حكومة المعارضة السورية المؤقتة وتداعياتها/ جمال قارصلي


عندما نتأمل المشهد السياسي على الساحة السورية ونشاهد التطورات الأخيرة التي حدثت هناك على أرض الواقع وأن أكثر من 60% من الأراضي السورية خرجت من تحت سيطرة "النظام", نجد بأن فكرة تشكيل حكومة سورية مؤقتة من أجل إدارة شؤون المناطق المحررة, كانت ولا زالت صحيحة. ربما لو إستطاع السيد غسان هيتو في نهاية شهر آذار/ مارس 2013 أن يشكل الحكومة التي تم إنتخابه من أجلها, لكانت قد سقطت الآن حجة حزب الديمقراطي الكردي (ب.ي.د) لتأسيس إدارة دولة كردية في شمال سورية والتي أطلق عليها إسم "دولة غرب كردستان" وكذلك لما تجرأت "دولة العراق وبلاد الشام الإسلامية" أن تعلن منطقة جرابلس نواة لدولتها المنشودة وإضافة إلى ذلك يوجد هنالك مجموعات مسلحة تنتظر الفرصة السانحة لكي تعلن عن دويلاتها على الأراضي السورية. الحكومة المعنية ستكون مؤقتة ومرحلية وما نتمناه أن يكون عمرها قصير جدا وينتهي في آخر المطاف عندما يتم تشكيل حكومة لكل التراب السوري ومقرها مدينة دمشق, عاصمة سورية الأبدية. 
على الصعيد الداخلي نشأ في المناطق السورية المحررة فراغا أمنيا وإداريا وخدميا كبيرا وغابت الجهة التي تتحمل مسؤولية ما يحصل هناك من تجاوزات ولديها القدرة على محاسبة كل من يقوم بعمليات النهب والسلب والإختطاف والتنكيل والإهانة وتخريب ممتلكات الدولة والقطاع العام. شباب الثورة السورية والغييورين على مدنهم وقراهم قاموا, وبإمكانياتهم المتواضعة وبقدر المستطاع, على سد الثغرة الكبيرة التي خلفها "النظام" عندما تم دحره من هذه المناطق. ولكن وتوازيا بما يقوم به المواطنون الشرفاء, برزت هنالك بعض النفوس الضعيفة والتي وجدت في حالة الفوضى والإنفلات الأمني فرصة لها في النهب والسلب والتحكم بمصائر الناس. أغلب هؤلاء كان في بداية الثورة يعمل في صفوف "النظام" ولكنهم وبعدما تم تحرير هذه المناطق إنقلبوا فجأة من شبيحة يدافعون عن "النظام" إلى "ثوار" متسلقين على أكتاف الثورة آملين النيل من مكتسباتها. حتى على مستوى التنسيق العسكري بين كتائب الثوار حصل فراغا كبيرا لأن عدد هذه الكتائب في تزايد مستمر وفي كل يوم تحصل في ما بينها تحالفات جديدة أو إنشقاقات وفي بعض الأحيان مواجهات مسلحة. حتى المنظمات الإغاثية والطبية صارت بأمس الحاجة  إلى تنسيق وتنظيم أكثر من أجل رفع مستوى فعاليتها. أما ما زاد المشهد في المناطق المحررة تعقيدا هو دخول بعض الجماعات المسلحة مثل "جبهة النصرة" و "دولة العراق وبلاد الشام الإسلامية" إلى هذه المناطق. 
على الصعيد الخارجي تم عقد مؤتمرات دولية عديدة تحت عنوان "أصدقاء سورية" وتبين لنا بأن أغلب الدول والمنظمات التي شاركت في هذه المؤتمرات هي صديقة الشعب السوري بالأقوال وليس بالأفعال ومنهم من أصبحنا نحتار بأمره ولا نعرف هل هو صديق أم عدو للشعب السوري ومنهم من صار يطعن الثورة السورية بظهرها. على الثوار أن لا يعلقوا آمالا كثيرة على المسرحيات التي ستعرض عليهم مثل مسرحية "مؤتمر جنيف2" أو مسرحيات أخرى مشابهة لها على شكل لقاءات أو مؤتمرات غير مفيدة وهي ليس إلا مضيعة للوقت. عندما يتم تشكيل الحكومة الإنتقالية سيتبين لنا من هو الصديق الحقيقي للثورة ومن هو الذي تلبّس بثوب الصداقة ولا يعمل إلا لمصلحته الخاصة. على الدول الصديقة أن تعترف بالحكومة المؤقتة مباشرة وتقوم بطرد سفراء "النظام" وتعيين عوضا عنهم سفراء من قبل الحكومة المؤقتة. بعض الدول ترى خطورة في تشكيل الحكومة المؤقتة على وحدة الأراضي السورية ولا تريد أن تقف أمام مثل هكذا حالة محرجة والتي ربما تتطلب منها إتخاذ إجراءات مكلفة, فلهذا تقترح تشكيل "هيئة تنفيذية" عوضا عن الحكومة المؤقتة. 
