من سخريات القدر ان نسمع رجلاً مثل المالكي الذي دخل العراق على ظهر دبابة أمريكية نصّبته حاكماً في بغداد، وأجلسته على كرسي حكم يجثم على جماجم ما يزيد على مليون عراقي، قضوا ضحية للغزو الثلاثيني الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية وشاركت فيه وحدات من كتائب الأسد الأب، بهدف إسقاط النظام في بغداد كونه نظام ديكتاتوري.. أقول من سخريات القدر أن نسمع من هذا الرجل الذي يقود حزباً طائفياً متشدداً تلوثت يد أعضائه بدماء آلاف العراقيين قتلهم على الهوية الطائفية، في سلسلة مجازر بشعة كتلك التي يقوم بها النظام الطائفي في سورية اليوم.. أقول من سخريات القدر أن نسمع من هذا الرجل الذي يرى القذى في عيون الآخرين ولا يرى خشبة الهاتف في عينه وهو يحذر من مغبة تسليح المعارضة السورية، بهدف الدفاع عن أنفسهم وأبنائهم ونسائهم وأطفالهم وحرائرهم وأعراضهم وبيوتهم وأموالهم، مدعياً أن من شأن مثل هذه الخطوة تصعيد الصراع في المنطقة ولن تؤدي إلى إسقاط النظام في سورية في نهاية المطاف، وكان العراق لا يقل أهمية عن سورية إن لم يتفوق عليها بما في باطن أرضه من مخزون نفطي هو الثاني في العالم، لم نشهد أي تصعيد للصراع في المنطقة بعد سقوط النظام فيه!!
ففي مؤتمر صحفي عقده هذا الرجل في بغداد الأحد الأول من نيسان، قال فيه: "نرفض أي تسليح للمعارضة ونرفض إسقاط النظام بالقوة لأنها ستخلف أزمة تراكمية في المنطقة".
هذا الرجل الذي سوغ لنفسه الاستعانة بالدبابات الأمريكية لإسقاط النظام في العراق بحجة أنه نظام ديكتاتوري شمولي، بهدف تمكين الشعب العراقي من إقامة حكم ديمقراطي تعددي في بغداد، يعز عليه أن ينتفض الشعب السوري لإسقاط نظام سادي فاشي مستبد يحكمه منذ ما يزيد على أربعين سنة، بهدف إقامة حكم مدني ديمقراطي تعددي في سورية، وموقف المالكي هذا يجعلنا نضع ألف علامة استفهام حول دوافعه في اتخاذ مثل هذا الموقف المستهجن والغريب والمضحك، وهو نفسه كان إلى الأمس القريب يهدد بالذهاب إلى مجلس الأمن مشتكياً من النظام السوري الذي يصدر إلى العراق السيارات المفخخة والانتحاريين.
وموقف المالكي الذي يتقاطع وينسجم مع موقف محمود أحمدي نجاد وحسن نصر اللات، في الوقوف إلى جانب الأسد الصغير، يقدمون له الدعم بكل أشكاله العسكرية والسياسية والمادية واللوجستية والمخابراتية، وكل هؤلاء يدينون بالولاء لفقيه قم ويأتمرون بتوجيهاته الطائفية والمذهبية في ظاهر الأمر، وفي الخفاء هدفها تنفيذ أجندة فارسية حاقدة على العرب والمسلمين، ومطامع بعيدة المدى في الأرض العربية، سعياً لتحقيق حلم طهران في إقامة دولة فارسية تمتد من الهند شرقاً حتى البحر المتوسط غرباً ومن بحر قزوين شمالاً وحتى بحر العرب جنوباً، وهؤلاء الثلاثة يخشون من تبدد المخطط الفارسي إذا ما سقط حليفهم الأسد الصغير في دمشق، لأن انتصار الثورة في سورية تعني تبخر هذا الحلم الذي سعت إليه قم منذ سنوات طويلة كلفتها العديد من العداوات والخصومات والحروب والتضحيات ومليارات الدولارات، وهذا الأمر سيدفع الشعب الإيراني إلى انتفاضة شعبية كتلك التي تحدث في سورية لإزاحة هذا الكابوس المظلم عن صدرهم وإسقاط نظام ولاية الفقيه، وبسقوط النظام السوري ستنقلب الطاولة على الحليفين حسن نصر اللات ونوري المالكي اللذان لن يجدا أمامهما بعد انكشاف ظهرهما بسقوط الأسد الصغير إلا الإنكفاء وتحسس رأسيهما والاستسلام للمصير الأسود الذي ينتظرهما.
وجاءت تصريحات المالكي في الوقت الذي كان يجتمع فيه وزراء خارجية 83 دولة في اسطنبول، هزتهم مشاهد المجازر والمذابح المرعبة التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه، للاتفاق على أفضل السبل لنصرة هذا الشعب الذبيح وإغاثته، والعمل على وقف شلال الدم الذي فجره النظام السوري في طول البلاد وعرضها منذ أكثر من سنة، استباح خلالها المدن والبلدات والقرى السورية، وخلفت جرائمه ما يزيد على أحد عشر ألف شهيد وأضعافهم من المفقودين والجرحى والنازحين والمهجرين، وتدمير أحياء كاملة في كثير من المدن والبلدات والقرى، حتى وصل به الإجرام إلى اتباع طريقة الأرض المحروقة، التي لم تسلم من نيران أسلحته الفتاكة الثقيلة مدينة أو بلدة أو قرية من شمال سورية حتى جنوبها ومن شرقها حتى غربها ليقضي المئات صرعى تحت انقاض منازلهم.
موقف المالكي هذا يتناقض وما أعلن في البيان الختامي للقمة العربية التي عقدت في بغداد الأسبوع الماضي، الذي دعا إلى دعم كوفي أنان لوقف العنف وحقن الدماء وإغاثة الشعب السوري والالتزام بالمبادرة العربية التي أقرها وزراء الخارجية العربية ومنهم وزير خارجية العراق، والتي تدعو، فيما تدعو، إلى تسليم الأسد الصغير سلطاته إلى نائبه والتفاوض مع المعارضة على كيفية انتقال السلطة بشكل سلمي وسلس، وتحول البلاد من النظام الديكتاتوري إلى نظام ديمقراطي تعددي يتساوى فيه كل الناس بغض النظر عن العرق أو الدين أو الطائفة أو المذهب أو المعتقد.
0 comments:
إرسال تعليق