كما هي العادة في كل مناسبة، نشحذ أقلامنا ونتقمص الدور معلنين أننا ها هنا قاعدون نجترح البطولات الخشبية في زمن الهبوط، فلزمن الهبوط أبجدياته وأدواته ومفرداتة، تلك هي ضريبة الهزيمة الثقافية التي دفعت بنا للقاع، وهذا هو ثمن صمتنا وعقمنا وتمسكنا بأضعف الإيمان الذي لم يعد نافعا بعد خراب البلاد واستعباد العباد، فلغتنا مرآة ضعفنا واستئناسنا للفكر الاقصائي والتفريطي واستشراء الانجزه والجندرة وغياب الإنسان الحلم والهدف فينا.
المطلوب أن نكتب عن الأرض والإنسان، والمطلوب أن نكتب عن فلسطين وعن شعبها، لكنني أتساءل ونحن نحي الذكرى الخامسة ليوم الأرض؟؟؟ عن أي ارض نتحدث؟؟ هل نتحدث عنها من نهرها إلى بحرها؟؟ هل عن الأرض المحتلة عام 67 ؟؟ هل عن الضفة الغربية؟؟ أم نتحدث عن قطاع عزة؟؟ عن أي ارض نتحدث ونحن أسرى للذين حرفوا بوصلتنا وشوهوا قضيتنا ونقلونا من الاحتلال إلى الاحتلال المركب، وتعاملوا معنا كملكية خاصة وعبيد يستبيحون عقولنا ويسطون على تضحياتنا، تلك هي الحقيقة التي تصفع كل منا نحن الذين نزلنا عن الجبل وسمحنا بسيادة الظلاميه والاستعباد في بلدنا.
لا يمكن الحديث عن الأرض بمعزل عن الإنسان، ودرب من الجنون أن نقنع أنفسنا أننا جيل متمسك بالحقوق، لا يمكن أن نقفز عن المستجدات التي سحقتنا، فاحترامنا لتاريخنا يفرض علينا استخلاص العبر ووقفة تحدي أمام الذات تصل لدرجة الجلد، فالنرجسية والفكرية والهروب من حالة الإذلال اليومي لن تعفينا من تحمل المسئولية تجاه أنفسنا والأجيال القادمة، علينا آن نعترف في حضرة يوم الأرض الخالد أننا نزلنا عن الجبل وسلمنا أمورنا للرويبضة.
بحسبة بسيطة لا تحتاج إلى ذكاء، نحن المسئولون عن الحالة، نحن الذين أنجزنا مقاومتنا، ونحن الذين انقسمنا على أنفسنا، ونحن الذين نطالب بإنهاء الانقسام، ما أروعنا ، وما أضعفنا، وما أبسطنا، أيعقل أن تتم الأمور بهذا الشكل؟ أيعقل أن نطالب فقد بإنهاء الانقسام؟ أين هم من الاستحقاقات؟ وأين هم من الدمار الذي أحدثوه؟ وأين هم من الأراضي التي سلبت في القدس وعموم فلسطين؟ وأين هم من أبناءنا الذين ُسحلوا في الشوارع وعذبوا وسجنوا وقتلوا في زنازينهم؟ وأين هم من عمليات البيع وشراء الذمم ونشر الهواء الفاسد الذي يزكم الأنوف ويصدع العقول؟
نحن يا يوم الأرض نزلنا عن الجبل لأننا نتابع حواراتهم العقيمة ببلادة غريبة عجيبة، نحن يا يوم الأرض نعرف أنهم قسمونا وفرقونا وسطوا على قيمنا وصادروا طموحاتنا وقيدوا أحلامنا، ونحن يا يوم الأرض نعيش التيه والعمى الوطني، ونحن فقدنا القدرة على رؤية الأشياء كما هي، فأصبحنا نراها بعيون أعداءنا الذين حولونا إلى تجمعات سكانية بلا حقوق واستباحوا إبادتنا بأيدينا قبل أيديهم، يا يوم الأرض لقد نزلنا عن الجبل وأكثر وتقاتلنا على الفتات واختصرنا وطننا بجهاز امني هنا وجهاز امني هناك، تقاتلنا على وطن تتقاذفه الأجندات المشبوهة، وتصارعنا على مراكز النفوذ، واستبحنا الأرض كما استباحوها، والمشكلة يا يوم الأرض إننا نحتفي بك وبالأرض ولا زلنا نتحدث عن الأرض والإنسان، لا زلنا نخرج ونسميها فلسطين بقدسها التي تذبح على مسمع وبصر المتقاتلين على مراكز النفوذ.
ما العمل يا يوم الأرض؟؟؟؟ هل نبقي رؤوسنا في الرمال؟ والى متى سنضع شوافات البغل وندور في طاحونة الانقسام والاجنده الفردية؟؟ ما العمل وكل يوم نبعد عن فلسطين وتبعد فلسطين عنا؟؟ الم نسمع بالذي قال بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة حطموها على قحف أصحابها؟؟ فأين نحن من القدس؟ وأين نحن من ثوابتنا؟
ما أحوجنا يا يوم الأرض لجلد الذات وقول الحقيقة وطأطأة الرؤوس في حضرة الشهداء والذين ثبتوا على الجبل، وما أحوجنا للاعتراف بان أوراق التوت سقطت وأننا دونكشتات نحارب أعدائنا بسيوف من خشب ونُغير على بعضنا بلا رحمة، تلك هي حقيقتنا يا يوم الأرض، لقد نزلنا عن الجبل لنكتشف أن غنائمنا دماءُ وأشلاء وانقسام وبعض الفتات على موائدهم.
خذنا يا يوم الأرض بعيداً عنهم، وحلق بأحلامنا البكر في سماءها، وأرجع لنا ما سرقوه منا، وعلمنا من جديد جدلية الأرض والإنسان، حلق بنا على ارض البرتقال الحزين، ولَقنا قراءة الفاتحة على أرواحهم بالفلسطينية الفصحى، كُن يا يوم الأرض بوصلة الخلاص، واصدح بالصوت العالي أن الإنسان قضية، وانك يا يوم الأرض باق ونحن المارون على هامش شلال الدم المتدفق الذي يصب في مدنها العتيقة التي لا زالت شاهده على الحكاية، حدثنا يا يوم الأرض عن أم سعد الفلسطينية وعن الذين دقوا جدران الخزان، أعد إلى الذاكرة أننا شعب حي لا يقبل القسمة على اثنين، وانطق بحقيقة الأشياء واصفع من يتطاول على ترابها الذي هو تضحيات.
نزلنا يا يوم الأرض عن الجبل وصافحنا الأيادي الملطخة بدماء أطفالنا، واستمزجنا اللعبة وصدقنا الوهم الذي صنعوه لنا، صدقنا أن لنا سلطة وحكومة، وصدقنا لنا وزراء ومؤسسات، بنينا السجون، وصار بيننا العميد والعقيد، وسادت الدشاديش عالمنا، سنوا لنا القوانين يا يوم الأرض، نحتج بالقانون!! نقمع بالقانون!! نطعن بشوارع غزة بالقانون!! ونقول نريد إنهاء الانقسام بقانون!! نقتل ونعذب في زنازين الوهم بالقانون!! ونحتفل بالمناسبات الوطنية ضمن القانون!! فالقانون يا يوم الأرض حولنا إلى قطعان، والقانون يطبق على الضعفاء والشرائح المقموعة، فعمال المستوطنات والأنفاق وعمال الحصمه والمعاقين ومن كانوا ولا زالوا ملح الأرض وحطبها يا يوم الأرض لا قانون يحميهم، هل نعرف لماذا يا يوم الأرض؟؟؟ لأنهم يصنعون الفلسطيني الجديد، الفلسطيني الذي يقول نعم ودائما نعم لسيدة، لقد غابت اللا عن قاموسنا، وأصبحنا اسري الأبجدية الجديدة التي أغرقتنا في الانجزة والشعارات الموسمية؟
رغم رداءة المرحلة ونزولنا عن الجبل يخرج علينا الشاعر الفلسطيني المناضل معين بسيسو بصوته المجبول بدماء من أحبوها ليذكرنا ببعض ما تبقى فينا من كلماته الخالدة ..... نعم لن نموت ولكننا سنقتلع الموت من أرضنا..... نعم لن نموت، نعم سوف نحيا، لو أكل القيد من عظمنا، كلماتُ نواجهه بها الظلامية والقمع المركب ونتذكر الذين لا زالوا على الجبل تراب وكرامة ينادوا بنا عاشت الأرض وعاش يوم الأرض الخالد.
0 comments:
إرسال تعليق