فجأة اصبحت موسكو قبلة حلفاء امريكيا،والتي كانوا يطالبون بمعاقبتها ومحاسبتها على دعمها للنظام السوري ولمواقفها من الملف النووي الإيراني،وهذا الحجيج سواء كان له علاقة ب"المناكفات"والحرد ومحاولة لفت انظار امريكا لحلفائها الذين تركتهم كالأوغاد على مائدة اللئام،أو من باب تبدل الإستراتيجيات،بعد وصولهم الى قناعات بان امريكا ورطتهم في الملفات السورية والإيرانية،وادارت ظهرها لهم،مفضلة مصالحها على مصالحهم،غير مستوعبين لمقولة القادة الأمريكان،بأن لأمريكا في المنطقة مصالح دائمة وليس أصدقاء دائمين،وأكثر الزعماء والحكام قلة إستيعاب وتجريب للمجرب،هم الزعماء العرب،الذين لم يتعظوا لا من مصير حاكم مصر البائد الديكتاتور مبارك ولا مصير ناهب ثروات وخيرات تونس زين العابدين بن علي.
والحجيج الى موسكو،من قبل حلفاء امريكا،والذي إفتتحه بندر بن سلطان،مسؤول المخابرات السعودية ومسؤول امنها،والمسؤول المباشر عن عصابات القاعدة وجبهة النصرة في المنطقة،كان بهدف إقناع القيادة الروسية بالتخلي عن نظام الأسد،وإعطاء ضوء اخضر لأمريكا لتوجيه ضربة عسكرية له على ضوء ما سمي بكيماوي الغوطه،حيث ان امريكا أبدت تراجعاً عن موقفها وتهديداتها،وبندر كان سخياً مع القيادة الروسية،حيث قدم لها الكثير من الإغراءات 15 مليار دولار نقداً،بالإضافة الى مساعدات اقتصادية كبيرة جداً،وعدم المنافسة في الأسواق العالمية مع النفط الروسي،وليصطدم برفض بوتين،وليكتشف بان موسكو وفية لأصدقائها وحلفائها،ولم تكن تلك الصدمة او الضربة الوحيدة التي تلقتها السعودية،بل كانت الطامة الكبرى،عندما ادارت امريكا حوارا ومباحثات مع طهران،من وراء ظهر حلفائها،ودون أي إعتبار او قيمة لهم،مما افقدهم صوابهم،فالسعودية مارست الحرد واعتذرت عن القاء كلمتها في الجمعية العامة،كما اعتذرت عن قبول مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن الدولي،ولم تكتفي بذلك،بل صعدت من دعمها لجبهة النصرة والقاعدة في سوريا،وضغطت على حلفائها السلفيين والتكفيريين والقاعدة،من اجل تفجير الساحتين اللبنانية والعراقية،وسعت لتشكيل حلف مع فرنسا واسرائيل،لكي يمارس ضغوطاً على أمريكا،من اجل التراجع عن توقيع الإتفاق مع ايران بشان ملفها النووي وتاجيل عقد حنيف (2).
فالسعودية تولت التصعيد في اكثر من ساحة،فبندر اوعز لرجاله بشن حرب لا هوادة فيها،تحصد الأخضر واليابس في دمشق وبيروت وبغداد،ونتنياهو صعد من تهديداته بالقيام بعمل عسكري منفرد ضد المنشآت النووية الإيرانية،إذا ما جرى توقيع الاتفاق بين ايران والدول الخمسة الكبرى والمانيا مع ايران،وقام بحملة دبلوماسية وسياسية غير مسبوقة ،حيث زار الرئيس الفرنسي اليميني هولاند اسرائيل واعلن تضامنه مع نتنياهو،فيما يتعلق بالشروط من الملف النووي الإيراني،وكذلك تجندت السعودية مالياً ،وبالتعاون مع منظمة "إيباك" الصهيونية،للضغط على المحافظين الجدد في واشنطن،لكي تمنع الإدارة الأمريكية من توقيع الاتفاق مع ايران...ولهذه الغاية طار نتنياهو الى موسكو في محاولة لإقناعها بأن توقيع الاتفاق مع ايران وبالشروط المطروحة سيمكن ايران من الاستمرار في برنامجها النووي وتصنيع قنبلة نووية،ولكن موسكو لم تستجب لطلبات وتوسلات نتنياهو،وكذلك الإدارة الأمريكية قالت بأن الشروط التعجيزية الإسرائيلية قد تقود الى حرب شاملة في المنطقة.
ولم يقتصر الحجيج الى موسكو على نتنياهو فأردوغان،المتورط في الأزمة السورية من رأسه الى اخمص قدميه،والذي كان يطمح لإستعادة خلافته على حساب الدم والجغرافيا العربية وبالذات السورية منها،ولشعوره بإستحالة تحقيق نصر او مكاسب عسكرية او سياسية في الملفين السوري والإيراني،وخصوصاً ان امريكا تركته كالكلب الضال على قارعة الطريق،رغم توريطها له في الملف السوري،فهو لعب دور الداعم الرئيسي لكل قوى الارهاب والتكفير والقاعدة والنصرة وما يسمى بالائتلاف الوطني السوري،حدوده ومطاراته فتحت لهم لتهريب السلاح والمال والرجال،وأرضه للتدريب وفنادقه لإجتماعات قيادات تلك العصابات واجهزة أمنها والمخابرات العربية والدولية المسؤولة عنها،وامريكا ردت له الجميل بالنكران،حتى بعدم استشارته،مقابل كل التضحيات والثمن الذي دفعه،لا في الملف السوري ولا حتى الايراني،وحجيج أردوغان الى موسكو،الذي أقدم في تشرين اول 2012 على تفتيش احدى طائراتها واجبارها على الهبوط في إحدى مطاراته ومصادرة حمولتها،بذريعة نقلها السلاح الى سوريا،اليوم يطلب الصفح والمغفرة من روسيا،ويشعر بان تداعيات الأزمة السورية تنعكس عليه سلباً لجهة امنه ووحد بلده الجغرافية ووحدة نسيجها الاجتماعي،فالأكراد يتحركون لإقامة كيان كردي مستقل على طول حدود تركيا الجنوبية،والعلوين في تركيا حركتهم سوريا مطالبين بحقوقهم والاعتراف بهويتهم الطائفية وفتح مساجدهم ومدارسهم،والإرهاب الذي مولته يعود الى نحرها،وبما يهدد امنها وسلمه الأهلي والاجتماعي،وخصوصاً بعد قيام الجهات التكفيرية والسلفية من قاعدة وداعش ونصرة وغيرها بتجنيد الشباب الأتراك وبأعداد كبيرة،وبما يضع انقرة في مقدمة الدول الداعمة للإرهاب.
الحجيج الى موسكو الان،يأتي على خلفية الإخفاق الأمريكي،والفشل الكبير لسياستها الخارجية في المنطقة من افغانستان الى العراق ومرورا بسوريا وايران وانتهاءاً بمصر،وتراجع دورها ونفوذها،فأزمتها الاقتصادية الداخلية تتعمق وسياستها الخارجية تفشل ـوروسيا تعود بقوة للمسرح الدولي،وتملىء الفراغ الأمريكي،وهي تنتصر لحلفائها ولم تتخلى عنهم حتى اللحظة،وحجيج أردوغان الى موسكو على وجه التحديد،يشير الى ان اردوغان،لن يقبل بأن يكون كبش الفداء والضحية لأمريكا،بل هو رجل مصالح،يولي وجه شطر مصالحه،فهو من رحم الاخوان،والاخوان مصلحتهم فوق كل مصلحة،ونحن رأينا كيف حماس غيرت جلدها ولونها في سبيل مصالحها ،وكذلك هو أردوغان.وحجيج حلفاء امريكا الى موسكو اعترافا بالدور الروسي،وصعودة،ولربما يصبح مركز القرار العالمي،ولكن المأساة بان هناك من لا يتعلم ولا يتعظ ولا يستفيد،ويتعاطى مع الامور على قاعدة "عنزة ولو طارت" فامريكا قالت لهم يا حكام ومشيخات العرب الغارقين قي سباتكم،نحن لنا مصالح دائمة وليس اصدقاء دائمين،فهل يتعظ حكام تلك المشيخات،أم سيطول نومهم..؟؟؟
0 comments:
إرسال تعليق