البئر ! بئر عَدَويّة
البئر
(( في ليلة من ليالي صيف عام 1939 في ناحية الإسكندرية، لواء الحلة يومذاك ( محافظة بابل ) / سَقَطتْ أُختي الصغرى عَدَوية في بئر حديقتنا فماتت طفلةً في مطلع عامها الثاني لا غير )).
إستطراد : -
1- في عام 1939 : أُجهضتْ الثورة في فلسطين. أُغتيل الملك غازي في بغداد. إنتصر فرانكو في إسبانيا. ظهرت أُولى إرهاصات الحرب العالمية الثانية.
2- في عام 1939 : أكمل أخي فيصل الإبتدائية ودخل المتوسطة في الحلة.
3- في عام 1939 : أكمل أخي الأكبرعبد الجبّار المتوسطة وإنتقلَ إلى بغداد طالبا في الإعدادية العسكرية.
في بئرٍ مهجورِ
سَقَطتْ أُختي الصغرى ليلا
فتشّنا عنها أركانَ البيتِ …
رُكناً
رُكْنا
فتشّنا أدراجَ ملابسها
دُرْجاً
دُرْجا
فتشّنا أشجارَ حديقتنا
غُصْناً
غُصنا
لم نَعثرْ في ظُلمةِ ليلِ الصيفِ على أَثَرِ.
فتشّنا فَجراً
فتشّنا بئرَ حديقتنا في الرُكنِ المهجورِ
يا ربّي ...
صَرَختْ أُمّي وبَكَتْ
ضَرَبتْ رأساً وجهاً صدرا
ثم تهاوتْ كالنخلةِ جِذعاً مضروباً بالفأسِ
كانتْ أُختي الصغرى طافيةً غرقى
جاءَ الجارُ وذو القربى
مدّوا في بئرِ حديقتنا حبْلا
سحبوها...
سحبوا أُختي الصغرى
سحبوها من جوفِ البئرِ المهجورِ
شاحبةََ الوجهِ كشمعةِ عيدِ الذكرى الأولى لونا.
ماتتْ أُختي
دَرَجتْ نائمةً وَمَشتْ في الظُلمةِ نحو البئرِ المهجورِ
عطشى كانتْ ؟ فَمَضتْ تسعى ليلاً صوبَ الماءِ
سَئِمَتْ بعدَ العامِ الأوّلِ فاْتَخَذتْ من بئرِ حديقتنا قبرا ؟
تَرَكتني وحدي
أَتعذّبُ لا أنساها
أبكي في يقظةِ أحلامي ممروراً محرورا
أَتخيلُها كالدميةِ طافيةً في جوفِ الجُبِّ على سطحِ الماءِ
زرقاءَ الأثوابِ
شاحبةَ الجبهةِ والخدِّ المُبتلِّ
تمثالَ رُخامٍ قُدّامي منصوبا
لا نَفَسٌ في الصدرِ المعطوبِ
لا نأمةُ صوتٍ في الثغرِ المٌتيبِّسِ ظمآنا
لا نورٌ يتلألأُ ما بين جفونٍ ثابتةٍ قُدّتْ من صخرِ.
من سيشارِكُني ألعابي
وحليبَ رضاعةِ صَدرِ الأُمِّ الثكلى
ويُشاكسُني ساعاتِ شرابي وطعامي
وَيَهُزُّ شُجيراتِ الوردِ وأغصانَ الدفلى ؟
ما كادَ العامُ الأولُّ يَمضي حتّى ماتتْ أُختي غَرَقا
مَلَكاً رَحَلَتْ غرقى عطشى
فارَقَت الدنيا عجلى
تَرَكَتني وحدي
لمْ تُنجِبْ أُمّي أُختاً أخرى
كيفَ سأنساها أَبَتي
كيف سأنسى أُختاً جاءتْ بعدي
ومَضتْ للدنيا الأخرى قَبْلي
طافيةً غرقى
في حَفنَةِ ماءٍ في بِئرٍ مهجورِ ؟؟؟
الوداع
حملَ الوالدُ أُختي ما بينَ الساعدِ والصدرِ
كَفَناً أبيضَ مقصورا
في موكبِ تشييعٍ مُختَصَرٍ للأهلِ
حفروا لَحِداً تحتَ الأرضِ
مَتراً طولا
واروها فيهِ أُختي الصغرى
رفعوا أيديهم للأعلى طَقساً محسوباً مفروضا
قرأوا شيئاً من آيِّ القرآنِ ومن ثُمَّ اْنسحبوا ...
صَرَختْ أُختي من تحت الأرضِ :
أَنقذني أَبَتي أنقذني
ما ذَنبي ؟؟
لا تتركني كالمؤودةِ وحدي في قبري.
لمْ يسمعها إلاّ طفلٌ كانَ أخاها حتى ما قبلَ الموكبِ والدفنِ
كنتُ أراها في اليقظةِ والغيبةِ والظلِّ ...
وبقيتُ أراها حتى آخرِ أيامِ العُمْرِ
طافيةً كالدُميةِ في جوفِ البئرِ على مرآةِ سرابِ الوهمِ المُختلِّ.
صبّتْ نفطا
شبّتْ أُمّي النيرانَ بأثوابِ البنتِ الصغرى
ثوباً ثوبا
لَبِستْ كالعادةِ أثواباً سُودا
وَعَدتني وعداً مكذوبا
حين رأتني أدمنتُ مراقبةَ البئرِ المهجورِ
أهذي وأقولُ لأهلي هذي أُختي
مَدّتْ أيديها لي أُختي ...
وعدتني أنْ تُنجِبَ لي أُختاً صغرى أُخرى
تحملُ ذاتَ الإسمِ وعينَ الصورةِ والمِبسمِ والشعرِ
وتُشاكسني قبلَ النومِ وفي ساعةِ إفطاري
تلبسُ أثوابي حيناً
وتُخَبّيءُ تحتَ وِسادتها حاجاتٍ أخرى
وتغارُ إذا ما أعطاني الوالدُ شيئا.
(( إستطراد آخر : تقع كذبة نيسان ( أبريل ) في اليوم الأول من هذا
الشهر !! )).
0 comments:
إرسال تعليق