بغداد عاصمة الرشيد والمجد التليد تغنى بها الشعراء وطرزتها فيروز برائعتها وأم كلثوم بمناداتها وسكر ابؤ نؤاس بعشقها وروضت شهرزاد شهريار بأجوائها وبقى دجلة على مر الزمان شريانها يحمل ألامها وأعبائها وحزنها وضحايا العنف الذي مر عليها عبر الأزمان المتعاقبة وشموع نذور نسائها في لياليها المقمرة والمظلمة لتعزف من خلال أصوات الطيور شجين الحزن....بغداد بنائها المنصور لتكون منصورة على كل عاديات الزمن بتجددها في عشق الحياة لتكون مدينة نابضة بالفرح والشعر والأدب والفنون . كانت بغداد منصهر حقيقي لكل القوميات والأديان لتخرج في أبهى صورة فكان كل من سكنها تسمى بالبغدادي والتبغدد من خلالها اسم أصبح مرادف للكرم والجمال واللباقة فكان فيها الصابئ هو مدير تشريفات قصورها والمسيحي هو طبيبها واليهودي هو صرافها والفارسي هو مطربها وتاجرها والأفغاني مفتيها السلجوقي شرطيها لتطلق للعالم في حينها حضارة متميزة جاهزة بقت منيرة للآخرين حتى وقتنا الحاضر . وكما لبغداد صفة أخرى هي صدى المتوجعين والمظلومين على ارض الضاد فمنها خرج المعتصم بجيشه الجرار على صرخة امرأة وصل صداها على قصره في دجلة ليحررها من براثن الأسر وكان صدى فلسطين واحتلالها وبور سعيد وصرخات جميلة بوحيرد تتردد على السنة البغداديين المنتخيين لأصوات المظلومين فطرزت شوارعها وإحيائها بأسماء مدن عربية مثل عدن وصنعاء والقاهرة وبيروت والمغرب والجزائر وجميلة بوحيرد وجمال عبد الناصر والكويت والإمارات ودبي وغيرها من المسميات .
كما إن لبغداد دور مهم في صهر المحتلين والحكام الأجانب فهولاكو عشق بغداد بعد إن دمرها وشرع ببنائها من جديد واسلم حفيده تيمورلنك وكذلك السلاجقة وال عثمان فكم والي أتى لبغداد مقهورا لنقله لبغداد ليعشقها ويتعلم منها الكثير ويساهم بأعمارها وبعدها يصبح رئيس وزراء أو وزيرا في اسطنبول .....
إن بغداد أيضا كانت منطلق لمشاريع متعددة منذ الأزل ففي العصر الحديث كانت بغداد مكان لمشروع نهضوي لو توفرت له الظروف الحقيقة لأصبح مثال يحتدى به وهو حلف بغداد ولأصبح مشروع شراكة اقتصادية عسكرية مشابه للاتفاقية الحلف الأطلسي والذي انبثق منه الاتحاد الأوربي الحالي , وبغداد كانت مكان انعقاد الموتمرات القومية على مستوى الاتحادات المختلفة وعلى النطاق الأدبي والعلمي والشعبي. وبخصوص القمة العربية لبغداد تاريخ ثنائي, الأول في سنة 1979 بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية وزيارات السادات لإسرائيل وذلك لدفع العراق باتجاه إن يكون حارس البوابة الشرقية وخوض حرب بالنيابة ضد الجارة إيران ومنعها من تصدير الثورة عبر اثارة الصراع القومي التاريخي وتعطيل دور مصر وذلك لوجود شخصية طامحة وحالمة بشخصية البطل القومي خليفة جمال عبد الناصر علما ان كان رئيس الدورة البكر وقتها وكان صدام حسين رئيس وفد العراق وقد بداء الأعلام البترودولاري و الأجنبي الامريكو صهيوني بتمجيد البطل الأسطورة وترسيخها في العقلية العربية الحالمة بعودة الأمجاد التاريخية وهنالك نشاء ستة أصنام تحاول تقديس نفسها(صدام-الملك حسين-الأسد-حسني مبارك-عبدا لله صالح-ألقذافي) هولاء كانوا يتلاعبون بعقول الجماهير بخطابتهم الرنانة الفارغة في تمجيد الصنمية المقيته في الرئاسة الأزلية, وألان يمكن إن نطلق عليها تاريخيا قمة استحضارات الأصنام والحرب ,
والقمة الثانية قمة بغداد 1990 وهي التي ألان نسميها قمة الطلاق العربي للعراق وهي قمة بعد إن خرج العراق نازفا من حرب ضروس خسر فيها الشعب العراقي اعز شبابه واقتصاده المثقل بالديون وجيوش الأرامل والأيتام والاقتصاد المثقل بالديون وبعدها بداء النزف العربي في احتلال الكويت وما تبعه من تحديات أخرى في وقوف العرب متفرجين على مذبحة أول ربيع عربي وهو الانتفاضة الشعبانية التي رافقت الانسحاب العراقي من الكويت ومن حصار ظالم وغاشم دا خلي وخارجي ساهم في محاولة تركيع الشعب العراقي وترويضه مع حصار إعلامي عربي على الواقع العراقي عبر اعلاميوا كوبانات النفط .
