كلام عن العرب والثورة/ د. أحمد محمد المزعنن


1. من تاريخ الفلسفة:
في البرهان الجدلي المشهور المعروف (بانطلاق السهم) قدم الفيلسوف الإغريقي زينون الإيلي( ) الدليل الفلسفي النظري على إنكار الحركة،وأن ما يبدو من الأشياء متحركًا (mobile) إنما تتكون حركته من عدد )لامُنتَهٍ (unlimitedمن الأوضاع أو النقاط الساكنة( static)،وبمفهوم العصر فإن برهان زينون الإيلي لا يعدو أن يكون برهانًا جدليًا نظريًا وليس تعبيرًا عن حقيقة وجودية،وهو بهذا يلغي عنصر الزمن أو البعد الزمني الذي يجعل من السهل فهم الحركة بانتقال الجسم المتحرك ينتقل في المكان والزمان معًا.
2. العروبة في عصر السوفسطائيين:
ولأننا نعيش عصر السفسطة والسوفسطائيين حاليًا في المعرفة وفي التطبيق السلوكي الفردي والمجتمعي،وعلى المستوى الثقافي والأخلاقي،وهو الحالة التي عبر عنها الفيلسوف الفرنسي إميل دوركهايم (1858م -1917م ) ،ثم تلميذه الأمريكي روبرت كنج ميرتون (1910م – 2003م ) بالحالة الاجتماعية والثقافية المعروفة باللامعيارية أو الأنومي anomie ،أو فقدان واضطراب المعايير الحاكمة للسلوك،وقد ابتعدنا كثيرًا عن روح الأديان السماوية،وحتى عن شروط وغايات الفلسفة البراجماسية الذرائعية العملية،فربما والحالة هذه نتمكن من استخدام برهان السهم لزينون الإيلي للتعبير عن/ وتفسير وتحليل وضع واقعي في حالة واحدة مستعصية على الفهم وهي أوضاع الأمة العربية في تعاملها فيما بينها كوحدات اجتماعية كبرى،وفي حالة الستاتيك التي طالت وتمددت وألقت بكلكلها كليل امرىء القيس الطويل المشهور في معلقته،وفي حالها مع الطغاة والمستبدين ودوائر متتابعة من السجانين المحترفين للللكبت والتصفية والقتل بدم بارد للأبرياء في الشوارع والساحات وحتى في الطرق التي تربط مدن وطنهم يمشون فيها عراة حفاة.
فإذا حاولنا وقف الزمن كما حاول أن يقنعنا زينون الإيلي ؛وبالتالي وقف الحركة،وإالغاء المكان،وبالتالي ينتفي الوجود الحقيقي،وتظل الأمة العريقة العظيمة مجرد مفهوم تصوري أو فكرة خيالية في أحلام الشعراء والرواة وبعض الفنانين وهواة الأمجاد وعشاق الأوطان،ومبدعي التحليق في المستقبل،ورسم عوالم من التصورات كعادة مفكري بواكير عصر النهضة من الفنانين والأدباء مما يزخر به تاريخ أوروبا الحديثة،وتطبيقات ما بعد الثورة الفرنسية وانطلاق العصر الفكتوري في إنجلترا،وهذا ربما بعض ما نجح فيه بعض الطغاة والمستبدون الصغار ومن التف حولهم محاولين اختزال الأمة في شخص بعض أفراد منها لا يعرف على التحديد الدوافع الحقيقية وراء سلوكهم تجاه أمتهم في أقطارهم وفي غيرها مما حولهم، وجرى تثبيته كواقع طوال عقود من الزمان ،وترتبت عليه الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية (المهازل)التي أطلقت عليه بعض الدوائر الإعلامية والسياسية (الربيع العربي) ، ونحن نشاهد حاليًا عمليات سباق على تبني بعض الجهات المشبوهة لهذا الربيع ،وتحاول ادعاء نبني شعاراته،واحتضان منجزاته،وقطف ثمراته ،وتجيير دماء الشهداء من أبناء الأمة النبلاء الشجعان ،وينتظرون اللعب على حبل الديموقراطية المزعومة لإنتاج صيغة جديدة من الصراع العلني الممتمثل في الفصل التعسفي بين المكون الديني والمكونات الاجتماعية الأخرى تمهيدًا لتطبيق صور أخرى في الفصام الوطني وجعل كل شىء ممكن التطبيق ولو كان من الأمور المستحيلة ، ألسنا في عصر التمثيل وإشباع الحاجات إشباعًا إعلاميًا وهميًا وإرضاء الدوافع الغريزية بطرق تحويلية غاية في الكيد والفساد والوهم وما رافق كل ذلك من ظواهر اجتماعية شوهت الحياة العربية وأفسدت ثوابتها وميعت صلابتها ،وحولتها إلى مجرد هلام قابل للتشكيل المخزي والمهين والمذل لكرامة أبناء امة الأمجاد والانتصارات والبطولات؟
3. العسكر ورجال الأمن والحقيقة الاجتماعية:
أ – العسكر والحقيقة الاجتماعية:
تقوم الحياة العسكرية منذ فجر الحياة الاجتماعية الإنسانية على النظام الذي يعرف الناس في إطار ثنائية (صديق – عدو)، والفكرة المترتبة على ذلك أن يقضي العسكري على العدو انتصارًا للصديق ، يقضي عليه بالاستئصال الجسدي ؛لأن الأرض لا تتسع لحياة عدو وصديق في نفس المكان ،وهذه السيكلوجيا تقتضي إعداد العسكر إعدادًا جسديًا ونفسيًا عن طريق نظام صارم لا يعرف الفجوات العاطفية والانفعالية ،ولا مجال لعمل العقل او فعل الإرادة ،ولا يسمح بلحظة من لحظات التفكير الحر خارج نسق التراتبية في هرم الأمر والقرار العسكري ،الفرد للمجموع والمجموع للفرد هذا هو شعار النموذج المثالي لفرسان الكسندر دوماس الكبير في كتابه الفرسان الثلاثة ،وفي العسكرية الكلاسيكية في الأمبراطوريات القديمو وفي الدولة الحديثة والمعاصرة حيث توحدت شخصية الحاكم وذابت في شخصية الوطن ووجدت لها فناءً يوتيبيًا في الميثولوجيا الدينية وغطاءً سحريًا جاذبًا في الفلكلور والثقافة الشعبيين اللتين يعبر عنهما حاليًا في الفنون الشعبية والفنون الحديثة في التمثيل التلفزيزني والسينمائي والمسرحي، وليس ذلك حكرًا على أمة دون أمة أو قصرًا على شعب دون شعب أو حزب دون آخر أو جماعة مسلحة دون أخرى،هذه هي الحياة العسكرية ،وفي هذا افطار يكون الاستعداد الفردي والجمعي الدائمين ،وهذه الفكرة الأولية هي التي تحكم سلوك العسكر ،فأنت إما عدو وإما صديق ،وهذا ما يمثل حاليًا على مسرح الصحراء العربية القاحلة التي اجتاحها الجفاف ومنع عنها الغيث من كثرة الذنوب وانتشار المعاصي التي أقلها قتل النس الإنسانية البريئة المكرمة من خالقها بنزوة أو خاطرة من شيطان قام بحشو رصاصه وقنابله ومقذوفاته وصواريخه بالحقد الطائفي أو الظلام لمذهبي أو الضلال الفئوي أو بشهوة السلطة والكذب والنفاق والتلاعب والكيد الرخيص أو بأوامر تتحكم فيه من قلعة الصهيوينة العالمية الإفسادية هناك في نيويورك وواشنطن وأمم الكذب والنفاق الغارقة في أوحال الأزمات المعيشية المتفاقمة؛عقابًا دنيويًا معجلاً على الظلم وإنكار العدالة والاستعباد المذل المهين للصهيوينة المفسدة ،ولليهودية الملعونة المغضوب عليها المعاندة للخالق ولمنهجه القويم ،والمحاربة للنواميس الإلهية في قيامة شؤون الدنيا والدين.
عند العسكر لا يوجد نقاش أو تفكير أو خيار في إجابة سؤال (لمن أوجه فوهة البندقية؟أو على من أقذف القنبلة ؟ أو إلى من تزحف الدبابة ؟)
والإجابة محسومة بكل وضوح وحزم:إلى صدر العدو وتحصيناته ،ومصادر نيرانه ،ومقومات قوته وخطوطه الأمامية والخلفية ،وكل ما يشكل مصدرًا لوجستيًا يحتمل أن يطيل مدة الصراع ،أو يؤخر حسم المعركة،فالعسكر لا يفكرون أبدًا في الهزيمة ، عندهم وفي كل مستوياتهم ممنوع التفكير في الهزيمة ،وإلا فلا داعي لشن معركة أو مقاومة).
وكل مظاهر التناقض والمآسي التي تنتج عن وجود العسكر في المجتمع تأتي عندما تتحول العقيدة العسكرية لسبب أو لآخر ويتغير تعريف طرفيْ المعادلة البسيطة (صديقX عدو) ويعاد ترتيب أولويات الإجابة عن الأسئلة الأولية السابقة فتتحول البنادق لتوجه إلى صدور أبناء الوطن أو إلى البعض منهم ،ويضطر الجند إلى في لحظات جنون إلى محاربة أبناء وطنهم ، ويهادنون العدو أو الأعداء الحقيقيين .وأكبر مصيبة ممكن أن تحل بالوطن وأهله عندما يصبح العسكر حكمًا فيتصرفون في المعارك السياسية بنفس عقلية وسلوك المعارك العسكرية ،ويستخدمون الخطط الإستراتيجية التي مهروا فيها وأتقنوها في رسم الخطط السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
لينظر كل منا إلى كفه،السطح الخارجي الخشن الذي ينبت عليه الشعر هو المعروف بالجانب الوحشي من اليد وهم العسكر،خشونة واحتراف للعنف ، وتعرض للصقيع والحر والغبار ،هذه هي حياة العسكر،ولهذا يدخرهم الوطن ، وتعدهم الأمة لهدف واحد وحيد هو الدفاع عنها من الغزاة الخارجيين،وتطلب منهم أن يكونوا في غاية القسوة والوحشية في التعامل معهم،ولا شىء غير ذلك.والجانب الأملس الداخلي الناعم من اليد هو الجانب الإنسي،هو الحياة المدنية الحضارية،فهل يلتقي أيها القارىء الكريم الجانب الإنسي مع الجانب الوحشي من يدك الواحدة؟
ولكن هل يمكن الاستغناء عن أحدهما في القيام بالوظيفة التي خلق الله اليد من أجلها؟ كل ميسر لما خلق له.هذا قول نبي الهدى والرحمة والعلم الحقيقي الرباني محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي العدناني عليه الصلاة والسلام.
