها معالجة هذه الأمور؟؟ كيف يمكن معرفة ما يدور في المؤسسة فسادا؟ أم غير ذلك..؟ وهل يمكن محاسبة المدرس إن كان لا يعلم طلابه بالشكل الصحيح؟ أو يتخاذل في مهنته؟ وكذلك الطبيب الذي لا يقوم بواجبه على أكمل وجه؟ أو يستغل وظيفته في المستشفى الحكومي ليجمع الأموال من الناس في عيادته الخاصة؟؟ هواجس الفساد كثيرة وتحتاج إلى إجابات وقوانين تنظم الحياة العامة للناس وتعاقب كل من يخل بالصالح العام، وتحفظ للفرد كرامته وشخصيته ومحبته لوطنه إن استطعنا تحديد مفهوم الفساد بشكل واضح كي تقوم محكمة الفساد من وضع سياسة لها لمحاسبة الفاسدين..!
كي نقوم على كل ما هو فاسد يجب أن نحدد المواصفات الوظيفية وحدودها لكل موظف بدء من وكيل الوزارة إلى أصغر مراسل أو ساعي في المؤسسة، وكذلك يجب أن لا يعمل معا في المؤسسة الإخوة أو من ذوي القربى بالدرجة الأولى، وكذلك يجب تسكين الموظفين في مواقعهم حسب مؤهلاتهم العلمية؛ فلا يجوز لموظف مهما كان أن يأخذ موقع تخصص لزميل له إن كان مؤهلا في ذلك التخصص، وهنا يجب غربلة المؤسسات فكيف سمحنا لأنفسنا بتوظيف عائلات كاملة الزوج والزوجة والأبناء والأقارب وكأن المؤسسة ملك للعائلة وتورث لهم ولمن بعدهم..! نعرف بداية عمل المؤسسات والوزارات كيف وظفت فيها الناس سواء بالواسطة أو المحسوبيات أو ما يسمى بالمناضلين أو غير ذلك.. ونعرف أن آلاف الموظفين غير مؤهلين لوظائفهم وأن الآلاف منهم عند تطبيق قانون الخدمة المدنية في العام 2005 سجل لهم في خانة المؤهل العلمي " أميّ " وأذكر في حينها كتبت مقالا ينتقد قانون الخدمة المدنية لكثرة الفجوات فيه، والفجوة الكبيرة بين أعلى راتب وأدنى راتب، كذلك الفجوة الكبيرة بين الفئة الأولى والثانية... وما يهمنا هنا هو: هل يمكن إعادة النظر في ذلك القانون؟ وهل يجوز لمحكمة الفساد الاطلاع على ملفات الموظفين كي يتسنى لها الوقوف على الخلل والفساد الإداري في كافة المؤسسات؟ ربما يقول قائل: لماذا تنبش الماضي بعدما شبعت هيئة الرقابة والتفتيش بحثا وتنقيحا في كافة الملفات؟؟ نعم! لكننا لا يمكننا البناء على قواعد وأسس هشة، والجميع يعرف كيف أغلقت الملفات وزورت الشهادات، وقبل هذا وذاك إن أصحاب القرار كانوا هم هؤلاء الذين لا يحملون المؤهلات، وهم أيضا من صاغوا وزيفوا وقرروا قانون الخدمة المدنية حسب مقاساتهم أيضا!
لماذا يجب أن نحارب الفساد والفاسدين؟ أليس الإجابة على ذلك هي: لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحسين جودة خدمة الحكومة لشعبها..! والأمر لا يتعلق فقط بالمؤسسات الحكومية، بل يتعدى ذلك إلى المؤسسات الخدماتية كالبلديات والمستشفيات والمدارس والجامعات والبنوك والمؤسسات الأهلية وشركات الاتصال وغيرها... أما سفاراتنا في العالم فهي بعيدة عن الرقابة ولا تعمل كما يجب، والفساد ينخر فيها، ما سمعناه، وما لم نسمعه كثيرا جدا لا يسعه مجرد مقالة، وربما مجلدا.. فها هم أبناؤنا الطلبة قد خسروا أربعمائة مقعدا جامعيا في العام الماضي، وربما خسرنا ذلك بشكل دائم بسبب فساد العاملين في سفارتنا بالجزائر، علاوة على ذلك لقد خسرنا الساحة الجزائرية سياسيا نتيجة سلوك موظفي سفارتنا هناك.. فمثلا إذا كانت الحكومة الجزائرية تفرض قيودا وتمنع التجارة في الأموال الصعبة؛ فكيف تسمح سفارتنا لتجار الأموال ومنهم من يعمل موظفا في السفارة بالاتجار بالأموال علنا داخل السفارة على مرأى الجميع بما فيهم الحارس الجزائري، لماذا توقفت نشاطات سفاراتنا بحشد التأييد والتضامن مع شعبنا ؟؟ نعتقد أن معظم سفاراتنا لا تختلف كثيرا عن سفارتنا في الجزائر.. ماذا كانت تفعل سفارتنا في القاهرة عندما كان ومازال يذل ويعذب الفلسطيني في أثناء مروره إلى غزة أو الخروج منها مرورا بمصر ناهيك عن ابتزازه لدفع أموالا باهظة كي يعود إلى وطنه أو عندما يقضي حاجته من مصر..؟
إذا كان الفساد هو جمع الأموال بوجه غير مشروع، فماذا نسمي سرقة أموال الناس بشكل منظم من قبل شركة الاتصالات والجوال؟؟ خذ مثالا على هذه الشركة كيف تجمع الأموال بوجه غير مشروع خصوصا في غزة عندما ينقطع التيار الكهربائي في منطقة ما.. وتكون بحاجة الاتصال بشخص موجود في تلك المنطقة فسوف تحتاج لإجراء خمسة اتصالات وربما أكثر؛ فتقوم الشركة بالخصم كل مرة.. والعكس صحيح إذا كان الاتصال من تلك المنطقة، وأيضا ماذا تسمي الخصم من رصيدك عندما تتلقى اتصالا ما ؟ ناهيك عن أسعار المكالمات المرتفع جدا.. هذا السلوك لا يختلف كثيرا عن سلوك البنوك في غزة أيضا فأحيانا يتحجج البنك بأن عملة الشيكل مفقودة وليس أمامك إلا أن تستبدل الشيكل بعملة أخرى يبيعها لك البنك بسعر مرتفع، وفي حال استبدالك لهذه العملة في السوق تكون قد خسرت كثيرا حسب كمية المبلغ.. إضافة لذلك من من الموظفين الذين يستلمون رواتبهم من البنوك يستطيع أن يدقق في حساباته إن كانت سليمة أو تسرق من قبل البنك بوسائل عدة وتحت حجج واهية خصوصا إذا كانت المبالغ صغيرة، لكنها كثيرة بالنسبة للبنك إذا سرقت من جميع الموظفين.. أما المؤسسات الأهلية أو الخيرية فحدث ولا حرج فجميعها تسرق أموال الناس، فها هو مستشفى القدس التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أصبح مستشفى خاصا..! بينما يجمع التبرعات من دول عدة ويتلقى دعما وتبرعا من الأدوية والمعدات الطبية المختلفة، ويقوم ببيعها للمرضى بشكل علني، وكما هو معروف أن تسعيرة العلاج في هذا المستشفى مرتفعة جدا مقارنة بالمستشفيات الخاصة.. وحال مستشفى القدس لا يختلف كثيرا عن مستشفيات أخرى في غزة كلها ينخر فيها الفساد لسرقة المواطن تحت مسميات وطنية مخجلة.. أما مؤسسات المجتمع المدني أو ما يسمى شبكة المنظمات الأهلية جميعها لا تعمل للصالح العام ويكفي زيارة واحدة لكازينو الشراع أو الديرة على شاطئ غزة لترى رؤساء تلك المنظمات أية سيارات فارهة يركبون، وكيف يقضون وقتهم وترتيب أو تنظيم سرقتهم لأموال الناس.. أي سياسة هذه؟ وأية رقابة لحكومتنا ومجلسنا التشريعي ؟؟ ألا يكفيكم خجلا حتى الآن في ظل الانفجار الشعبي العربي بسبب الفساد الإداري والمالي للأنظمة العربية جميعها ؟!
0 comments:
إرسال تعليق