في ليبيا ثورة فقدت بريقها الوطني والشعبي/ سامي الأخرس

لا يمكن لأي إنسان أن يتخيل أن ثورة وطنية تحارب الإضطهاد والظلم، والدكتاتورية يمكن لها أن تستغيث بأعتى قوى الاستعمار والاضطهاد العالمي، كالولايات المتحدة حاضنة الكيان الصهيوني، ومحتلة العراق وأفغانستان، ومحاربة الديمقراطيات اللاتينية، وبريطانيا الذيل الذي وهب فلسطين للحركة الصهيونية، وتآمر معها ضد أرض وشعب عربي، وبعض الشراذم الصغيرة التي تنتهك شيادتها وأرضها بقواعد دمرت بلد عربي وتلوح بهذه القواعد ضد المنطقة برمتها، ودكتاتوريات أخرى تنهب وتتلصص بأجهزتها الأمنية ضد ابناء شعبها.
لا يمكن لنا بأي حال من الأحوال مناصرة قمع وإضطهاد الأنظمة الفاسدة العربية، وممارساتها خلال العقود المنصرمة ضد الأمة وقضاياها، وإستبشرنا خيراً بثورات الشباب العربي في تونس التي مثلت إنموذجاً فريداً في حرية الشعوب وثورتها، جسده الشباب المصري الذي قدم لوحة فسيفساء براقة لمعنى وملامح وأبجديات الثورة الشبابية الشعبية السلمية ذات المطاليب العادلة، وهو ما يقدمه الشباب اليمني بسيمفونية شعبية راقية الألحان، رائعة العزف على قيثارة التحرر، وكذلك حركات الشباب العربي في العراق المحتل، وفلسطين المنقسمة على ذاتها. تلك النماذج التي نقف معها كما وقفنا مع ثورة شباب ليبيا، واستنصرنا بهم ومعهم، ولا زلنا كذلك، نصطف مع الشباب الليبي الذي إنطلق ثائراً لأجل حقوقه وأهدافة وقضاياه الاجتماعية والسياسية في وجه القذافي ونظامه.
أما التطورات الأخيرة التي قامت خلالها الولايات المتحدة واذيالها بالتدخل العسكري في ليبيا العربية، فهو تدخل مسخ مستفز بداية لوجه احتلالي لبلد عربي آخر بعدما وقفت في وجه الثورات الفلسطينية وساهمت في قمعها بمساعدة إسرائيل وتقديم كل المساعدات اللوجستية وغير اللوجستية لها، ولا زالت تدعمها أمام عجز الأمة العربية والمنظومة الدولية أمام الصلف الأمريكي، وذبح الشعب الفلسطيني عنوة ومن ثم الشعب العربي العراقي، والشعب الأفغاني، فهو يؤكد ما جئنا به في مقالات أخرى بأن هناك مؤامرة كبرى على ليبيا الموحدة، للعديد من الأسباب والركائز.
إن التدخل الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن فهم منه أي شيء سوى التمهيد لإحتلال بلد عربي آخر على غرار ما حدث بالعراق، وفق مبررات أخرى أهمها دعم الثوار، وحماية الشعب الليبي، بالرغم من أنه كان بالإمكان دعم الثوار وحماية المواطن الليبي بعشرات الطرق والأساليب، ولكن عشرات علامات الاستفهام تتوجب علينا أن نقف أمام هذا التدخل العدواني الاستعماري.
فالولايات المتحدة التي ذرفت الدموع فجأة على الشعب الليبي لم تذرف دمعة واحدة أمام المذابح التي ارتكبها العدو الصهيوني على مدار ستين عام ونيف، بل دعمت الكيان بكل أنواع الدعم لذبح وقصف الشعب الفلسطيني المسلوبة أرضه ووطنه، ودعمت الكيان في ملاحقة ثورة الشعب الفلسطيني بكل مكان، وكذلك هي نفس الولايات التي سحقت جماجم أبناء الشعب العراقي وحولته لشعب متسول فقير معدوم، بعدما كان من اغنى البلدان العربية وأقوى بلدان المنطقة، ولم تحرك ساكناً من ثورة تونس، ومصر، واليمن، بل وقفت موقف المتفرج، وهنا لنا الحق بالتساؤل عما يجري في ليبيا.
إن التدخل العسكري الاستعماري الغربي – الأمريكي قد أفقد ثورة ليبيا الزخم والطهارة التي كانت تتمتع بها قبل التاسع عشر من آذار، وقبل توجيه صواريخها ضد ارض عربية، مهما بلغ حجم المبررات وهو غير قواعد اللعبة في المنطقة، وغير وجهة النظر من مفهوم الثورة الوطنية التي كانت منذ البداية أن تسلك مسلك الثورة التونسية والمصرية وكذلك اليمنية، ولكنها خطفت من الجنرالات الذين هرولوا لينصبوا أنفسهم على رأس مجلس عسكري يريدوا من خلاله اقتسام الغنيمة والموروث الليبي ما بعد القذافي.
فلا يمكن لي أن أتخيل أن الشباب الليبي الثائر يرتضي أن تقصف أرضه ووطنه بقذائف وصواريخ تقتلع جماجم أخواتهم في فلسطين والعراق، ونفس الوجه الأسود الذي يحارب البلدان الديمقراطية وحركات التحرر العالمية.
فالثورة إن لم تكن بيضاء طاهرة نقية من رجس الشيطان الأمريكي فإنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحقق أهدافها الوطنية المشروعة...

CONVERSATION

0 comments: