الاستجوابُ والمساءلةُ وحجبُ الثقةِ والمحاكمةُ ليست ثقافةً غربيةً، وسلوكاً ديمقراطياً لا نعرفه، ونريد أن نتعلمه من غيرنا، بل هو من صميم ديننا، ومن أصل تراثنا، وهو من أعرافنا القديمة وعاداتنا الأصيلة، وقد علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ به من بعده صحابته الكرام وخلفاؤه الراشدون، وحض عليه ديننا الحنيف لئلا يتفرد الحاكم ويتغطرس، أو يصيبه الغرور ويظلم، أو يظن أنه فوق القانون فلا يسأل ولا يستجوب، أو يستهتر برعيته فيصادر حقوقهم ويبطش.
هذا ما تعلمناه من ديننا الحنيف، وهو ذاته الذي يفخر به الغربُ ويباهي به الشرقَ، ويظن أنه به سبقنا وجاء بما لم يكن عندنا، ولكن له الحق أن يباهي به ويفخر، فما يتحلى به فضيلةٌ وخلق، وسلوكٌ راشدٌ وعاقل، وحكمةٌ بالغة ومسؤولية حقيقية، وهذا هو الذي كان عندنا يوم أن سُدنا وكُنا، لكننا عندما نسيناه وتخلينا عنه ولم نعد نلجأ إليه ونستخدمه استبد حاكمنا، وانحرف نائبنا، وفسد وزيرنا، وضل كل مسؤولٍ فينا، وحكمنا الأرذلون، وتقدمنا الأفسدون، وتحدث باسمنا الرويبضة الهالكون، وأصبح يمثلنا الجهلة المتلعثمون.
واستظل الفاسدون بالحاكم واحتموا بسلطانه، وضربوا بسوطه، وظلموا بسيفه، وسرقوا بعلمه، ونهبوا لجيبه، وأقصوا لصالحه، واعتقلوا معارضه، واستغل الأولاد والنساء سلطان والدهم وأزواجهم، فسرقوا أموالنا، ونهبوا خيراتنا، وسجنوا أبناءنا، وحرموا أجيالنا، وجوعوا شعبنا، حتى غذا الوطن لهم، والخيرات كلها لأجلهم، وبات غيرهم فقيراً لا يملك، ومشرداً لا يسكن، وعاطلاً لا يعمل، وجائعاً لا يأكل.
يتعلم لكنه لا يعمل بشهادته، ولا يجد وظيفةً بكفاءته، فعمل المثقفون وخريجوا الجامعات باعةً متجولين، في الأسواق أو على الأرصفة والطرقات، أو سائقين بالأجرة، أو موظفين في محلاتٍ ودكاكين صغيرة، ما جعلهم يأنفون من الحياة ويكرهونها، وينعزلون عن المجتمع ويبتعدون عنه، فأصابتهم الأمراض النفسية والأزمات العصبية، وحلت بهم الكآبة ونزل بهم السقم والسأم، ما دفع بعضهم إلى الانتحار، أو التطرف وحمل السلاح، والاشتغال في الشر وصناعة الموت.
إنها مسؤولية كل مواطنٍ أياً كان موقعه أو منصبه، عاملاً كان أو عاطلاً، موظفاً أو حراً، فإن عليه أن يمارس دوره في الرقابة والتفتيش، وعليه أن يدرك أنه قوي، وأنه صاحب سلطان، وأن لديه القدرة على التأثير والتغيير، والإقالة والإطاحة والطرد، وأنه بات يملك صوتاً ناخباً مؤثراً، كما يملك القدرة على أن يخرج ويحتج، وأن يتظاهر ويعتصم، وقد أصبح المواطنون جميعاً يعرفون أنهم أقوى من الحاكم، وأثبت من سلطته، وأبقى من حكمه، فسوطه لم يعد يخيف، وأبواب سجونه لم تعد تفتح، وبات الجلاد يخاف من المستقبل، ويدرك أن الحاكم لن ينفعه، وأنه أول من سيتخلى عنه، ويتبرأ منه ومن عمله، ولن تنفعه عبوديته، ولا أنه كان يوماً تبعاً له، بوقاً له أو عصاً في يده.
لا ينبغي أن نتخلى عن دورنا، فالله لن يغفر لنا تقصيرنا واهمالنا، أو خوفنا وجبننا، أو عدم مبالاتنا وانشغالنا، بل يجب علينا أن نوقف المسؤول والحاكم، والموظف والنائب، والشرطي ورجل الأمن، نسألهم عن كل خطأ، ونخوفهم من أي ظلم، ونحاسبهم على أي جرم، ونسألهم عن كل فلس، ونجردهم من كل سلب، ونحرمهم من كل نهب، فلا ينبغي في هذا الزمان أن نسمح لضابطٍ بالإساءة إلى معتقلٍ أو سجين، ولا أن يوقفه بلا قانون، ولا أن يعذبه ويضيق عليه، ولا أن يستخدم سلطاته فيفرج عن مجرم، ويدين بريئاً بغير أدلة، ولا نسمح لسلطانٍ أن يخرسنا، أو يحول دون ممارستنا لحريتنا، فلا حرمان من وظيفة، ولا إقصاء من موقع، ولا منع سفر، أو كسر قلم، أو تمزيق صحيفة، كما لا تكميم لفمٍ ولا مصادرة لحق، إلا نفعل هذا ونمارس حقنا، بعالي صوتنا ويقين إيماننا، فلنقبل بالذل، ولنرتضي المهانة، ولنصعر الخد، ولنطأطئ الرأس، ولنحنِ الظهر، ولنسمح لعبيدٍ دوننا أن يركبونا، ويأخذوا بخطامنا ويقودونا، ولنأكل من أيديهم برسيماً وشعيراً، ونقول لهم قودوا الركب فأنتم الحادي ونحن العيرَ.
بل كان الخلفاء الراشدون يطلبون من الرعية أن يقوموهم ولو بحد السيف، وأن يقفوا لهم في المساجد، وأن يعترضوا طريقهم في الشوارع، أو يسألوهم في الأسواق، وألا يسكتوا لهم عن خطأ يدركونه، أو عيب يكتشفونه، أو انحرافٍ يرونه، وألا يغمضوا عيونهم عن تسيبٍ في الإدارة، أو إهمالٍ في المال، أو إفراطٍ في الصرف، أو سوء استخدامٍ للسلطة، أو تفريطٍ بحقوقهم، أو إهدارٍ لكرامتهم، وألا يقبلوا من الحاكم محاباةً أو محسوبية، بغيرِ طاقةٍ ولا كفاءة، وبدون خبرةٍ وسابق معرفة، أو إقصاءً وحرماناً، لغاياتٍ وأهدافٍ شخصية، ولا محاولاتٍ مذمومة لشراء الذمم، وإفساد النفوس، وقتل الضمائر وإماتة القلوب، لضمان تأييد، وتأكيد بقاءٍ واستمرار، أو لسكوتٍ عن الخطأ، وتجاوزٍ عن الجريمة.
وقد فهمت الرعية حقها في السؤال والاستجواب، فاستخدمته خير استخدام، ولم تقصر في سؤال خليفة، أو مساءلة عامل، أو محاكمة أمير، أو القصاص من حاكمٍ أو من ولده، فأوقفهم الأعرابي وأغلظ عليهم في سؤاله، واعترضت عليهم المرأة وخالفت آراءهم، ووقف الأطفال في طريقهم ولم يوسعوا لهم، ولم يخافوا منهم، وشكاهم الأقباط واستعادوا منهم حقوقهم، ولم يخش المسلمون في مساءلتهم سطوة حاكم، ولا قوة عامل، ولا هيبة خليفة، ولا رهبة قائد، بل كانوا يرون ما يقومون به عبادة، وما ينفذونه تجاه حكامهم مراقبة ومساءلة، وهو واجبٌ عليهم، لا ينبغي التفريط فيه أو التنازل عنه، فهي أمانةٌ سيسألون عنها، وسيحاسبون عليها، ولن يغفر الله لهم صمتهم وسكوتهم، ولن يقبل منهم عجزهم أو ضعفهم، ولن يشفع لهم خوفهم من بطش الحاكم وسطوة السلطان، ولن يقبل منهم جهلهم أو غفلتهم، أو عدم معرفتهم وضحالة تجربتهم، وقلة درايتهم وضعف إمكانياتهم، فما من عذرٍ يبرر لهم جنوح الحاكم نحو الظلم والغطرسة والانحراف.هذا ما تعلمناه من ديننا الحنيف، وهو ذاته الذي يفخر به الغربُ ويباهي به الشرقَ، ويظن أنه به سبقنا وجاء بما لم يكن عندنا، ولكن له الحق أن يباهي به ويفخر، فما يتحلى به فضيلةٌ وخلق، وسلوكٌ راشدٌ وعاقل، وحكمةٌ بالغة ومسؤولية حقيقية، وهذا هو الذي كان عندنا يوم أن سُدنا وكُنا، لكننا عندما نسيناه وتخلينا عنه ولم نعد نلجأ إليه ونستخدمه استبد حاكمنا، وانحرف نائبنا، وفسد وزيرنا، وضل كل مسؤولٍ فينا، وحكمنا الأرذلون، وتقدمنا الأفسدون، وتحدث باسمنا الرويبضة الهالكون، وأصبح يمثلنا الجهلة المتلعثمون.
واستظل الفاسدون بالحاكم واحتموا بسلطانه، وضربوا بسوطه، وظلموا بسيفه، وسرقوا بعلمه، ونهبوا لجيبه، وأقصوا لصالحه، واعتقلوا معارضه، واستغل الأولاد والنساء سلطان والدهم وأزواجهم، فسرقوا أموالنا، ونهبوا خيراتنا، وسجنوا أبناءنا، وحرموا أجيالنا، وجوعوا شعبنا، حتى غذا الوطن لهم، والخيرات كلها لأجلهم، وبات غيرهم فقيراً لا يملك، ومشرداً لا يسكن، وعاطلاً لا يعمل، وجائعاً لا يأكل.
يتعلم لكنه لا يعمل بشهادته، ولا يجد وظيفةً بكفاءته، فعمل المثقفون وخريجوا الجامعات باعةً متجولين، في الأسواق أو على الأرصفة والطرقات، أو سائقين بالأجرة، أو موظفين في محلاتٍ ودكاكين صغيرة، ما جعلهم يأنفون من الحياة ويكرهونها، وينعزلون عن المجتمع ويبتعدون عنه، فأصابتهم الأمراض النفسية والأزمات العصبية، وحلت بهم الكآبة ونزل بهم السقم والسأم، ما دفع بعضهم إلى الانتحار، أو التطرف وحمل السلاح، والاشتغال في الشر وصناعة الموت.
إنها مسؤولية كل مواطنٍ أياً كان موقعه أو منصبه، عاملاً كان أو عاطلاً، موظفاً أو حراً، فإن عليه أن يمارس دوره في الرقابة والتفتيش، وعليه أن يدرك أنه قوي، وأنه صاحب سلطان، وأن لديه القدرة على التأثير والتغيير، والإقالة والإطاحة والطرد، وأنه بات يملك صوتاً ناخباً مؤثراً، كما يملك القدرة على أن يخرج ويحتج، وأن يتظاهر ويعتصم، وقد أصبح المواطنون جميعاً يعرفون أنهم أقوى من الحاكم، وأثبت من سلطته، وأبقى من حكمه، فسوطه لم يعد يخيف، وأبواب سجونه لم تعد تفتح، وبات الجلاد يخاف من المستقبل، ويدرك أن الحاكم لن ينفعه، وأنه أول من سيتخلى عنه، ويتبرأ منه ومن عمله، ولن تنفعه عبوديته، ولا أنه كان يوماً تبعاً له، بوقاً له أو عصاً في يده.
لا ينبغي أن نتخلى عن دورنا، فالله لن يغفر لنا تقصيرنا واهمالنا، أو خوفنا وجبننا، أو عدم مبالاتنا وانشغالنا، بل يجب علينا أن نوقف المسؤول والحاكم، والموظف والنائب، والشرطي ورجل الأمن، نسألهم عن كل خطأ، ونخوفهم من أي ظلم، ونحاسبهم على أي جرم، ونسألهم عن كل فلس، ونجردهم من كل سلب، ونحرمهم من كل نهب، فلا ينبغي في هذا الزمان أن نسمح لضابطٍ بالإساءة إلى معتقلٍ أو سجين، ولا أن يوقفه بلا قانون، ولا أن يعذبه ويضيق عليه، ولا أن يستخدم سلطاته فيفرج عن مجرم، ويدين بريئاً بغير أدلة، ولا نسمح لسلطانٍ أن يخرسنا، أو يحول دون ممارستنا لحريتنا، فلا حرمان من وظيفة، ولا إقصاء من موقع، ولا منع سفر، أو كسر قلم، أو تمزيق صحيفة، كما لا تكميم لفمٍ ولا مصادرة لحق، إلا نفعل هذا ونمارس حقنا، بعالي صوتنا ويقين إيماننا، فلنقبل بالذل، ولنرتضي المهانة، ولنصعر الخد، ولنطأطئ الرأس، ولنحنِ الظهر، ولنسمح لعبيدٍ دوننا أن يركبونا، ويأخذوا بخطامنا ويقودونا، ولنأكل من أيديهم برسيماً وشعيراً، ونقول لهم قودوا الركب فأنتم الحادي ونحن العيرَ.
0 comments:
إرسال تعليق