ب – رجال الأمن والحقيقة الاجتماعية:
أما عند رجال الأمن الداخلي بكل تفاصيله وتشكيلاته وقواه ومواقعه فالأمر يختلف بعض الشىء؛ والفارق الكبير في تصنيف العدو وطبيعته ومسرح حركته وأهدافه وطرق التعامل معه.
عدو قوى الأمن الداخلي هو الجريمة والمجرمون،والانحراف(حسب توصيف السلطة) والمنحرفون،والضَلال(حسب معايير الأمة وثوابت ثقافتها) والضالون.
وصديقهم هو الشعب والأمة التي ينتمون إليها،ومنها جاؤوا،وفي سبيل سلامها وسلامتها وأمنها حملوا السلاح وانخرطوا في التشكيلات الأمنية :العسكرية وشبه العسكرية والمدنية.
والصديق أيضًا هم ولاة الأمور والسلطات النظامية التي تقدم لهم الرواتب والخدمات وتوفر لهم ولأبنائهم وأجيالهم مقومات الحياة الكريمة ،والصديق هو السلام الذي يعيشون أجواءه وثمراته هم وأبناؤهم وعائلاتهم وأفراد شعبهم في بحبوحة من العيش،فلا يرفض هذه الحالة من الحياة السلمية الآمنة إلا مجنون أو مأفون أو معتوه أو مشكوك في قواه العقلية أو مريض نفسي ،أو مضطرب المزاج .
وفي بعض الحالات والظروف الاستثنائية تنحرف مهمات ووظائف قوى الأمن الداخلي لتصبح أداة في يد الطغاة والمستبدين والمهيمنين على قرار الوطن ومصير أهله،فلا يطيقون كلمة معارضة،ولا عبارة نقد،ولا نصيحة ناصح،أو كلمة حق من صديق صدوق ، فيصنفون أصدقاءهم وأهلهم ،ويعيدون تعريف ناعصر من شعوبهم ،ويتحولون إلى العنف في مطاردة عدو وهمي أو حقيقي ،وحينئذ تبذر بذور الثورات ، ويتعاظم الغضب ، وتتوزع الرؤى ، ويحل الفصام والخصام محل الوئام.
الكف في حالة قوى الأمن الداخلي لا يمكن تمييز وحشيِّه من إنسيِّه ، فالكف دائم الحركة والتقلب والتشكل والتلون والتمويه والتخفي ، فهما صورتان متداخلتان لا تعرف موقع كل منهما من موقع الآخر، فبينما تجد رجل الأمن في مكان إذا به في مكان آخر،ومرة تراه بلباسه الرسمه وفي غالب المرات يكون بلباس مدني،غنه حولك في كل مكان وزمان،وربما عاش معك في بيتك وفي سيارتك وفي مدرستك،وربما كانت أجهزة المراقبة والتنصت في عصر التقدم التكنولوجي الخيالي تحت وسادتك أو في مروحة منزلك أو مقود سيارتك ،أو داخل هاتفك النقال أو المنزلي أو في محفظتك أو في بطاقة هويتك ،أو في كرسيك أو داخل خشب مكتبك ،كل شىء محتمل أمنيًا نوكل شيء مشروع ،وكل ما يمكن أن تتصوره يمكن حدوثه في عالم اليوم المضطرب المليء بالشكوك والريبة والتوجس والخوف والحذر!إنه الخوف إنه الأمن إنه السلام الاجتماعي الذي يستحق التضحية في سبيله .
4. الثورة ظاهرة متكررة:
الثورات الإنسانية تقليد بشري لِما يجري في الطبيعة من ظواهر،قد تبدو الطبيعة ثابتة رتيبة محافظة على نمط معين في العلاقات البيئية في مساحة معينة،ولكنها في حقيقتها متغيرة تهرب من الرتابة،وتأبى السكون،وترفض منطق عدم التناسق،البراكين والزلازل أكبر دليل على أن ما تحت الحقيقة الطبيعية الوجودية الراهنة التي يبدو عليها الثبات والهدوء النسبي يموج كونٌ آخر من القوى التي تتحرك وفق قوانين غير القوانين التي يألفها من يعيش على السطح بنسيمه وهوائه وشمسه وقمره والسنن الحاكمة للحركة والسكون.
الماء الهادر في السيول والأنهار ومساقط المياه، والعواصف الجامحة الجائحة المدمرة، والرعود والبروق المتلامعة المتتابعة التي تخطف الأبصار(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)(سورة النُّور) والصواعق التي تشق كبد الأرض وتحرق ما عليها من بشر وشجر وصخر،الحركة هي السنة الإلهية المتغلبة على السكون،والتململ والتموضع والتغير والتغيير والنفور من السكون والرتابة والثورة منهج طبيعي يتكرر في تناسق تام مع منطق الأشياء الحاكم ،ويفرض نفسه غرضيًا ووجوديًا لتعديل مسارات الأشياء ، وصناعة دائمة للظواهر الجديدة ،وأداة للتنوع والتنويع الدائم في مكونات السياق الذي يبدو ساكنًا رتيبًا، وتلك الأدوات تعيد ترتيب فعل السنن ، وتوجيه القوانين العاملة في صياغة وبناء الظاهرة الوجودية بمقادير وموازين تحكمها الغائية القدرية التي تنفر من الصدفة وتتضاد مع العشوائية ،إنها منهج أصيل في كل ما يحدث في الكون تحت مظلة علم الله الخالق للأسباب ، ومسخر السنن ، ومرتب الحوادث - دقيقها وجليلها - لحِكَمٍ بعضها يبدو للناظر المتأمل، وكثيرها ينتمي إلى علم الغيب الذي اختص الله به نفسه سبحانه ،والبعض الآخر يتفتح ويظهر كما لو كان منضبطًا بساعة توقيت لا تحيد جزءًا على عدد لا متناهٍ من الثانية .
