في جعبتي الكثير مما يمكن أن أتحدث به اليوم في مقالي.. فذاكرتي تكتنز الكثير عما يجري في سورية الحبيبة وما يُسفح في جنباتها من دماء في الأيام القليلة الماضية، وما تزهق في أقبية نظامها السادي من أرواح، وما يتعرض له السوريون من جرائم فاق ما اقترفته جحافل التتار في بغداد ودمشق، وما ارتكبته محاكم التفتيش في أسبانيا، والنازية في ألمانيا، والفاشية في إيطاليا، والستالينية في روسيا، والخمير الحمر في كمبوديا، وما وقع من مذابح في سيراليون وساحل العاج، فلم نسمع عن كل تلك الحقب السوداء وما اطّلعنا عليه من وثائقها ما يشبه ما يفعله النظام الأسدي في سورية، الذي فاق كل الذين ذكرناهم مجتمعين وحشية يعاف لسان الإنسان عن ذكرها لفظاعتها وشناعتها، فقد استعرضت صورها البشعة شاشات الفضائيات العالمية والعربية وكل وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة، فقد جعل بشار الأسد من جرائمه التي يرتكبها بحق الشعب السوري مادة دسمة لكل وسائل الإعلام، تحكي فصولها الدامية وتنشر صورها المقززة للمشاعر والأحاسيس، وأكتفي بالتعليق على ما قاله الأسد الصغير يوم أمس الثلاثاء في مقابلة له مع محطة (أي بي سي) الأمريكية ستنشر اليوم الأربعاء 7/12/2011 كما جاء في الخبر، فقد تنصل الأسد الصغير في المقابلة من أي مسؤولية عما يجري في سورية من عمليات قتل، مدعياً أن هذه العمليات الإجرامية هي محصلة أخطاء يقع بها رجال الأمن والقائمين على حفظ النظام، ومثل هذا التصريح الذي يصدر عن الأسد الصغير ويريد أن يسوّقه يؤكد فشل هذا الرئيس وإخفاقه، إذا ما أحسنا الظن به، في وقف عمليات القتل الممنهجة التي تقوم بها كتائبه العسكرية بكل الأسلحة الفتاكة والثقيلة التي بحوذتها، وشبيحته ورجال أمنه وما بأيديهم من وسائل قتل وذبح وتكسير عظام في طول البلاد وعرضها لنحو تسعة أشهر، قطّعوا خلالها أوصال المدن والبلدات والقرى واستباحوا حرمات أهلها وعاثوا فساداً في أسواقها ودور عبادتها وقطعوا عنها الماء والغذاء والدواء والكهرباء والاتصالات، وحولوا الحياة فيها إلى جحيم لا يحتمل.. فهذه طفلة في عمر الورد تتأبط ربطة من خبز تريد إيصالها إلى أهلها الجوعى، كما عرضت بعض الفضائيات العربية، فتتعثر فزعة فتقع على الأرض وتتساقط رغفان الخبز منها في منظر مؤثر يدمي القلب.
هذا الأسد الصغير الذي يريد أن يقنعنا ويقنع العالم بأنه ليس مسؤولاً عن القتل في سورية وما يزهق فيها من أرواح وما يجري فيها من شناعات وفظاعات هي نتيجة أخطاء ترتكبها أجهزة أمنه، هذا القول بحد ذاته إدانة لا تحتمل الشك أو التورية فهي بيّنة نطق بها لسان هذا الإنسان الفاشل طواعية دون ضغط أو إكراه، وعليه أن يرحل ليتيح الفرصة لمن هو أكفأ وأحق منه في قيادة البلاد، أو يُساق إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي ليلقى الجزاء العادل الذي يستحقه.
هذا الأسد الصغير الذي لم تمر عليه مقولة الفاروق عمر رضي الله عنه الذي وضع للعالم ما يجب أن يتحمله الحاكم من مسؤولية تجاه شعبه عندما صدح بمقولته الشهيرة: "والله لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله عنها لما لم تصلح لها الطريق يا عمر" فكيف يتنصل هذا الأسد الصغير مما يرتكب في سورية من جرائم وموبقات وفواحش وفظائع وهو المسؤول عنها اعترف أم نفى بحكم موقعه كرئيس للبلاد بغض النظر عن شرعيته أو عدم شرعيته؟!
وأن هذا الأسد الصغير هو المسؤول الأول عن توفير الماء والغذاء والدواء وكل مستلزمات العيش الكريم والحياة السعيدة للسوريين، فتاريخنا يحدثنا عن الفاروق عمر كيف أنه كان يشمر عن ساقه ويتفقد الرعية في ظلمة الليل ووحشته ويتنقل بين أحياء وشِعَبِ المدينة علَّ هناك من هو بحاجة فيلبيها له أو جائع فيقدم له الطعام، ومما يروى عنه أنه في ذات ليلة شديدة البرد، وبينما كان يتفقد رعيته ومعه عبد الرحمن بن عوف، شاهد عن بعد خارج المدينة ناراً متصاعدة اللهب، فقال يا عبد الرحمن هيا بنا لنرى ما بال أهلها، واتجها إلى ذلك المكان وإذا بها امرأة تضع قدراً على النار وحولها أطفال، فسألها عمر يا أمة الله ماذا يوجد بالقدر؟ قالت ماء يغلي به حصى، قال عمر ومالك تضعين الحصى بالقدر؟ قالت لكي يصبر أولادي وينامون، فقال عمر وما خطبك يا أمة الله؟ قالت الله الله في عمر، وهي لا تعرف أن من يكلمها هو الفاروق عمر، فقال عمر وما بال عمر؟ قالت أيتولى أمرنا ويغفل عنا؟!
وتخترق تلك الكلمات قلبه فيقول لعبد الرحمن هيا بنا، ويذهب إلى بيت مال المسلمين ويأخذ دقيقاً وعسلاً وسمناً ويضعهم في كيس ويقول لحارس الخزانة أحمل علي، فيقول الحارس أأحمل عليك أم أحمل عنك؟ فيقول عمر أحمل علي، فيقول الحارس أأحمل عنك أم أحمل عليك يا أمير المؤمنين؟ فيقول عمر أحمل علي، فأعادها الحارث مرة أخرى: أأحمل عليك أم أحمل عنك يا أمير المؤمنين؟ فيقول عمر: ثكلتك أمك أتحمل عني أوزاري يوم القيامة.
وأخذ عمر الدقيق والعسل والسمن إلى تلك الأمة لتطعم أولادها، ثم رصد لها راتباً سنوياً تعيل به نفسها وأولادها، ولا أدري هل سيحمل شبيحة النظام وفرق أمنه وكتائبه العسكرية الذين يعثون في سورية فساداً وخراباً وقتلاً ودمارا أوزار الأسد الصغير؟! لا أعتقد.. بل أجزم.. أنه سيحملها هو وحده دون غيره!!
واختم بما قاله عالم الاجتماع الفيلسوف الفرنسي المعاصر "إدغار موران" والذي يعد أحد رموز الفكر الغربي المعاصر: "الفنون أنتجت مبدعين والسياسة أنتجت مسوخاً". وحين أنظر إلى أهل السياسة في بلدي سورية اليوم، أجد نفسي أمام ساديين خلواً من أي عنصر أخلاقي أو قيمي أو إنساني؟!
0 comments:
إرسال تعليق