الصراع العربي – الصهيوني المتواصل والممتد منذ سبعة عقود هو من أكثر الصراعات التي شهدها التاريخ المعاصر تعقيداً.. مما جعل حل هذا الصراع اشد تعقيداً .. وذلك بالنظر لتشابك العلاقات والمصالح والقوى الحاكمة فيه .. مما يفسر تكاثر المشاريع المطروحة في هذا المجال وتكاثر أصحابها واختلاف مشاربهم ..فمنذ قيام دولة الكيان الصهيوني أخذت مشاريع الحل تترى وفي جلها كانت تستند إلى ما تصدره الأمم المتحدة من قرارات بخصوص تفاصيل هذه القضية .. وعلى الرغم من أن جل تلك المقررات جاءت حمالة أوجه ، ففي موضوع الدولة فإن جل ما تقدم من مشاريع بهذا الخصوص لم يتجاوز نطاق الحكم الذاتي، أو الكونفدرالية مع الأردن.. ومع ذلك فإن زعماء " إسرائيل" – على مر تاريخ هذا الصراع – كانوا الأشد حرصاً على إسقاطها ورفض الالتزام بها أو احترامها.
وفي سياق ما طرح من مشاريع الدولة كان مشروع المملكة المتحدة 1970 .. أما اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل فقد طرحت الحكم الذاتي للسكان (دون السيادة على الأرض) كحلً للقضية الفلسطينية، وحصرت التمثيل الفلسطيني بشخصيات من الضفة الغربية وقطاع غزة، دون القدس ودون فلسطينيي الشتات ..
ثم جاء اتفاق أوسلو وما تبعه من اتفاقيات ليضيف مأزقاً جديداً .. فقد رتبت أوسلو على السلطة الفلسطينية ( التي نشات عن الاتفاق) مسؤوليات أمنية تجاه إسرائيل.. وحصر القضية الفلسطينية بسكان الضفة الغربية وقطاع غزة، وربطت الحياة اليومية للشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع بمؤسسات الاحتلال الإدارية والإنتاجية مما استتبع إغراقهم بهموم الحياة اليومية وقضايا العيش والعمل !!
ولكسب دعم المسلمين أو على الأقل إسكاتهم غداة أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وعد الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش الفلسطينيين بأن تكون لهم دولة.. انتهت ولايته الأولى والثانية وظل الوعد حبرا على ورق.. وفي مارس 2002 أعلنت قمة بيروت العربية عن مبادرة السلام العربية لتقديم التنازلات بالجملة (سلام كامل وتطبيع أكمل، مقابل الانسحاب من الأراضي العربيّة التي احتُلت في عدوان حزيران 1967).. حتى أن بنيامين بن إليعيزر، وصفها بأكبر إنجاز حققته الحركة الصهيونيّة منذ تأسيسها". ..
وها نحن اليوم أمام محطة جديدة أطلق عليها "استحقاق أيلول " المتمثل بالطلب الذي تقدم به الرئيس محمود عباس إلى الأمين العام للأمم المتحدة بطلب انضمام فلسطين للأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية استناداً إلى جملة من الأسس والقرارات أولها الحقوق الطبيعية والقانونية والتاريخية للشعب الفلسطيني، و قرارات الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة !
ولكن هذا الطلب ووجه بالتهديد والضغوط الأمريكية على الأعضاء لعدم تمريره وتجنيب الولايات المتحدة التصويت بالفيتو مما قد يحرجها ويوقعها في التناقض والمرواغة وازدواجية المعايير .. ورغم معرفة عباس بأن المشروع لن يمر إلا أنه أصر على التقدم بهذه الخطوة غير الحكيمة التي بدت أكذوبة وتهريج دولي .. ومسرحية إعلامية فيها الكثير من التضليل والتخدير والتزييف للوعي العربي في زمن "الربيع العربي"..
ولعل من المفارقة أن هذا المشروع جوبه بالرفض الأمريكي رغم أنه "مصلحة إسرائيلية" بامتياز .. يبدو أن الرفض الأمريكي وما سبقه واستتبعه من ضغوط أمريكية على بعض الدول لرفضه يأتي في سياق خلط الأوراق واستدراج المزيد من التنازلات والرضوخ للمطالب التعجيزية بالمزيد من التفريط بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني ..
لقد فتح الباب لتهريج آخر قام به الرئيس الأمريكي "أوباما" بخطاب الخيبة والكيل بعشرات المكاييل .. إذ جاء خطابه "إسرائيليا أكثر من الإسرائيليين" و"ليكودياً أكثر من عتاة الليكود".. لقد تجاهل كل حقوق الشعب الفلسطيني .. وأكد انحياز إدارته السافر لإسرائيل ولحق إسرائيل بان تكون "دولة فوق القانون".. برأها من كل مسؤولية... بل مارس من جانبه كل ما بوسعه من ضغوط ونفوذ على الدول الأعضاء لحثها على رفض الطلب .. فكان له ما أراد!!! ففي 11/11/2011 أصدرت اللجنة الخاصة بطلبات الانضمام لعضوية الأمم المتحدة التابعة لمجلس الأمن تقريرها الخاص بطلب عضوية الدولة الفلسطينية متضمنا القول بـ" عدم اتفاق أعضائها" على قبول الطلب . ما يعني إعفاء الإدارة الأمريكية من استخدام حق النقض "الفيتو" وإعادتنا إلى المربع الأول .. ناهيك عما استثاره من تساؤلات حساسة لعل أبلغها حساسية سؤال :
• هل يجوز أن تستمر قيادة السلطة الفلسطينية- وهي في مرحلة وصفة انتقالية وتسيير أعمال - التلاعب بالقضية الفلسطينية على قاعدة "التجربة والخطأ " والتنازلات والتراجعات وتغيير المواقف ؟؟
• أما يكفي القضية الفلسطينية ما أصابها من انهيارات بسبب ما عقدته – ذات عتمة عربية - من اتفاقيات "أوسلو وتداعياتها ؟
• وهل الاعتراف بدولة على حدود عام 1967 هو مطلب حقيقي للشعب الفلسطيني يتجاوز على معادلات التحرير بـ"كنس الاحتلال وتحرير المقدسات وعودة اللاجئين والمهجرين إلى أماكنهم التي هجروا منها ؟
إن قراءة مشروع الدولة "العباسية – الفياضية" محفوف بعشرات المفارقات والإشكاليات فضلاً عما انطوى عليه من تنازلات خطيرة من أبرزها :
• التلميحات غير المدروسة – وكلها تشي بحالة من التخبط – ومنها التلميح باللجوء إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة لطلب رفع نسبة تمثيل المنظمة إلى (دولة -غير عضو)، عن أساس أن (صفة دولة) حتى لو كانت غير عضو في الأمم المتحدة سوف تتيح لفلسطين الانضمام لمعاهدة روما المتعلقة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية وبالتالي محاكمة إسرائيل جنائياً على جرائمها المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني!! .. رغم "علم هذه القيادة اليقيني " باستحالة قبول فلسطين كدولة عضو في الأمم المتحدة بغير المرور بمجلس الأمن وموافقة تسع دول من خمس عشرة من بينها الدول الخمسة دائمة العضوية .. ثم تحويل الطلب للجمعية العامة لمناقشته، إذ لا تستطيع الجمعية العامة مجرد مناقشة الطلب قبل الحصول على موافقة مجلس الأمن عليه... مما يعني تعثر كافة الإجراءات المعلن عنها لاشتراط مرورها بهذه الآلية
• إعلان الدولة، فيه اعتراف بشرعية الاحتلال وإسقاط تلقائي لحق العودة .. وإلغاء للقرار الرقم 194، القاضي بإعادة اللاجئين إلى الأراضي التي شُردوا منها في النكبة..فضلاً عن إسقاط الحق بفلسطين التاريخية والاعتراف الرسمي الملزم بأن ما تبقى من فلسطين هو لإسرائيل..وما قد يسبقه من مطالبة بالاعتراف بيهودية الدولة، وبالتالي الإقرار بشرعية التطهير العرقي الذي يمكن أن تمارسه إسرائيل ضد العرب في أراضي ال48.
0 comments:
إرسال تعليق