وقال أدونيس لصحيفة الرأي "على الرئيس الأسد أن يفعل شيئاً. إذا تصورت نفسي مكانه اترك السلطة (...) الأسد قادر على إجراء الإصلاح (...) وأقل شيء يمكن أن يفعله الاستقالة من منصبه".
وأكد أدونيس أن "المجتمع لا دين له، دين المجتمع هو حقوق الإنسان وحرياته وليس الكنيسة أو الخلوة أو الجامع". وأضاف إن "بنية المجتمع السوري بنية دينية في العمق وعلى جميع المستويات. هذا النظام يجب أن يسقط لكن القوة التي ستحل محله هي القوة الأكثر تماسكاً والأكثر حضوراً في الأوساط الشعبية، وهذه القوة هي قوة متدينة سواء في صفوف الإخوان المسلمين أو سواهم من التيارات الإسلامية". وتابع "ليس هناك قوة متماسكة تقدمية أو ليبرالية أو يسارية تستطيع أن تمسك بنظام جديد"، مؤكدا أن "أي مجتمع عربي في الإطار التاريخي والحالي لا أثق به كثيراً ولا يعني لي شيئا إذا لم يكن قائما على فصل الدين عن الدولة".
وكان أدونيس دعا في حزيران الماضي الرئيس السوري إلى أن "يفتدي" أخطاء تجربة حزب البعث الحاكم وأن "يعيد الكلمة والقرار إلى الشعب السوري".
وقال أدونيس، وهو شاعر سوري اسمه الحقيقي علي أحمد سعيد أسبر، في "رسالة مفتوحة" نشرها في صحيفة السفير اللبنانية "حزب البعث العربي الاشتراكي لم ينجح في البقاء مهيمنا على سورية بقوة الإيديولوجية وإنما بقوة قبضة حديدية أمنية".
ومع كل الاحترام للشاعر أدونيس لدعوته المحقة والصادقة للرئيس بشار الأسد لتقديم استقالته لحقن دماء السوريين والنزول عند رغبتهم برحيله، ودعوته لبشار بأن يفتدي أخطاء تجربة حزب البعث الحاكم وأن يعيد الكلمة والقرار للشعب السوري، مؤكداً في لقاء سابق مع جريدة السفير اللبنانية أن "حزب البعث لم ينجح في البقاء مهيمناً على سورية بإيديولوجيته وإنما بقوة القبضة الأمنية".
وإذا ما كانت دعوة الشاعر أدونيس هذه تنطلق من صدى المطالب الشعبية السورية الثائرة وتناغماً معها، فإن طلبه إلى قوى المعارضة إلى الابتعاد عن الفكر الديني وإصراره بقوله: إن "أي مجتمع عربي في الإطار التاريخي والحالي لا أثق به كثيراً ولا يعني لي شيئاً إذا لم يكن قائماً على فصل الدين عن الدولة". هو نوع من الإقصاء الذي تبناه نظام الحكم في سورية منذ تسلق مجموعة من ضباط حزب البعث المغامرين جدران السلطة في دمشق على ظهر دبابة ضالة أدارت ظهرها للعدو الصهيوني في الثامن من آذار عام 1963 وأمسكت بعنق السلطة بقوة البندقية والبسطار، والهيمنة على الدولة والمجتمع السوري بقوة المادة الثامنة من الدستور، الذي فصّله الرئيس الراحل حافظ الأسد على مقاسه ومقاس حزبه، والتي تقول بأن حزب البعث هو القائد والموجه للدولة والمجتمع.
أدونيس وهو يطالب المعارضة بالابتعاد عن الفكر الديني ينسى أن الشعب السوري بفطرته شعب متدين يتمسك بأهداب الدين وقيمه ومثله وسلوكه، الذي يحول بين المواطن السوري والانزلاق في مستنقع الفساد والرذيلة والانحراف، الذي كان ديناً وسلوكاً متبعاً ومقنناً من قبل النظام الحاكم في سورية لنحو نصف قرن، جر البلاد إلى الهزائم والانكسارات والفقر والتخلف واحتكار السلطة والمال، والبهيمية في التعامل، وهذا ما جعل الشعب السوري ينتفض ويثور مطالباً بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والدولة المدنية التي يتساوى فيها كل الناس بغض النظر عن العرق أو الدين أو الطائفة أو المذهب أو المعتقد، فهوية المواطنة من حق الجميع.
أدونيس يعترف في مقابلته أن "بنية المجتمع السوري بنية دينية في العمق وعلى جميع المستويات"، ويؤكد أن "هذا النظام يجب أن يسقط لكن القوة التي ستحل محله هي القوة الأكثر تماسكا والأكثر حضوراً في الأوساط الشعبية، وهذه القوة هي قوة متدينة سواء في صفوف الإخوان المسلمين أو سواهم من التيارات الإسلامية".
من هنا فإنني أجد الشاعر أدونيس قد وقع في تناقض عجيب، فهو يدعو المعارضة السورية إلى الابتعاد عن الفكر الديني من جهة، ويقر من جهة ثانية أن بنية المجتمع السوري بنية متدينة في العمق وفي جميع المستويات، وكأنه في دعوته للمعارضة الابتعاد عن الفكر الديني يدعوها إلى الانسلاخ عن قيمها ومثلها التي تمسكت بها لقرون طويلة، لم تحل بينها وبين قيادتها للحضارة الإنسانية ببصماتها التي لا تزال حاضرة إلى اليوم في كثير من مناحي الحياة في مشرق العالم ومغربه، وأن ما حل بها من انحدار وانحطاط وذبول مرده إلى تخلي حكام هذه الأمة وأهل القرار فيها وبعض نخبها ومفكريها ومثقفيها عن هذه المثل وهذه القيم، واستبدالها بتبني قيم وافدة أخذوا منها القشور دون المحتوى والمضمون، فلا فازوا بما لدى الآخرين من حضارة ومدنية وعلوم، ولا أبقوا على مثلهم وقيمهم وأخلاقهم، فجعلوا مجتمعاتهم مجتمعات أمية جاهلة مقلدة ومستهلكة وعالة على الآخرين.
0 comments:
إرسال تعليق