الهيئة التنفيذية هي أقل مستوا وإعتبارا من الحكومة المؤقتة من الناحية البروتوكولية وسيكون تمثيلها في المحافل الدولية وفي حالات التفاوض مع دول أخرى منخفضا. من المعروف بأن اللقاءات بين الوفود الرسمية تتم عادة بنفس المستوى أي يعني رئيس وزراء مع رئيس وزراء أو وزير مع مثيله من الطرف الآخر. فالتمثيل على مستوى حكومة سيرفع مستوى المفاوضات والإلتزامات عند الطرفين. عندما يتم تشكيل الحكومة المؤقتة فإنها ستقوم بإجراء مفاوضات عالية المستوى وبتوقيع عقود دولية وبطلب قروض من أجل إعادة بناء سورية وجلب الإستثمارات إليها وكذلك تسليح المعارضة. الحكومة المؤقتة تستطيع كذلك أن تنزع من "النظام" ورقته الضاغطة التي يستخدمها ضد المعارضة السورية في الخارج وهي تسيير معاملات المواطنين في السفارات السورية وتمديد جوازات السفر المنتهية صلاحياتها أو إصدار جوازات سفر جديدة للمواطنين السوريين في الخارج. 
على الصعيد الإقتصادي يتصرف "النظام" في سوريا على مبدأ "من بعدي الطوفان" فهو يهدر خيرات وثروات سوريا ويبيع البلد ومستقبل الأجيال القادمة إلى قوى خارجية صديقة له ويعيث بالمخزون الإحتياطي من العملة الصعبة ويطبع العملة السورية دون رصيد مقابل لها لكي يسد عجزه المالي في داخل البلاد وفي المقابل يتم كذلك هدر موارد كثير في المناطق المحررة ومنها البترول وكهرباء السدود والرسوم الجمركية.
في المعارضة السورية يوجد مجموعات وأشخاص معينة تتخوف من "سرقة" الحكومة الإنتقالية منها بعض الأضواء إذا ما تم تشكيلها وتصبح هي ليست المخاطب الرئيسي للعالم الخارجي ومحط أنظاره, فلذلك هي تعارض تشكيل الحكومة المؤقتة. المعارضة السورية لا تحتاج إلى معارضة إضافية في داخلها وبسبب فقدان التفاهم في ما بين أطيافها تعاني الثورة السورية من ذلك بشكل عام والمناطق المحررة بشكل خاص وكأن المعارضة السورية في الخارج تأكل الحصرم والأهالي في الداخل يتضرسون. من أجل أن يكون للحكومة المؤقتة حظ كبير في النجاح, يجب عليها أن تضم كل أطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج. 
تشكيل الحكومة المؤقتة أصبح شيئا ملحا للغاية لأن الوضع الراهن لم يعد يحتمل الإنتظار وحالة التوتر والتذمر التي يعيشها المواطن في المناطق المحررة تزداد يوما بعد يوم. إن لم يتم إيجاد حلول للمشاكل العالقة هناك, فإن ردة الفعل ستكون مفجعة وربما قاتلة للثورة السورية. المقر الرئيسي لهذه الحكومة يجب أن يكون في الأراضي المحررة لتكون الحكومة قريبة من المواطن وتشعر بآلامه ومعاناته اليومية بشكل مباشر. نحن نعلم بأن عمل هذه الحكومة سيكون صعبا جدا ومليء بالعثرات والمخاطر وإحتمالات فشلها ليست قليلة ومدى نجاحها أو فشلها يتوقف على الدعم المادي والتقني والشعبي والسياسي الذي سيتوفر لها من كل أطراف المعارضة السورية وكذلك من دول صديقة وداعمة. فلهذا أصبح تشكيل حكومة المعارضة السورية المؤقتة خطوة لابد منها.
جمال قارصلي / نائب ألماني سابق من أصل سوري

CONVERSATION

0 comments: