حزب البعث يربط مصيره بمصير السلطة الباغية/ محمد فاروق الإمام

في الوقت الذي تجتاح المدن السورية دبابات الجيش ومدرعاته مصحوبة بفرق الموت القادمة من قم والضاحية الجنوبية وعناصر الأمن والشبيحة، زارعة الموت والخراب والرعب والدمار، تطل علينا قيادة حزب البعث الحاكم في سورية باتخاذها إجراءات وخطوات لوجستية كتحرك استباقي لمرحلة ما بعد رحيل النظام وسقوطه، وقد ضيقت الثورة الخناق عليه وبات سقوطه مسألة وقت، وسقوطه يعني تغيير الدستور وتجريد حزب البعث من المادة الثامنة منه، كون تجريده من هذه المادة يعني حكماً أن حزب البعث سيصبح مجرداً من الامتيازات والاستثناءات التي ميزته دون خلق الله وملكها بموجب هذه المادة من الدستور، الذي فصله الرئيس الراحل حافظ الأسد على مقاسه ومقاس حزبه عام 1973، بهدف تأمين موارد تعوضه بشكل أو بآخر عن الموارد التي كانت تحت تصرفه قبل الثورة بصفته الحزب القائد والموجه للدولة والمجتمع.
فقد كشفت بعض المصادر لجريدة القدس العربي أن حزب البعث الحاكم اشترى مؤخراً قطعة أرض بمبلغ 150 مليون ليرة سورية (3 ملايين دولار) في إحدى مناطق ريف دمشق لإقامة جامعة تعليمية خاصة تشكل لاحقاً مورداً مالياً رديفاً، والأبرز فيما كشفته ذات المصادر نية البعث بشراء كافة مقرات الحزب الحالية في العاصمة دمشق وبقية مقرات فروعه في المحافظات السورية، لأن استخدامه لتلك المقرات عموماً يأتي من خلال تخصيصها له كونه الحزب القائد للدولة والمجتمع وبالتالي فإن تجريده من هذه الصفة أو الحالة السياسية عنه لاحقاً، يعني عدم إمكانية إشغال هذه المقرات ما لم تكن ملكاً له.
يقع مقر القيادة القطرية في أكثر أحياء دمشق رقياً وغلاء في أبو رمانة، وكذلك الأمر بالنسبة لمقر القيادة القومية الكائن بحي البرامكة وسط دمشق، كما أن مقر فرع دمشق للحزب ومقرات بقية الفروع في المحافظات جميعها تقع في أحياء حيوية وراقية.
ويتجه البعث أيضاً لاستثمار ما يسمى "بناء البعث" وهو بناء برجي يتألف من 14 طابقاً يقع على أوتوستراد المزة، وهو بناء اغتصبه حزب البعث من الدولة، ويقدر ثمنه بمئات الملايين، ويضم أحد طوابقه جريدة البعث الناطقة باسم الحزب ووزارة الإعلام التي تستأجر مقرها داخل هذا البناء من الحزب، فيما سيتم استثمار بقية الطوابق لمصلحة الحزب عبر تأجير مكاتبها لشركات ومؤسسات.
وكان من أبرز ما بحثته قيادة البعث – كما ذكرت المصادر للقدس العربي - هو دمج الموظفين والعاملين في المنظمات الشعبية والنقابات المهنية التي أنشأها البعث منذ عقود لتكون "رديفاً" اجتماعياً وشعبياً له بحيث يجري نقلهم إلى ملاكات الدولة الرسمية، إضافة للصحافيين والعاملين في جريدة "البعث" وتسوية أوضاعهم مثل بقية نظرائهم في الإعلام الرسمي السوري.
حزب البعث الذي وصل إلى الحكم عبر مجموعة من ضباطه المغامرين فجر الثامن من آذار عام 1963 لا يزال يعيش أوهام السلطة والنفوذ ولا يريد الانفكاك عنها وكأنها إرث آلت إليه بفعل تراكم السنين التي حكم فيها سورية لنحو نصف قرن، ليس بقوة الإيديولوجية الفكرية التي كان يتبناها بل بقوة الأجهزة الأمنية التي سهلت له البقاء في السلطة كل هذه السنين العجاف من حياة سورية على حساب تجرع السوريين مرارة تلك السنين وشظفها وعذاباتها.
حزب البعث الذي ألحق بسورية الهزائم والانكسارات وقنن الفساد والرذيلة في مجتمعاتها لا يريد كسيده بشار الانصياع إلى صوت العقل أو صحوة الضمير أو وقفة صدق مع الذات والاعتراف بما اقترفته أيدي منتسبيه وقياداته، ويفتش عن طريقة تسعفه ليكفر عن كل آثامه وموبقاته وفواحشه ويغادر الساحة السورية بأقل الخسائر، علَّ الشعب ينسى ويغفر له كل ما تعرض له على يديه من قمع فكري وجسدي وإقصاء ونفي وإفقار وتجهيل واحتكار للسلطة والثروة لنحو نصف قرن!!
حزب البعث في هذه المعمعة، حيث يجابه الشعب السوري قمعاً وحشياً رهيباً من سلطة جاحدة سفيهة قاتلة مجرمة، لا يزال يشد من أزر هذه السلطة ويرفدها بعناصر من منتسبيه عن سابق إصرار وتصميم، مثبتاً بما لا يدع مجالاً للشك أنه شريك أساسي وفاعل بكل ما يُرتكب في سورية من مجازر وقتل ودمار وتخريب، وأنه لن يكون في منأى من المحاكمة العادلة والعقاب الذي يستحقه مع الزمرة الحاكمة الباغية، باستثناء الفئة العاقلة الوطنية التي آثرت الالتحاق بصفوف الثورة وأعلنت استقالتها من هذا الحزب علناً وصراحة، كما شهدنا على الشاشات الفضائية العربية والأجنبية، والباب لا يزال مفتوحاً يستقبل عقلاء الحزب ووطنييهم الذين يعلنون براءتهم من هذا الحزب وتخليهم عنه.

CONVERSATION

0 comments: