......في الخامس والعشرين من الشهر الماضي أقدمت حكومة الاحتلال على إغلاق أربع مؤسسات مقدسية هي:- القدس للتنمية وجمعية شعاع النسوية ومؤسسة ساعد وعمل بلا حدود،والحجة والذريعة الاسرائيلية الجاهزة هي تقديم خدمات ل وارتباط مع منظمات"ارهابية" أي فصائل العمل الوطني والاسلامي،وهي تحت هذه الحجة والذريعة المضللة والخادعة منذ عملية السور الواقي التي نفذتها في عام 2002 أغلقت أكثر من ستة وعشرين مؤسسة مقدسية،مؤسسات تقدم خدماتها للمقدسيين في إطار العمل المجتمعي من تمكين للمرأة وتأهيلها وتقوية دورها الاجتماعي والثقافي وتعليم اللغات وإقامة الورش والأنشطة والفعاليات الجماهيرية ذات البعد الفني والتراثي والتربوي والتعليمي والثقافي،ناهيك عن تقديم خدمات واستشارات قانونية وهندسية للعائللات والاسر المهددة بيوتها بالهدم او المقامة على حد زعم الاحتلال بدون ترخيص ولديها اوامر بالهدم او مفروض عليها غرامات مالية باهظة،أي باختصار تقدم تلك المؤسسات خدمات للفئات المهمشة والمهملة والفقيرة في القدس.
وهذا الاغلاق لن يكون الأول ولا الأخير،ولن يكون لمدة شهر كما هي الأوامر التي سلمت لإدارات تلك المؤسسات،فالقرار جاهز بالاغلاق النهائي،فما ان ينتهي الشهر حتى يمدد الاغلاق لمدة عام،والعام يتبعه اعوام أخرى،أعطوني مؤسسة أغلاقها الاحتلال لمدة معينة وأعيد فتحها؟؟،فالمطلوب ليس إعادة فتح أي مؤسسة مغلقة،بل إغلاق وطرد وترحيل المؤسسات غير المغلقة،حيث الحجة معروفة اقتنع وزير الامن الداخلي الإسرائيلي بان تلك المؤسسات تشكل خطراً على دولة "اسرائيل".
نعم كل شيء يمت للعرب والفلسطينيين والمسلمين وجوداً وصلة يشكل خطراً على الاسرائيلين،هي معركة وصراع على الوجود،والاحتلال يسابق الزمن لإقصاء والغاء الوجود العربي الفلسطيني في القدس،عبر سياسة تطهير عرقي لا يسلم منها لا بشر ولا شجر ولا حجر ولا حتى حيوان أو طير.
البناء العربي في القدس خطر،المنهاج الفلسطيني خطر،التكاثر العربي السكاني خطر،التراث الفلسطيني خطر،اللغة العربية خطر،الثقافة الفلسطينية خطر،الرموز والأماكن الدينية الاسلامية والمسيحية خطر،إقامة المآتم والأفراح الفلسطينية خطر،حتى الأسماء للشوارع والبلدات بالعربية خطر،إقامة مهرجانات إحتفالية للأسرى المحررين خطر،حيث منع ودوهم أكثر من احتفال واعتقل القائمين عليه أو استدعوا للتحقيق،ولادة أي طفل فلسطيني خطر،زراعة اي شجرة زيتون في القدس خطر،افتتاح أو إقامة أي مؤسسة فلسطينية في القدس خطر،نشاط أي شركة أو مؤسسة اقتصادية أو استثمارية في القدس خطر،وهنا أشدد على أن أي مؤسسة أو شركة فلسطينية تريد العمل والإعمار في القدس تتعرض للملاحقة والتضيق والإستهداف،فعلى سبيل المثال لا الحصر مجموعة على شقيرات أخوان للبناء والأعمار،والتي تقوم بنشاط اقتصادي رائع في القدس من خلال إقامة مشاريع إسكان وبناء في قلب مدينة القدس، مشاريع تسهم في تثبيت وجود المقدسيين في مدينتهم،وتمنع وتحد من التمدد والتوسع الإستيطاني في القدس،ولذلك فهي تتعرض لمضايقات يومية من قبل ليس بلدية الاحتلال ووزارة داخليتها،بل يشارك في العملية المستوى الأمني والسياسي،إنها حرب مفتوحة تشن على المقدسيين،حرب يراد له تغير الواقع الجغرافي والديمغرافي في المدينة لصالح المحتلين،حرب تستخدم فيها كل الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة،ويشارك بها المؤسسة الرسمية بمستوياتها السياسية والأمنية والتشريعية والقضائية،والجمعيات الإستيطانية والمستوطنين،كل ذلك بغرض إحكام السيطرة على مدينة القدس،وتحويل الوجود العربي الفلسطيني فيها الى جزر متناثرة في وسط أغلبية يهودية استيطانية تحيل حياة المقدسيين فيها الى جحيم.
المقدسيون في القدس يجدون أنفسهم مطالبين كل يوم ،بل وكل ساعة بخوض حرب شاملة مع الاحتلال دافعاً عن وجودهم وأرضهم وهويتهم وثقافتهم وتراثهم ووعيهم وانتمائهم،فهو ينقلهم من معركة الى أخرى من أجل أن ينهك قواهم ويدمر معنوياتهم ويكسر إرادتهم ويدفعهم الى خانة اليأس والإحباط وفقدان الثقة والبحث عن الحل والخيار الفردي والذاتي لهمومهم ومشاكلهم،في ظل حالة فلسطينية منقسمة على ذاتها،وحالة عربية منشغلة في همومها الذاتية وبالذات في ظل تعثر ربيع الثورات العربية وحرفه عن أهدافه وتطلعاته ومحاولة إجهاضة المستمرة داخلياً وخارجياً.
وليس هذا فحسب فلا يكفي شعبنا وأهلنا في القدس الاحتلال ومستوطنيه،بل هناك من يشكل أداة وداعماً للاحتلال في حربه على المقدسيين،حيث هناك من ينشطون في فرض الخاوات على المقدسيين بالبلطجة والزعرنة،وهناك من يقومون بتزوير ملكية أراضيهم والاستيلاء عليها بطرق غير شرعية وقانونية،أو حتى من يقومون بتسريبها الى الاحتلال والجمعيات الإستيطانية،وهناك من يلجأ الى حارس أملاك الغائبين في نزاع أو خلاف عائلي أو أسري على ميراث بيت أو قطعة أرض،بما يعني دخول الاحتلال على الخط ووضع يده على العقار او الأرض المتنازع عليها.
جرح ونزف مقدسي متواصل وغير منتهي،ولا يتوقع له أن ينتهي،بل النزف سيزداد في ظل تصاعد الهجمة والحرب الاحتلالية على المدينة،حيث يجري الحديث عن نية الحكومة الاسرائيلية إقامة ألآلاف الوحدات الإستيطانية في القدس.
والوضع في القدس لم يعد يحتمل أي مزايدات او شعارات أو خطابات،أو حديث ممجوج ومكرر عن دعم صمود المقدسيين،وهم يسمعون طحناً ولا يرون طحيناً،فالقدس تضيع ولن تعيدها لا مقابلة تلفزيونية او خطبة عصماء أو بيان أو تصريح أو يافطة هنا أو هناك،او لجنة عربية أو إسلامية أو حتى أممية،فالقدس بحاجة الى فعل وحرث جدي وحقيقي على أرض الواقع،فالمقدسييون يقدمون ويدفعون ثمن صمودهم وبقائهم في القدس دماً وتضحيات ومعانيات،وهم في صمودهم وبقائهم ودفاعهم ونضالاتهم وتضحياتهم لا يحملون أحد جميلاً،بل يقومون بدورهم وواجبهم،ولكن الهجمة والحرب على المدينة أكبر من قدراتهم وطاقاتهم وإمكانياتهم،وكذلك فالقدس لا تخصهم كمقدسيين أو فلسطينيين وحدهم،بل تخص أمة بأكملها من المحيط الى الخليج،هذه الأمة مجتمعة لا تقدم للقدس وأهلها ما يقدمه واحد من المستثمرين الصهاينة،فالمستوطن الملياردير "ماسكوفيتش،قدم للإستيطان وتهويد المدينة أكثر ما قدمه العرب والمسلمين مجتمعين،فهل يعقل هذا؟ وعند العرب والمسلمين والفلسطينيين مئات المليارديرات والمالكين لثروات تزيد عن ثروة "ماسكوفيتش" مئات المرات،واذا كان الخوف من عدم وصول الأموال الى من يستحقونها في المدينة،فهناك عشرات طرق الرقابة والمتابعة والتأكد من وصولها من عدمه.
علينا أن نصحو جميعاً سلطة واحزاب وفصائل وعرب ومسلمين بأن القدس تضيع،وربما نحن في الفصل الأخير من حالة الضياع،بأنه بدون عمل وحدوي جاد،وبدون دعم وبكل الأشكال يوقف حالة النزف المقدسي،فسنكون أمام كارثة حقيقية تلحق بالقدس والمقدسيين بشراً وحجراً وشجراً.
0 comments:
إرسال تعليق