زواج متعة بين (فقه البداوة) والبترودولار/ راسم عبيدات


..... لا يختلف اثنان على أن المال النفطي “البترودولار” القادم من الخليج العربي عامة ومن السعودية خاصة،لعب دوراً كبيراً في إفساد الأنظمة الوطنية العربية وحركات التحرر والثورات العربية،وفي المقدمة منها الثورة الفلسطينية،وما زال هذا المال يعيث فساداً وقتلاً وتدميرا وتخريباً في أكثر من قطر وبلد عربي،فهذا البترودولار دوره واضح في لبنان ومصر واليمن وسوريا،وحتى الشيشان والصومال وأفغانستان،ولعل الجميع يذكر كيف تدفق المال النفطي على ما يسمى بالمجاهدين الأفغان أو المجاهدين العرب أيام كان النظام الشيوعي قائماً في أفغانستان،
حيث تعاونت السعودية وأمريكا مالياً وعسكرياً في تلك الحرب،وما أن انتهت شماعة الشيوعية،حتى انقلب السحر على الساحر،حيث تحولت جماعة طالبان من "مناضلين للحرية" الى جماعة "إرهابية" وأصبحت القاعدة هي الشماعة الجديدة للأمريكان لشن الحرب على ما يسمى ب"الارهاب"،ولكن الأفغان العرب العائدين والمشبعين بالفكر السلفي والتكفيري والظلامي،عملوا على إقامة بؤر وأنويه سلفية في العراق ولبنان وسوريا ومصر واليمن وغيرها من الأقطار العربية،وأكثر من نظام استخدم تلك الجماعات السلفية في عمليات التخريب وحماية النظام من خلال الاستقواء بتلك الجماعات على القوى المعارضة،ففي لبنان رأينا كيف استقوت قوى الرابع عشر من آذار واستخدمت عصابات فتح الإسلام،من اجل التخريب وخلق الفتن الطائفية،وكذلك تبرير عمليات الملاحقة والقمع بحق الشعب الفلسطيني ومخيماته،حيث أن تلك العصابة التجأت إلى مخيم نهر البارد،وأعطت المبرر للجيش اللبناني لتدميره،بسبب المجزرة التي ارتكبتها تلك العصابة بحق الجيش اللبناني، وما يجري في سوريا ليس بالبعيد عن ذلك،حيث ان بصمات البترودولار الخليجي واضحة،فهذه العصابات يتدفق المال والسلاح عليها وترتكب الجرائم،وتسعى ليس الى الإصلاح والتغير الذي نرى أنه ضروري وشرعي،بل الى تنفيذ أجندات مشبوهة من أجل إضعاف سوريا وتفتيتها وتقسمها على غرار ما حصل ويحصل في العراق،وهي كذلك تسعى لفرض رؤيتها وأفكارها الظلامية والسلفية على المجتمع،وهي لا تؤمن لا بالتعددية ولا بحرية الرأي ولا الفكر ولا ب"المواطنة المتساوية"،ولا بكون الشعب مصدر السلطات.

هذه الجماعات ذات الفكر المتشدد والتي شكلت العمالة العربية المصرية والسورية والأردنية وحتى الفلسطينية الوافدة من الخليج،جسمها الأساس ورأسها القيادي،يجري استخدامها من قبل"الجماعات الوهابية" من أجل قيادة حلف مضاد،حلف يخطف ويجهد ربيع الثورات العربية،ويقف نداً وسداً أمام انتشار مفاعيل الفكر المقاوم والثورات العربية إلى الإقطاعيات العائلية والقبلية،فهذه القوى واضح دورها في قطاع غزة،حيث أنها تريد أن تعيد المجتمع الفلسطيني إلى القرون الوسطى،وهي تمارس "الارهاب" والتخويف وترتكب الجرائم والاعتداء على الممتلكات العامة،وفي سوريا التي نتمنى لها السلامة والعافية،لا تكتفي تلك الجماعات بالقتل والتخريب،بل تقوم بالتمثيل بجثث الضحايا.