الثورة منهج من مناهج التغيير السياسي والثقافي والاجتماعي التي تنحو نحوَ العنف، وتتخذه طريقًا وحيدًا للتغيير، وفيه تنقضُّ الجهات التي تتنبناه على النظم القائمة بغيةَ إسقاطها لأسباب ترى تلك القوى أنها كافية لإحداث التغيير عندما يتمنع من يحاولون تثبيت الوضع الراهن الذين يستملحون ويستحسنون ما يُعرف في منطق العلم بالنظريات المحافظة، فيبادرون إلى إنهاء دورها في قيادة العمل الفردي والجمعي،وإزاحتها عن قيادة الجماهير التي تشعر بحسها الفطري وبعقلها الجمعي بعمليات الخداع والمراوغة والفساد والاحتيال ، وتقوم تلك القوى بتعطيل دور المؤسسات التي استخدمها المحتالون في القيادة والتوجيه، ورسم معالم الطريق للجماهير التي تتطلع دومًا إلى القيادة التي تأخذ بيدها ، وتستثمر طاقاتها في البناء الوطني والتنمية وحماية المكتسبات ، وفيه أيضًا تعمل عوامل الصراع على تفجير التناقض بين القوى المتصارعة ، وتعمل الثورة عادة على الظهور المفاجىء لما تراكم تحت سطح الحقيقة الاجتماعية الواقعية من مظاهر الاحتقان والتأزم حتى يصل إلى نقطة الانفجار التي تندفع عندها الجماهير لمواجهة القوى التي تعتبرها مصدرًا للظلم ، وتصنفها باعتبارها تقف حائلاً دون تحقيق المصالح العليا لها في وطنها، وتحجر عنها القيم الحقيقية للمقدسات التي تهون في سبيلها الحياة ، ويصغر عندها الألم ، وتتضاءل قيمة التضحيات، فتستهدف الشعوب والجماعات من تعتبرهم يستحقون الزوال ، وترفع في مواجهتهم شعارات صادمة تكشف عن الهوة السحيقة التي تفصل عادة بين الجلاد والضحية ، بين المعذَّبين والمعَذِّبين،بين المظلومين والظالمين، بين الطغاة وضحاياهم، وتتهاوى كل النظريات والاجتهادات البشرية المحافظة التي تتحصن بها الأنظمة في سعيها لحماية نفسها ، والمحافظة على الوضع الراهن ، وإحاطة قواها بأحزمة من المحرمات التي تطبق أشكال من الحجر والمنع والاقتراب مما تحوله السلطات إلى مقدساتٍ تتصل بالهيبة والمكانة والوجاهة ، وتتهاوى السدود ، وتنكسر حواجز الخوف والرهبة من البطش بكل مظاهره،وكلما سالت الدماء وتنوعت أساليب التنكيل العلني والسري ، كلما زادت في نفوس الشعوب حوافز ودوافع الفعل والإبداع النوعي في المواجهة.وشكلتْ حائلا دون اقتسام المنافع بين الفئات التي تتقاسم المسؤوليات ، وتتحمل أعباء البناء الاجتماعي وصيانة وحماية الوطن من الأخطار الخارجية .
والثورات إما أن تكون ردة فعل عابرة ،أو أفعال مدبرة تقوم بها جهات لا تجد طريقًا آخر لتغيير الواقع غير العنف في نهاية المطاف ،وهي في النهاية موقف تصادمي مع نظام قائم ، وعندما نتحدث عن نظام فإننا نعني مؤسسات وأبنية اجتماعية وسياسية وأمنية واقتصادية ، وبنى تحتية ذات طبيعة محافظة ، بمعنى أنها تعمل جاهدة على الحفاظ على الأمر الواقع أو الوضع الراهن ، وهي في ذلك تستخدم فلسفة ومنطقًا يتسلح بكل أنواع القوة التي تبرر دفاعه عن وجوده.
وتقوم الثورات كوسيلة تصحيحية أو كحركة تغيير شامل ، وهي ظاهرة سوسيو- بوليتيكية وسلوكية وعملياتية تتخذ أشكالاً وانماطًا متعددة ، فقد تكون مجرد هبة يفلح النظام في احتوائها والتعامل العقلاني معها ، واستيعاب بواعثها ، وتأجيل تفجير طاقاتها ، والتموضع الراشد لاجتثاث عوامل السخط والغضب ، والاستجابة لمطالب الثوار ، وانتهاج النهج التصالحي الإصلاحي ، فتكون الثورة بمثابة هزة لجسد مترهل غاب وعيه ، وتكدست الأقذار على ملامحه ، وصدء بناؤه ، وتآكلت جدره ، وقد تتحول إلى ثورة بركان من العواطف والانفعالات التي تسيطر على النزعات ، وتوجه الطاقات الفردية والمجتمعية وتحولها إلى تيار جارف من القوة التي لا تفلح جميع التدابير في الوقوف في وجهها.
تثور جميع الأمم والجماعات مرة بعد مرة ، فإما أن تستريح بعد الثورة ، وتحسم خياراتها، وتباشر بناء مستقبلها، وتدخل بالثورة في مرحلة متجددة من البناء والانطلاق في طريق اكتشاف الذات ،والكشف عن الطاقات الكامنة ،واصلاح واستثمار الطاقات الظاهرة ،وإما أن تبدأ بالثورة متاعبها، وينجم فيها الأذى والصراعات، فكأن الثورة فتحت جرحًا طال احتقانه ، وغابت عنه أيدي الأُساة النطاسى من أبناء الأمة طويلاً ؛ فانفجر صديدًا ودمًا ، واشتعلت نيرانًا تحرق كل أثر للواقع الذي يعرفه الثوار بانه من مخلفات الماضي ، وقد تكون الثورة تمردًا على نعم الله ، وبطرًا واعتراضًا واستعجالاً للشر، واعتراضًا على السنن الإلهية ، واتباعًا لرأس الشر إبليس اللعين ، فتكون أشبه بسد حجز الماء خلفه طويلاً على ضعف وتصدع ؛ فانفجر سيلاً جارفًا يشرد الجماعات، ويخرب البلاد ، ويضيق الأرزاق ، كما آل إليه أمر دولة سبأ في مسكنهم حيث تبددوا ، وتشردوا فَضُرِبَ بهم المثل ، حيث يُقال: تبددوا أيدي سبأ، وذكر القرآن الكريم تفاصيل قصتهم.
قال الله تعالى في سورة سبأ :{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)}

5. قراءة تأصيلية للتاريخ الإنساني :
عند الحديث عن الثورات الإنسانية وغيرها من الحركات الكبرى التي غيرت الحياة الإنسانية كالحروب وعمليات الغزو والفتوح والكشوف الجغرافية والهجرات الكبرى ومظاهر النهضة والتجديد والإحياء القومي والثورة الصناعية والتقدم التقني ، فإننا في الحقيقة نتحدث عن التاريخ الإنساني من حيث صياغة أحداثه بأفعال تكون أحيانًا سلمية هادئة تتراكم فيها المنجزات والاختراعات والثقافات ، واحيانًا أخرى يسيطر عليها طابع العنف والتمرد والعصيان ورفض الظلم ومقاومته بالتحدي واستعمال القوة ،وما يسبق ذلك ويرافقه وينتج عنه من الشعارات والأيديولوجيات التي تستخدم كوقودٍ يغذي الفعل الإنساني بأشكاله المتعددة.إن تلك الأحداث هي التاريخ الإنساني في حركته وسكونه ، في بياضه وسواده وأطياف ألوانه ،ومن هذا المنطلق فمن المفيد أن نشير إلى التقسيم الإنساني المعتمد للمراحل التي يتكون منها التاريخ الإنساني العام وهي
- التاريخ القديم : ويبدأ من تاريخ ابتكار الكتابة حوالى أواخر القرن الثامن قبل ميلاد المسيح ،واستعمالها في تسجيل الوقائع والأحداث،وينتهي بسقوط روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية الغربية في أيدي القوط في عام 476م.
- العصور الوسطى:تبدأ من سقوط روما في أيدي القوط حتى سقوط القسطنطينية في يد السلطان العثماني محمد الفاتح عام 1453م.
- التاريخ الحديث:،ويبدأ من الثورة الفرنسية عام 1789م حتى أبواب الحرب العالمية الأولى عام 1914م.
- التاريخ المعاصر :يبدأ من الحرب العالمية الأولى إلى الوقت الحاضر.
هذا التقسيم هو المعتمد لدى الأكاديميين والمؤرخين الغربيين ، وانسحب بالتبعية على كل من يتعامل بالتاريخ من الأمم الأخرى بعد تغلب الثقافة الغربية ، وخاصة الفرع الأنجلوسكسوني واحتلاله العقول والنفوس والقلوب في الشعوب التي استعمرتها بريطانيا طويلاً في بلاد العالمين: القديم والجديد ، وهو كذلك المعتمد عند الأمم ذات الثقافة اللاتينية والشعوب التي تأثرت ثقافاتها بها في العالم .
إنه تاريخ أوروبا كما صنعته حركات شعوبها وإرادات قادتها ،وتصادم مصالحها التي حركت الجيوش ،وأشعلت نيران الحروب ، وكما أغنته منجزاتها الحضارية وقت السلم والحرب ، وكما وثقه وسجله مؤرخوها ، وبقية العالم بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بشقيها الأوروبي والآسيوي وأستراليا والصين واليابان كلهم تبعٌ لها ؛ لأنها هي المحركة للأحداث التاريخية منذ بداية الثورة الفرنسية حتى الوقت الحاضر على الأقل.
6. الربيع العربي ... ثم ماذا بعد ؟
ثورات ثورات ثورات
إن فهم التكوين التاريخي للمرحلة الراهنة ضروري لكي نضع ما اصطلح عليه بالثورات العربية الراهنة في موقعها الصحيح من السياق التاريخي الإنساني العام ،والسبب المباشر لذلك هو أن المنطقة العربية كانت منذ قرون ولا تزال تشكل حاليًا منطقة صراع بين العديد من القوى الداخلية والخارجية ، ولا ينتظر لها أن تخرج من هذا الوضع إلا إذا ظهرت على سطح الأحداث مجموعة من القوى الفاعلة في شعوبها لتقود جماهيرها نحو الوحدة والالتقاء السياسي القائم على استشعار كيان واحد يجمع شتات الأمة الواحدة ،ويوفر لها درجة معقولة من الوعي بذاتها وكيانها الموحد المتساند المتضامن لتقف بين الأمم مرفوعة الرأس تسهم بكبرياء وعزة في السياق الحضاري الإنساني العام،وتذود عن حياضها بسواعد أبناء ومنجزات شعوبها ،وبكل ما يضمن لها السلام في الداخل والخارج.
لا توجد في التاريخ ثورات سلمية ، ولم يسجل الصراع الإنساني بين القوى المتصارعة موقفًا تخلت فيها الطبقات الحاكمة عن الحكم طواعية وبطريقة اختيارية ، باستثناء النظام الديموقراطي الذي تعمل فيه القوى بطريقة تصالحية نظامية على تبادل السلطة في عملية مستمرة من اللعبة السياسية التي تعتمد على الأحزاب والقوى الضابطة لإيقاع الحركات الشعبية ، والمتفاعلة مع الثوابت والمتغيرات.
وما يحاول البعض في الوطن العربي حاليًا فرضه كفلسفة خاصة في تفسير ما حدث في بعض البلاد العربية بأنه ثورات سلمية، لا نصيب له من الصحة بمنطق التحليل العلمي ، والقراءة النقدية الدقيقة لتطورات الأحداث في مصر والجزائر وتونس وعمان والأردن والبحرين وأخيرًا في اليمن وليبيا وسوريا.
الأحداث العربية الحالية أكبر دليل على وحدة الأمة العربية ،وأنها جسد واحد مهما حاولت النزعات القطرية والروابط مع الخارج الغريب فرضه من المفاهيم الانعزالية ، والفلسفات الضيقة بذريعة النزعة الوطنية أو القطرية أو المصالح والروابط التي تنشأ من خلالها .
من بين أهم المنجزات التي قدمتها الأحداث والحركات المتوالية في الوطن العربي منذ انتفاضة تونس على الفساد والظلم الذي كان يشكله نظام ابن على ومن التف حوله أننا تلك الأحداث عرضت للمراقب حقيقة أزلية ما كان يتاح للكثيرين السعادة بالنظر إليه لأسباب كثيرة ومن ذلك وحدة جماهير الأمة وقواعدها الشعبية وتماثلها المطلق تقريبًا في الخصائص الإثنية والملامح الشخصية وفي اللهجات والعادات والطباع والخلفيات الثقافية الصلبة والمكونات المعرفية والتماثل التام في الوجدان والعواطف وتفاصيل الحياة.
لقد أتاحث الأحداث وبغض النظر عن العنف الذي صاحبها أو الضحايا الشهداء الذين سقطوا خلالها أن يستعيد الإنسان بالكيان العربي الواحد الذي تكونه القواعد الشعبية في القرى والمدن البعيدة عن المركز الإداري للأنظمة الفاسدة التي كرست الانقسام والإقليمية الممقوتة والقطرية الضيقة،وأسقطت الجماهير كل دعوة مضللة كانت تفرق بين الإنسان العربي في أقطار الأمة ،واستعادت مجموعة كثيرة وبعضها على استحياء المقولات التي جاهد زعيم الأمة مجدد إحساسها بوعيها البطل جمال عبد الناصر ،وهو ما حرصت الأنظمة المتحالفة طوال أكثر من أربعين سنة على طمسه ،ورمته بكل مرذول من النعوث التي كانت هي أولى بها من المرحلة التي قاد فيها هو ورفاقه شعوب الأمة ،وأثمرت في وقت مبكر أول دولة وحدة بين مصر وسوريا ولكن الانفصاليين العملاء حلفاء الغرب المتصهين وأدوها بعد أربعة سنوات من قيامها ،وتحت وطأة الشعور بالإحباط استسلمت النخب والقيادات لحالة فرضها تحالف مريب بين الأنظمة القطرية الانعزالية ،وتعاظمت قوة هذه الانظمة وبطشها بكل صوت حر يحاول أن يذكر بالحقائق الأزلية في التكوين الموحد للشعب الواحد الذي يسكن المنطقة من شواطىء الأطلسي غربًا إلى جبال كردستان وجبال طوروس في الشرق والشمال،وقد ساعد على تكريس تلك الحالة الشاذة تسلق قيادات شعوبية انعزالية من الأقليات التي طمست الانتماء الحقيقي للجماهير ،وزيفت مفاهيم القيادة والأهداف الإستراتيجية والمرحلية واحتكرت جهود الأمة وألقت وراء ظهورها كل فكرة تتجاوز ما تمثله الجامعة العربية الهزيلة في ظل الأمناء المتتابعين القابعين على الكراسي والتابعين للأنظمة بشكل مذلٍ.
وقد ساعد هذه الحالة الكئيبة الاتجاه الاتجاهات الاقتصادية المشبوهة والخطط قصيرة النظر التي اعتمدت على الاقتصاد الاستهلاكي ،والمزيد من الاستهلاك بقصد إلهاء الإنسان العربي عن الجانب المعنوي للحياة وصرفه عن الانشغال بالمثل العليا والقيم والنبيلة .
- ومن الثورات التي يذكرها التاريخ ثورة العبيد في روما بقيادة سبارتاكوس عام 71 ق م ، ذلك الرقيق الذي ثار على روما ، وحرَّض العبيد على السادة ، وخلد سيرته في الستينيات من القرن الماضي الفيلم السينمائي المشهور الذي قام بدور سبارتاكوس فيه الممثل الشهير كيرك دوجلاس.
- وثورة أُوليفر كرومويل في بريطانيا عام 1688م ضد الملك شارل في مؤامرة حاكها اليهود ، ونفذها كرومويل لإعدام الملك الذي رفض دخول اليهود إلى مملكته ، ومن أراد المزيد فليرجع إلى ما دونته (ويكبيديا) الموسوعة الحرة في شبكة الإنترنت عن تاريخ هذه الفترة ، وهؤلاء الإنجليز الذين قتل اليهود ملكهم هم أنفسهم من تآمروا فقذفوا باليهود إلى وطننا فلسطين لاحتلاله ظنًا منهم أنهم يتخلصون من المشكلة اليهودية ، وما دروا أنهم أنشأوا للفساد دولة يتعاظم شرها ، ويستفحل أمر إفسادها يومًا بعد يوم ، ومؤشرات ذلك ماثلة للأذهان ، ولكن أين من يقرأ أو يعتبر ؟ فسبحان مقلب الليل والنهار ، وكاشف الأستار والأسرار ، وقاهر الجبابرة والفجار، وقامع الطغاة والمفسدين والمستبدين الفجار.
- والثورة الفرنسية عام 1789م التي انتهت بسقوط أكبر قلعة من قلاع الظلم في أوروبا (سجن الباستيل) ، وأعدم فيها الثوار الإمبراطور لويس السادس عشر وزوجه ماري أنطوانيت ذات الأوصل النمساوية ، ولما استقر حكم الثورة وأعلنت الجمهورية اختار الفرنسيون القائد الفذ نابيلون بونابرت وعينوه إمبراطورًا ثم ديكتاتورًا لما كان له من سيط ذائع في الدفاع عن الجمهورية الفرنسية وخاض غمار ما عرف تاريخ أوروبا الحديث بالحروب النابليونية بين أنصار الثورة من جهة ، والحلف الذي تشكل من الأسر الحاكمة في القارة من آل هبسبرج وآل بوربون وآل هوهنزليرن ، حتى انتهى الأمر إلى هزيمة نابليون في معركة ووترلو ثم القبض على نابليون ، ونفيه إلى جزيرة سانت هيلانه وموته ، وانتهت بموته الجمهورية الفرنسية الأولى التي أقامها الثوار ، ثم قامت الجمهورية الثانية بعد ثورة عام 1948م بزعامة عمه لويس نابليون .
- والثورة الأمريكية التي بدأت بما اصطلح عليه حينها بحفل الشاي عام 1773م، وبدأت فعلاً عام 1785 م ، وانتصرت على البريطانيين عام 1785م الذين كانوا يستعمرون القسم الشرقي حيث بداية تشكل الاتحاد الأمريكي ، وأسست بعد حرب التحرير الاتحاد الأمريكي عام 1778م، وهو نواة الولايات المتحدة الأمريكية USA من ولايات الشمال الشرقي المعروفة بإقليم نيوإنجلند أي إنجلترا الجديدة ، وهي الدولة الحالية المتجبرة القاهرة المتحكمة ، فسبحان مغير الأحوال ومقلب الليل والنهار، وقامع الطغاة والمفسدين والمستبدين الفجار .
- ومن أكثر النماذج الثورية شهرة في التاريخ الحديث حروب تحرير أمريكا الجنوبية من السيطرة الإسبانية بقيادة سيمون بوليفار(1782م – 1830م ) الذي كان يعرف بجورج واشنطن أمريكا الجنوبية ،ومن المفارقات الغريبة أن هذا القائد الشجاع المقدام الذي خلص معظم القارة الجنوبية من الاحتلال الإسباني وافاه الأجل في إسبانيا نفسها.
- والثورة البلشفية ثم الشيوعية في روسيا وتوابعها عام 1917م بقيادة فلاديمير إليافيتش إليانوف المعروف بلينين ( 1870م – 1924م ) والتي نتج عنها ظهور كيان سياسي ضخم عرف بالاتحاد السوفييتي عمَّر ما يقرب من ثمانين عامًا ، وكان زعيم ما كان يعرف زمن الحرب الباردة بالكتلة الشرقية أو الكتلة الشيوعية أو دول الستار الحديدي كما أطلق عليه الإعلام الغربي ، والسياسة الغربية القائمة على الاحتلال والاستعمار والثقافة ذات النزعات الليبرالية بعد الحرب العالمية الثانية ، وتفجر الخلافات بين حلفاء الأمس (الغرب والاتحاد السوفييتي) الذين هزموا ألمانيا النازية وتقاسموا مناطق نفوذها.
- والثورة الهندية بقيادة المهاتما غاندي على بريطانيا المحتلة للقارة الهندية ، والتي انتهت عام 1947م بتقسيم القارة الهندية إلى دولتي:الهند وباكستان ، ثم انقسمت باكستان إلى دولتي : الباكستان وبنجلاديش. فسبحان مغير الأحوال ومقلب الليل والنهار ،وقامع الطغاة والمفسدين والفجار .
- والثورة الصينية عام 1945 م على المستعمرين اليابانيين فيما يعرف بالزحف نحو الغرب بقيادة ماو تسي تونج ،ثم بداية حرب التحرير الكبرى ،وإنشاء جمهورية الصين الشعبية عام 1947م . ومن المفارقات التاريخية الغريبة أن الأمم المتحدة ظلت تعترف بما يعرف بفورموزا أو جمهورية الصين الوطنية التي أسسها المنشق شان كاي شيك كممثلة شرعية للشعب الصيني ، ولم تعترف بجمهورية الصين الوطنية التي يزيد سكانها عن مليار من البشر إلا عام 1972م ،وفرضتها أمريكا ممثلة للشعب الصيني حتى فرضت الصين الشعبية نفسها كقوة عظمى ممثلة للشعب الصيني.
- والثورة المصرية المعروفة بثورة يوليو 1952م ،وما نتج عنها من تغيرات كبرى في الوطن العربي وخارجها ،ومن قيادتها لحركات التحرر في آسيا وأفريقيا ودول أمريكا اللاتينية .
- والثورات العربية الحالية ليست بدعًا بين الأمم ،ولا هي هبات انفعالية مؤقتة مرهونة بمؤشرات تفرضها الأنظمة، إنها ظاهرة منطقية تأتي ردًا على مغالطات وأخطاء وتجاوزات الأنظمة في تجاهل طبيعة دور الأمة في مواطنها الأزلية،وأنها في الحقيقة أمة دعوة حضارية أممية لم تفارقها يومًا،وأنها أمة أحرار تأنف من احتقارها واستعبادها من فئات تسلطت عليها واستباحت قيمها،وتنكرت لدورها وقيمتها بين الأمم،وأساءت تقدير حقيقة نفوسها وتركيبة عقولها،
- إن ما يحدث في العالم العربي حاليًا هي مجموعة أحداث تكون سياقًا ثوريًا يتخذ طابع العنف بالقدر الذي يحاول الطغاة استخدامه في مواجهة شعوب سقط لديها مفهوم الخوف ،ووضعت خلف ظهورها ثقافة الخضوع والخنوع ،إنه سياق من رفض الظلم والقهر والاستعباد ،وتطلع إلى مستقبل التعددية والحرية والمواطنة المتكافئة التي ينتج عنها توزيع مقومات الحياة بالعدالة ،وتحمل المسؤوليات الوطنية بشكل تكاملي توافقي ،إنها أحداث ترسم معالم مستقبلها ، وتنهض كل القوى الاجتماعية في المستويات المختلفة للأنساق الاجتماعية بما يناط بها من مسؤوليات حسب موقعها في التكوين الاجتماعي،وتستأنف كل القوى أو معظمها،وتباشر مراكز التأثير المدني والعسكري في كل المواقع أنشطتها التقليدية التي تسير بموجبها شؤون الحياة اليومية في الداخل والخارج،تقوم الأجهزة المختلفة بأدوارها في حفظ التوازن الضروري لحياة الجماعة،وتحرص القوى الفاعلة في المجتمع على تسيير الحياة وفق السنن الدارجة في الكون ،وحسب ما تواطأ عليه العقلاء والمفكرون والفلاسفة وأهل الرأي وأصحاب الحل والعقد.
أيها العسكر العرب :
أنتم حماة الأوطان ،أنتم جند الله للدفاع عن الوطن العربي ضد الغزاة،عودوا إلى الثكنات قبل أن تغرقوا في أوحال السياسة الدنيوية،نرجوكم :حافظوا على طهر ونقاء الصورة التي سطرتموها بدمائكم الطاهرة في معارك النزال ،ولا تنفصلوا عن ماضي أمتكم المجيد في نصرة الحق،وهزيمة موجات الغزو الصليبي والمغولي واليهودي الصهيوني المعاصرنيجب ألا تغيب عنكم صورة سيد البشر رمز الجهاد وقائد أمة الإسلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم،فهو قدوتكم ورمز فخاركم،وعنوان عزكم.
يا رجال الأمن العرب :
• لا تقتلوا أبناء شعبكم مهما كانت الأعذار ، تذكروا حرمة دم الإنسان عامة والمسلم خاصة.
• تذكروا أن الدماء لا يمكن أن تضيع.
• تذكروا أنفسكم وأبناءكم وإخوانكم لو كانوا هم الذين في مرمى نيرانكم !
• يا لفظاعة ويالبشاعة ما ترتكبونه في حق الناس عندما تقتلونهم تحت أي عذر من الأعذار.
• تصالحوا مع نفوسكم وشعوبكم الأبية
• واعلموا أنكم أبناء أعز الأمم ،وأعلاها هامة وأنفة وكرامة ،وأعظمها قيمة ،كونوا حماة وذمار وحمى أكرم أمة كرمها الله بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم منها ،وجعلها محضن الدعوة،وجعل لغتها الوعاء المعرفي الشكلي والموضوعي لكتابه الكريم ، تصوروا أن لغتكم التي دُوِّنَ بها كلام الله سبحانه وتعالى في اللوح المحفوظ ، أيُّ مبعثُ عز وفخار هذا الذي تعلو بها رقابنا لتلامس السحب ،وتخترق رؤوسنا أجواز الفضاء ،وتنحني هاماتنا تواضعًا وشكرًا لله على هذه المنة العظيمة،والإحسان الفريد على أمتنا !!!
والله تعالى أعلى وأعلم ،وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .)(يوسف21)
ـــــــــــــــــــــ
- زينون الإيلي : فيلسوف إغريقي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد وعاصر سقراط وأفلاطون وأرسطو وبارمنيدس،كان من الفلاسفة السوفسطائيين الذين برعوا في الجدل النظري وفي القدرة على برهنة صحة الشىء ونقيضه.

CONVERSATION

0 comments: