.....هذا هو الشعار الناظم للحركة الشعبية والجماهيرية المحتشدة في ميدان التحرير منذ أكثر من أسبوعين،والمنتفضة كذلك في الكثير من المدن والقرى المصرية بعشرات الآلاف والملتفة حول هذا الهدف والشعار،الهدف هو رحيل النظام بكل تجلياته وإفرازاته،وليس كما تحاول بعض أحزاب المعارضة أو من يطلقون على أنفسهم ب"لجنة الحكماء" وغيرهم من المثقفين الممارسين للنقد في إطار سقف النظام القائم اختزال الثورة والانتفاضة الشعبية العارمة في تغير رأس النظام،فهذا بحد ذاته مد حبل وطوق النجاة للنظام،كما أنه يؤكد عمق الفجوة بين القوى الاجتماعية وتحديداً الشباب المفجرة والقائدة لهذه الانتفاضة العملاقة وربما النادرة وغير المسبوقة في التاريخ العربي الحديث،وبين ما اصطلح على تسميته بقوى المعارضة التي يبدو أنها شاخت وتخلفت عن حركة الجماهير والواقع،إضافة الى أنها تعيش أزمة بنيوية وقيادية قد تعصف بها وتذهب بها نحو التلاشي والاندثار،فالكثير منها بلا لون ولا طعم لا سياسياً ولا فكرياً،ولا تمتلك لا رؤيا برنامجية ولا حوامل تنظيمية للقيام بمهام وأعباء عملية التغير،وأقصى ما تريده هو أن تستثمر انتفاضة ودماء هذه الجماهير في إطار البحث لذاتها عن دور في إطار النظام القائم،وهي باختصار تريد خصي الانتفاضة والثورة الشعبية وإجهاضها والالتفاف عليها،وما الاجتماعات واللقاءات التفاوضية التي تعقدها ما يسمى بقيادات المعارضة مع مؤدلج وقيادة جهاز أمن النظام عمر سليمان إلا خطوات في هذا الاتجاه،فسليمان وحتى عمرو موسى هم أبناء هذا النظام ومداميك أساسية في بنيته وتركيبته وقياداته،وهم على استعداد لتقديم جزء من قيادات النظام كقربان والوعد بالقيام بالعديد من الإصلاحات والتغيرات وأجراء محاكمات تطال العديد من قادة النظام في سبيل امتصاص الغضب الجماهيري وتنفيس الانتفاضة وحماية النظام نفسه،ولا مشكلة باستبدال الرئيس بنائبة،فالمهم الحفاظ على النظام،ريثما يلتقط أنفاسة ويعود من جديد للسيطرة على مقاليد الحكم،وينصب أعواد المشانق ويعتقل وينفي ويقمع ويوظف ماكنته الإعلامية والمالية وفضاءه العربي والاقليمي والدولي وكل زعرانه وبلطجيته للقول بأن هؤلاء المنتفضين هم جواسيس وعملاء لإيران وحزب الله وسوريا،وهم رعاع يستهدفون تخريب البلد وسيادتها الوطنية ودورها "العروبي والقومي" وربما يزاودون على عبد الناصر في قبره بالوطنية والقومية.
على الشباب المنتفض ولجانه الوطنية الموحدة أن لا تثق بهذه المعارضة المخصية،فهي شكلت وتشكل العراب للنظام،والقول بحدوث فراغ دستوري في الإصرار على رحيل الرئيس أو استخدام حركة الإخوان المسلمين كفزاعة وأنها ستستولي على الحكم بعد رحيل الرئيس،هي كلمات حق يراد بها باطل فالإخوان كانوا وما زالوا في مصر والأردن وغيرها من الأقطار العربية،هم عراب الأنظمة في إفشال الثورات وإجهاضها،بل سكتوا عن قمع الأنظمة للجماهير الشعبية وقوى المعارضة الجذرية،وهم في هذه الانتفاضة والثورة الشعبية ليسوا سوى باحثين عن دور في إطار النظام القائم لا أكثر ويرتبون أوراقهم مع النظام القائم.
حذار من الوثوق في وعود أركان النظام ومن ألآعيبه،فهذا النظام الذي يرفض الاستجابة لهذه المطالب في زمن الثورة من الاستحالة ان يستجيب لها في ظل غياب الثورة،فنظام تربى على عمل كل الموبقات ويحيط نفسه بالبطجية والزعران ومافيات الفساد والجرائم، ونهب خيرات وثروات البلد وتحويلها الى إقطاعية ومملكة خاصة،وكدس المليارات من عرق وقوت ودماء شعبها من المستحيل عليه الاستجابة لمطالب المنتفضين بدون تهديد جدي لسلطته،فالانتفاضة بوتائرها الحالية والسلمية لن تسهم في اقتلاع النظام من جذوره،بل ربما تشكل فرصة للنظام لكي يرتب صفوفه ويجهض الثورة وينتقل من مرحلة الدفاع الى الهجوم،فالنظام لم ولن يسلم أو يرحل بسهولة وكما هو واضح في سبيل حماية مصالحه والدفاع عن وجوده،فهو سيقاتل باستماته حتى لو أغرق البلد في بحر من الدماء،ولن يتواني عن استخدام كل وسائله وأدواته القذرة بدء بالجواسيس والبلطجية والزعران وانتهاء بالتحريض والتشويه والاتهام بالعمالة وخدمة الأجندات والمصالح الاقليمية والدولية،فالصراع ليس بالصراع الشخصي بل صراع سياسي بامتياز،ولذلك على المنتفضين الشباب وقياداتهم،الانتقال من شكل الاعتصامات والاحتجاجات السلمية إلى شكل أرقى وبما يحسم الصراع مع النظام تجاه رحيله ومغادرته ورفض أي حلول ترقيعية أو توافقية تبقي على جسم النظام بدون رأسه ،فعمر سليمان لا يقل دوره خطورة عن دور مبارك ،وهو صاحب الباع الطويل في القمع والتنكيل ورسم سياسات النظام الأمنية وارتباطاته مع أمريكا وإسرائيل،وهو من حرض على احتلال العراق وتدميره مثل البرادعي بإدعائه أن للشهيد صدام ونظام علاقة بالقاعدة،وهو واحد من الذين تقوم أمريكا واسرائيل وأوروبا الغربية من خلف الستار على ترتيب نقل السلطة اليه وتصويره على أنه المنقذ والمخلص والمحقق لأماني وطموحات المصريين،مستفيدة من تجربة الثورةالتونسية،والشعب المصري لم ينتفض لكي يستبدل"الخل بالخردل" أو طاغية بآخر،بل انتفض على نظام كامل،نظام مغرق في القمع والديكتاتورية والفساد وامتهان الكرامات ونهب خيرات وثروات البلاد واسترقاق العباد وحتى بيع سيادة مصر واستقلالها الوطني،وسليمان كل ما كان يقوم به مبارك كان يجري بعلمه ومعرفته ومشاركته،وما خطاباته ولقاءاته واجتماعاته مع قوى المعارضة والقادة الشباب وشكرهم على أن الإصلاح ما كان ليتحقق لولا انتفاضتهم،ما هو إلا محاولة للإلتفاف على الانتفاضة و"لذر الرماد في العيون" فهو من أوعز للبلطجية والزعران بمهاجمة المحتجين في ميدان التحرير وهو من حجب الفضائيات واعتقل الصحفيين وألصق تهم الخيانة والعمالة بالمحتجين،وهو الذي يحاول أن يطيل أمد الصراع ومحاولة شق الصفوف الشعبية والمعارضة،لكي يتسنى له القدرة على إعادة الإمساك بالأمور،حينها سيكشر عن أنيابه ويغرسها عميقاً في جسد الشعب والجماهير و وكأنك يا ابو زيد ما غزيت".
من العار أن يتحول العديد من قادة المعارضة وصناع الرأي والفكر من سياسة ومثقفين ورجال إعلام إلى وعاظ ومصلحين ونساك،،فهذه لحظة تحتاج إلى حسم وليس الى إمساك العصا من النصف،فالجماهير المنتفضة ليست من الرعاع أو المتهورين أو التي تريد تدمير البلد وخرابها،بل ضربت أروع الأمثلة في الوعي والانضباط مقابل نظام بلطجي قمعي،فليكف مثل هؤلاء عن تشكيل اللجان للوعاظ والنساك والدعوة إلى التعقل والواقعية،وليقفوا ولينحازوا الآن الآن وليس غد إلى موقع وخندق الجماهير،المطالبة برحيل وسقوط هذا النظام الذي هو أساس الخراب والبلاء والفساد،فهذه فرصة ولحظة تاريخية قد لا تكون فاصلة في تاريخ مصر وشعبها،بل ربما عليها يتوقف مصير أمة بأكملها من محيطها إلى خليجها،لحظة قد تعيد للأمة مجدها وعزها وكرامتها،تعيد إلى مصر دورها الرائد والقائد لهذه الأمة،هذا الدور الذي قزمه النظام الحالي إلى الحد الذي أصبحت مصر خارج المعادلات العربية والاقليمية والدولية،ووصل الأمر حد أن دولة بحجم قطر لها دور فاعل ومقرر في الشؤون العربية والاقليمية والدولية يفوق الدور المصري عشرات المرات،فهل تحسم هذه النخب من المثقفين خيارها، وتوظف جهدها وطاقاتها وخبراتها وتجاربها لصالح الثورة والمنتفضين،أما ستبقى تمارس دور الوعاظ والنساك والمصلحين تحت عباءة النظام.؟
0 comments:
إرسال تعليق