إن بغداد بعد إحداث 2003 من الاحتلال الأمريكي والفوضى الخلاقة الأمريكية في خلط الأوراق الطائفية والاثنية والقومية في إنشاء ديمقراطية تحبوا كطفل رضيع مصاب بالكساح لأنها فاقدة لأهم شروطها وهو عدم توفر العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات.ورغم هذا المخاض العسير وما رافقه من تباكي الأصنام السداسية او خلفائهم على القائد المنتظر مهدم التوحد القومي والمساهمة في تأجيج العنف الدموي في العراق بحجة دعم المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي , ولكن بغداد صورة العراق أبت على كل رغم التضحيات في إسقاط المشروع الامريكو صهيوني في التقسيم و التجزئة وكان حساب البيدر يختلف كثيرا عن حساب الحقل مما ساهم في الانسحاب السريع للجيش الأمريكي باتفاقية مشرفة حفظت للعراق وبغداد حريتها وهيبتها على مر الزمان في أول جلاء حقيقي منذ الحرب العالمية الثانية من بلد محتل رغم مازالت دول كبرى رغم عراقتها لازالت محتلة ومكبلة باتفاقيات وقواعد مثل ألمانيا واليابان.
ورافق هذا الانسحاب أيضا بداية ما يسمى الربيع العربي في إسقاط أصنام الشر أو الدومينوا بالتتابع في موعد تأجيل قمة بغداد وقد أطلق عليهم مسبقا ضحايا لعنة قمة بغداد أو لعنة بغداد نعم لعنة بغداد على ما اصا بها من أذى من تدخلات وتصريحات هولاء فلعنتهم في تاريخهم وأبت إن تستقبلهم,
ولكن إن على بغداد في هذه القمة الثالثة مسو ولية عظيمة في وضع النقاط على الحروف ووضع اليد على الجرح لأنها قمة بين جيلين من الحكام, حكام متوارثون الحكم في دول غنية مستقرة شعوبهم في ظل رفاهية مقبولة , وحكام جدد(اغلبهم خلفياتهم إسلامية ثورية) جاؤ عبر صناديق الاقتراع من شعوب فقيرة مقهورة كانت تحت ظل ديكتاتوريات وسلطة البوليس والأمن وسلب الحريات واغلب أبنائهم مهاجرون في أصقاع الأرض ومنهم في هذه الدول الغنية التي اشرنا لها في البداية, وفي ظل قوة محتلة ترسخت عبر قرن من الزمن وفرضت نفسها كقوة واقعية يجب التعامل معها على أساس ذلك كواقع حال.
وبلدان محيطة متشابه في الديانة والظروف وطامحة في إعادة أمجاد الماضي في السيطرة والاستثمار الاستحماري وهي تركيا وإيران وإثيوبيا وتشاد وهي تسيطر على منابع ثروة حقيقة وهو الماء والأنهر للمنطقة مع التداخلات السكانية والاثنية والقومية, وقوة أخرى تريد فرض ديمقراطية جاهزة تحت ظل ما يسمى في حقوق الإنسان وطامعة في دفع مخالبها عبر وسائل مختلفة لفرض السيطرة على المنطقة.
إذا في خضم هذه التحديات يجب على قمة بغداد على الان بداية مشروع نهضوي عبر الحكومات المنتخبة الداخلة في نادي الديمقراطية , وعلى الساسة والقادة العرب ان يعوا ان الجماهير تراقبهم فقد ملوا الخطب البهلوانية القذافية أو الكابوويية الصدامية آو التحررية الاستعبادية الاسدية او الخطب السعودية نحو مشروع التركيع الأمريكي ان على الخطاب العربي المنتظر ان يلبي مطامح الجماهير في نشر الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر والبطالة عبر تفعيل اتفاقيات العمل العربي المشترك والسوق العربية المشتركة وإيجاد صورة حل تفاوضية موحدة ضد إسرائيل في تمكين الشعب العربي الفلسطيني في نيل حقوقه ضمن القوانين الدولية وإبعاد المنطقة عن الصراع العسكري المستمر وكذلك إيجاد سبل للتعاون مع الدول الجارة مثل تركيا وإيران وإثيوبيا وتشاد والنيجر ومالي ومع الاتحادات العالمية وأمريكا من خلال خطاب موحد يعزز معنى الوحدة الموسساتية للمنظومة العربية الموحدة .
إن على قمة بغداد التأكيد على التنمية المستدامة التي تعتبر أساس المحافظة على الديمقراطية الوليدة التي تسمو بالشعوب والحكومات نحو الرقي والازدهار.
إن انعقاد قمة بغداد هو إعلان رسمي لمكانة العراق في الحضن العربي لأخذ دوره بقوة لما في العراق من إمكانيات مادية وبشرية وفكرية قادرة على المساهمة الفعالة في ترسيخ وتفعيل العمل العربي المشترك وفيه إسقاطات تفشيل المشروع الأمريكي الطائفي الجديد على سياق الإسلام السياسي السني الشيعي والتي تراهن عليه دوائر القرار الأمريكي بقوة في المرحلة القادمة.
إن بغداد وهي تنهض من جراحها تفتح اذرعها بكرمها المعهود لأشقائها العرب حكومة وشعوبا وتبقى بغداد ترتسم بداية طريق الانصهار القومي من خلال ترؤس رئيس جمهورية العراق الكردي موتمر القمة العربية لتعطي درسا أخر أنها تصهر كل الجزئيات في سبيل الرقي الإنساني والازدهار .
0 comments:
إرسال تعليق