توصلت حركة حماس وفتح الى اتفاق على مصالحة وطنية سيتم التوقيع عليها لاحقاً في القاهرة ليتم بذلك وضع نهاية لخلاف استمر سنوات وكان من نتيجته اضعاف الموقف الفلسطيني عربياً ودولياً وإعطاء اسرائيل كل المبررات التي اتاحت لها ممارسة سلسلة متتالية من الأعمال العدوانية في الضفة الغربية وغزة على حد سواء .
وشكل هذا الحدث مفاجأة كبيرة حتى للقيادات الفلسطينية التي لم تكن تتصور انه سيتم القبول بالمصالحة بهذه السرعة ، كما لم تتوقع ان تنجح القيادة المصرية الجديدة في تحقيق خلال اسابيع ما عجز عن تحقيقه نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك خلال سنوات . وينص الأتفاق على تأليف حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وأنشاء قوة أمن محترفة ومستقلة عن الفصائل يشرف عليها المجلس التشريعي ، ودمج قوات الأمن التابعة للفصائل الفلسطينية في غزة ، إضافة الى بنود اقتصادية ومالية وسياسية . وبدا ان اسرائيل كانت من اكثر المتضررين من اتفاقية المصالحة إذ عمدت قيادتها فوراً الى رفض ما تم التوصل اليه بين فتح وحماس والى تهديد الرئيس محمود عباس بوقف المفاوضات وبعرقلة اقامة دولة فلسطينية مستقلة متهمة حركة حماس بأنها ضد السلام وبأنها " منظمة ارهابية تؤمن بالعنف " . اما الولايات المتحدة الأميركية فقد صدر عنها موقف مقتضب اذاعته الناطقة بلسان وزارة الخارجية هايدي برونك – فولتون المحت فيه ان واشنطن لا تعترف إلا بالسلطة الوطنية الفلسطينية وبأنها ستعيد النظر في المساعدات التي تقدمها للفلسطينيين في حال تشكيل حكومة جديدة . والواضح ان جملة امور دفعت بحركتي فتح وحماس للتوصل الى اتفاقية المصالحة من اهمها :
- ادراك القيادات الفلسطينية ان المصالحة باتت مطلباً شعبياً ملحاً بدليل تداعي الناس الى تنظيم تظاهرات عفوية في سائر المناطق الفلسطينية للمطالبة بوضح حد للإنقسام الداخلي . وكان من الممكن ان تتصاعد هذه الحملات الشعبية لولا لجوء اسرائيل الى الضغط على مشغلي مواقع الفيسبوك لحجب المنتديات الفلسطينية من التواصل خوفاً من ان يتداعى الشعب الفلسطيني الى انتفاضة جديدة .
- ادراك القيادات الفلسطينية ان الإنقسام الذي كان حاصلاً كان يخدم اسرائيل بالدرجة الأولى لكي تستفرد بكل طرف على حدة كما كان يخدم الولايات المتحدة للتذرع بأن الشارع الفلسطيني ليس جاهزاً للسلام بعد .
- تخوف القيادات الفلسطينية من ثورات شعبية ضدها اسوة بما حصل في مصر وتونس ، وبما يحصل اليوم في دول عربية أخرى .
- اقتناع الرئيس محمود عباس ان الأميركيين غير جديين في رعايتهم للعملية السلمية في المنطقة وأن اسرائيل تماطل من اجل السيطرة على اكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية. ولهذا فإن الرد يجب ان يكون بوحدة الصف الفلسطيني لما يشكل ذلك من عناصر قوة وضغط .
- تخوف حركة حماس مما يجري في سورية حيث ان الإطاحة بالنظام سيؤدي حكماً الى اضعاف اوراق حماس التفاوضية ، وأن هذا قد يكون مقدمة لعزل ايران ولمحاصرة حزب الله . والبديل هو العودة الى الى المصالحة .
- وصول قيادة مصرية جديدة مستعدة لأن تكون على مسافة واحدة من حركتي حماس وفتح على خلاف نظام حسني مبارك الذي كان همه ارضاء واشنطن وعدم ازعاج تل ابيب . وثمن هذه المصالحة هو تكريس شرعية ابو مازن بالنسبة لفتح ، وفتح معبر رفح بالنسبة لحماس .
- ارادت حركة فتح وحماس مواكبة استعداد بعض الدول الأوروبية الإعتراف بدولة فلسطينية مستقلة اواخر العام الجاري رغم رفض تل ابيب ومعارضة واشنطن . المهم ان تلقى الخطوة الفلسطينية احتضاناً عربياً قوياً لأنه ليس من المستبعد ان تلجأ اميركا ومعها بعض الدول الأوروبية الى فرض شروط تعجيزية على الجانب الفلسطيني من اجل مواصلة مسيرة السلام ، كما ليس من المستبعد ان تقدم الدول المانحة على وقف مساعداتها بحجج وذرائع مختلفة لطالما ان اسرائيل غير راضية على ما جرى .
رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي
0 comments:
إرسال تعليق