ومصر التي تسعى الى استعادة دورها القومي والإقليمي،بعد نجاح الثورة فيها،وجدنا أن قوى الثورة المضادة من بقايا النظام السابق والكمبرادور والقوى المرتبطة بالخارج والجماعات السلفية تريد ان تختطف الثورة،فهي عبرت في ميدان التحرير عن رؤيتها وفكرها بشكل واضح،فهي لديها فكر اقصائي ومغلق وتكفيري،وهي لن تقبل بأن تكون مصر دولة لكل مواطنيها،وتريد تحويلها لدولة شريعة،دولة تحرم فيها على المرأة قيادة السيارة،دولة فيها مواطنون من الدرجة الأولى وآخرون من الدرجة الثانية،دولة تسيطر عليها الخرافات والخزعبلات والغيبيات والأساطير،دولة تحلم بعودة عهد وعصر وفكر السيف،دولة لا تصان فيها لا الكرامات ولا الحريات الشخصية ولا العامة،وما يجري في صعيد مصر وما يرتكب من قبل تلك الجماعات مؤشر على ما ستؤول إليه الأمور،إذا ما وصلت تلك الجماعات الى سدة الحكم والبرلمان،وخصوصاً أن أنظمة البترودولار تغدق الأموال بسخاء على تلك الجماعات ليس من أجل بناء وتطوير ومصر،بل من أجل إعادة العجلة الى الوراء،فكل القوى المتنورة المصرية ورجال الثقافة والفكر والعلم من حقهم ان يتخوفوا على مستقبل مصر ودورها وتاريخها،في ظل تنامي قوة هذه الجماعات،هذه الجماعات التي تلتقي مع دعاة الفوضى الخلاقة في تفتييت وتقسيم وتذرير جغرافيا الوطن العربي،وهذه الجماعات لا يقل دورها خطورة على وحدة المجتمع والسلم الأهلي والحقوق والحريات عن خطورة دعاة الفوضى الخلاقة،بل في الجوانب الاجتماعية هي أكثر خطورة وتدميراً وتفكيكاً للنسيج المجتمعي.

إن أنظمة البترودولار تاريخياً وقفت ضد كل التغير والثورات والاحتجاجات الشعبية،وكانت دائماً رأس الحربة في قيادات الأحلاف المعادية للثورات والأنظمة الوطنية،وهذا الدور الجميع يعرفه ففي الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان تموز /2006،لم تكتفي بالصمت،بل حملت حزب الله مسؤولية تلك الحرب العدوانية،وكانت تشجع إسرائيل على تدمير والقضاء على المقاومة اللبنانية وفي المقدمة منها حزب الله،وكذلك نفس الموقف تكرر في الحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل على غزة في أواخر كانون اول/ 2008،وأيضاً فهي اليوم من تسعى الى إقامة حلف بغداد جديد ضد الثورات العربية،حلف يجهض ويخطتف تلك الثورات.

وهذا الحلف نواته الأساس هو العصابات السلفية المجزل لها العطاء مادياً وتسليحياً،ليس من أجل تحرير الأوطان وفي المقدمة منها فلسطين،بل من أجل تكريس وحماية الأنظمة المعادية لشعوبها،الأنظمة التي لا تطلق رصاصة على قوى الاحتلال،أنظمة تبطش وتفتك بكل القوى المعارضة والمنادية بالتغير.

أن واجب كل القوى والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي ورجال الفكر والثقافة والكتاب والسياسيين العرب،أن يوحدوا مواقفهم وصفوفهم دفاعاً عن الثورات العربية،وأن يحموها من الاختطاف أو الانحراف من قبل القوى المعادية،وفي المقدمة منها القوى السلفية،التي تريد نحر هذه الثورات والقائمين عليها،فهذه قوى مشبعة ومعبأة وحاقدة على الآخر،ولن تتورع على ممارسة النحر بحق كل من يعارض فكرها وتوجهاتها،ونحن نشهد هذا المسلسل في سوريا،حيث ذبحت ونحرت تلك الجماعات العشرات من الجنود السوريين وألقت بجثثهم في النهر.ونفس هذا السلوك ستمارسه بحق أبناء الشعب المصري،وظهور راياتهم السوداء بكثافة في ميدان التحرير بمصر،ينذر بمصير أسود لمصر والمصرين،في ظل نجاح مثل هذه الجماعات في الانتخابات التشريعية القادمة،وخصوصاً أن مزاريب من المال الخليجي تضخ عليهم لهذه الغاية والأهداف.


CONVERSATION

0 comments: