عنوة لوى أجدادنا رقبة النص المقدس (كنتم خير أمة أخرجت للناس) ليدعون انه يخص الأمة العربية دون سواها من خلق الله على كثرتهم، وتنوع ألوانهم وأجناسهم وألسنهم وجغرافياتهم، تساوقا مع اليهود في دعواهم التي يقولون أنها نص مقدس أيضا ويدعون من خلالها أنهم (الشعب الذي أختاره الله)
فتلك، وهذه، كلتاهما فكرتان متحيزتان، تظهران الله سبحانه وتعالى وكأنه أختار أمة واحدة من ملايين الأمم التي خلقها، بما فيها التي تشترك في معتقد ديني واحد، لتكون سيدة خلقه كلهم، دون منازع. تماما مثلما تجد هناك ضمن أصحاب الدعوة الأولى من يدعي أنه وقومه (الفرقة الناجية) الموعودة بالنعيم، دون سواهم من خلق الله أجمعين، وكأنه سبحانه خلق باقي خلقه من البشر عبثا ولهوا، ليلقي بهم في خاتمة المطاف إلى جهنم وبئس المصير، لمجرد أنه لم يجعلهم من هذه الأمة المحظوظة، أو يهدهم لاعتناق فكر هذه الفرقة المميزة!
ويقينا أن المقصود بالآية الشريفة جميع أمة الإسلام بعربها وأعاجمها، وبكل أجناسهم وأحسابهم وأنسابهم وألوانهم، وهذا لا علاقة له بالانتقائية التي أشرنا إليها باعتبار أن أمة الإسلام بمجموعها أمة عظيمة جدا، ولا غرو أنها تشكل اليوم خمس سكان العالم، والمقصود بالفرقة الناجية هم أفاضل هذه الأمة وخيرتها. أما أهلنا العرب الذين يدعون أن الآية مختصة بهم وحدهم، فهم حسب أهل العلم بتاريخ الشعوب، على ثلاثة أقسام، فهل المقصود هو القسم الأول، أم الثاني، أم الثالث؟ من هذه الأقسام، أم قسم آخر سيأتي من بعدهم فيبزهم خلفه، وهذه الأقسام هي:
• عرب بائدة: هم عاد وثمود وطسم وجديس، وقد عثر العلماء على آثار لهم في "تيماء" شمالي الحجاز، هي عبارة عن نقوش بالخط اللحياني، والثمودي، والصافوي، ولغتهم لم تكن العربية، وهم:عرب كهلان وقبائلهم: طي،همدان، لخم، وكندة. وعرب حمير وقبائلهم:قضاعة وتنوخ وكلب وعذرة، وهذا يعني أنهم لم ينقرضوا كليا!
• عرب عاربة: هم القحطانيون اليمنيون، قيل أنهم أصل العرب، ويعرفون بعرب الجنوب، وهم من سلالة يعرب بن قحطان.
• عرب مستعربة وهم العدنانيون، سكان الشمال، سموا كذلك لأنهم نزحوا من البلدان المجاورة للجزيرة ووفدوا إليها واختلطوا بأهلها، ومنهم "النزاريون،والنجديون، والأنباط، وأهل تدمر. ويعود نسبهم إلى عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح النبي
وربما تأثرا بتسمية العرب المستعربة، اعتقد "سيد القمني" أن اسم المدينة العربية العريقة "الحجاز" مشتق من اسم الهكسوس" الذين احتلوا العراق القديم باسم " الكاسيين" واحتلوا مصر القديمة باسم "هـ ـ كاس" وكان من بينهم قبيلة حملت لقب "قاطعوا الرقاب" تكتب بالمصرية القديمة "سا ـ جاز" أو "هـ ـ كاز" وهي القبيلة التي أشتق اسم الهكسوس منها. ومن تحريف تسمية "هـ ـ كاز" جاء اسم الحجاز!
وأعتقد أيضا أن الإسرائيليين الذين خرجوا من مصر متأثرين بعقيدة "إخناتون" التوحيدية، وعبادة إله أوحد، كتبه المصريون "آتون" وكتبه الإسرائيليون "أدون" أي: السيد، الرب، هم أصل كلمة "عدن" في العرب العدنانية، معتبرا أن كلمة (عدن) هي تحريف لكلمة (أدون) أو كلمة (أدن) وذلك بقلب الهمزة عينا) [1]
أما الكاتب الدكتور"سيد كريم": فيرى في موضوعه المعنون (قدماء المصريين وبناء الكعبة) [2] أن كهان مدينة "منف" الموحدون هربوا بعد الثورة على الأسرة الفرعونية السادسة إلى الجزيرة العربية وأكتنوا هناك بكنية (أهل منف) أو (بني مناف) وهم الذين أطلق عليهم الفراعنة إسم "جرهم" وهم الذين أقاموا بيتا للرب هو الكعبة في مكان إقامتهم الجديد على غرار كعبتهم المصرية التي تركوها في "منف" والتي تعرف حاليا باسم "هرم يعدوم" [3]
وفي حديثها عن تشكل القبائل العربية وهجينيتها، قالت جريدة الدستور الأردنية ضمن موضوعها عن العرب الصفويين: إن مفهوم القبيلة عند العرب يقوم على: صلة الدم القرابية، وتسلسل النسب إلى الجد الأكبر.
أو على التشارك القائم على الجغرافيا.
أو بسبب عبادة اله معين واحد.
ووفق هذا المفهوم فإن نسق القبيلة لا يقوم بالضرورة على البعد الإثني، وعلى نقاء الدم وسلسلة النسب، فالقبيلة مجموعة من العشائر المختلفة الأصول التي جمع بينها المكان، أو المعبد، أو الحرفة، فالقبيلة جماعات عمل تمثل منحى مما سبق، تنطوي فيما بينها على أساس الإحساس بالهوية المشتركة، فتشكل كيانا أضخم وأكبر، يكون لها إقطاعياتها، أو أنشطتها الوظيفية المتسقة بتسلسل يصل إلى نظام القبيلة التي يحكمها الشيخ، أو مالك الإقطاع، أو العمل، الذي ينتهي به المطاف لأن يصبح الجد الأكبر لتجمع القبائل. هذا على اختلاف الأصول والمنابت. وينتسبون جميعهم إليه.
المهم أن هناك بيننا من يرفض الاعتراف بهذه التقسيمات، ويرفضها جملة وتفصيلا مستندا إلى بعض الروايات والأحاديث التي تنسب إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، فيدعي أن العرب أمة واحدة من أصل واحد وهم جميعا من نسل "إسماعيل بن إبراهيم الخليل" وأن اليهود هم الذين زرعوا الشقاق بينهم، يوم ترجموا "يقطن" التوراتية إلى "قحطان" وجعلوه من نسل "عابر" خلافا لما جاء في القران الكريم بقوله تعالى ( والى عاد أخاهم هودا ) وعاد وهود من العرب البائدة لان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما سأله أبو ذر الغفاري رضوان الله عليه، عن الرسل العرب أجابه:( هود، وصالح، وشعيب، ونبيك، يا أبا ذر)
وتبعا لهذا الفهم يرى هذا البعض أن من يقول: بأن اليمن هي اصل العرب، فقد كفر، وخالف قوله تعالى {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة} وقوله تعالى {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} وقوله تعالى {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا} ولذلك سميت مكة بأم القرى، لأنه لم يعمر قبلها قرية على وجه الأرض فهي عاصمة الكون. ويعتقد أن من يؤمن بحقيقة وجود التقسيم، هم المثقفون القحطانيون الذين صدقوا اليهود في مزاعمهم عن "يقطن" على انه "قحطان" وصدقوا قضية العرب العاربه، والعرب المستعربه، التي وضعها اليهود [4]
وأرى أننا سواء أخذنا بهذا الرأي أو ذاك، نجد أن أي من هذه الأقسام لم يشفع لنا لنستمر في البحث عما يصل بنا إلى جذور وجذوة الوجود الإنساني، أو ليصل بنا إلى مرتبة خير الأمم، أو مجرد التواصل مع (كنتم خير أمة) ولاسيما بعد أن نهشنا لحومنا بأيدينا، وبعد أن أكل بعضنا لحم أخيه حيا وميتا، وبعد أن استل سلاطيننا وولاة أمورنا سيوفهم ورماحهم، راجماتهم وصواريخهم، مدفعيتهم وطيرانهم ليقصفوا مدننا وأحياءنا وزنقاتنا (زنقة .. زنقة) وتعزنا، وعدننا، وصنعائنا، ودوار لؤلؤتنا، ودرعتنا. فنحن بعملنا المشين هذا، نزعنا عنا ورقة التوت الأخيرة، والوحيدة التي كانت تستر عوراتنا، ولم يعد بيننا وبين العالمين من حجاب ساتر، وأصبح الناس الغرباء ينظرون إلى حقيقتنا، وجوهرنا، ومعدننا، فلا يرون علينا لباسا يواري سوءاتنا، وإنما يرونا كيوم ولادتنا، ويوم حشرنا، عراة حفاة غرلا،كما في حديث أمنا الفاضلة عائشة رضي الله عنها، يستجدون منهم الرحمة والعون والدعم.
فانبرى المختصون منهم ليعلنوا أن هناك صنفا آخر من العرب، لم تشر إليه المدونات التاريخية من قبل، وهم العرب المعاصرون، فأطلقوا عليهم مجازا اسم "العرب العاريـة" فهل أن هذا القسم هو المقصود بأحاديث التفضيل، ونحن لا ندري، أم ماذا؟
الهوامش
1. رب الزمان، سيد محمود القمني، ص 61- 62
2. نشرته مجلة الهلال المصرية بعددها فبراير / شباط 1982
3. رب الزمان، سيد القمني، ص 66
4. آراء مستقاة بعناية من بعض المصادر المهمة والموثوقة
0 comments:
إرسال تعليق