لم يسبق في التاريخ القديم والحديث ان لعبت وسائل الإعلام دوراً كما تلعبه اليوم من خلال تغطيتها ما يجري من احداث على الساحة العربية حيث تظهر اكثرية الفضائيات وكأنها هي من تصنع الحدث، وتحدد حجمه ،وتداعياته ، وأثاره السلبية والإيجابية ، وموعد بدئه او حتى موعد انتهائه فيما كان المطلوب منها ان تنقل الحقيقة كما هي تاركة للمشاهد الحكم على الحدث وتفسيره وتحليله وإتخاذ الموقف الملائم بشأنه . ولا نقول ان كل الفضائيات تقوم بهذا الدور بل هناك محطات معينة عربية او ناطقة باللغة العربية تتعمد القيام بما اسلفنا ذكره متخطية بذلك اصول المهنة ، ومتجاوزة كل الأعراف والقوانين التي تمنع أياً كان التدخل في شؤون دولة ذات سيادة . وفي ظل غياب الموضوعية تمارس بعض الفضائيات سياسات انتقائية بحيث تركز على حدثٍ مهما كان هامشياً وتتغافل عن حدثٍ أخر رغم اهميته وجديته . وهذا يعني انها لم تعد اداة تواصل بين الحدث والمشاهد بل اداة تحريض لغايات خاصة بها وتخدم الجهة التي تتبع لها مالياً او سياسياً او تنظيمياً . وبذلك بتنا اليوم نتحدث عن سلاح الإعلام وكأننا نتحدث عن القدرات العسكرية. كما بتنا نتحدث عن المواجهات الإعلامية بين الفضائيات وكأننا نتحدث عن مواجهات حربية بين دول . وأصبح مقياس نجاح أي فضائية هو بقدر ما تنجح هذه الفضائية في خلق اجواء اثارة وليس بقدر ما تقارب الحقيقة او تباعدها. ونادراً ما تهتم الفضائية بتداعيات ما ستبثه لأن الأولوية بالنسبة اليها ان لا تغيب عن بث هذا الحدث او ذاك انطلاقاً من حرصها على مواصلة مسيرة المنافسة التي اختارتها لنفسها دون ان يفرضها احد عليها . وإذا ما وجه البعض انتقاد لفضائية ما لأنها بثت اخباراً لها انعكاسات كارثية ، فإن الرد يأتي دائماً بأن المنتقد يريد كم الأفواه، وبأنه معادي للدمقراطية ولحرية والرأي والتعبير .. وما الى هنالك من اتهامات مقولبة وجاهزة بشكل دائم . والأنكى ان كل هذه الفضائيات تدعي انها " مستقلة ونزيهة وموضوعية " !! .
رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي
0 comments:
إرسال تعليق