قلة من يعرفون أن روسيا القيصرية هي شريكة لكل من بريطانيا وفرنسا في تقسيم بلاد الشام بما عرف بمعاهدة (بطرسبورغ) (سايكس بيكو لاحقاً بعد انسحاب روسيا منها) التي تم الاتفاق عليها بين الدول الثلاث في ربيع عام 1915 في لندن وباريس، بحجة إنقاذ الأمم الخاضعة للدولة العثمانية وتقسيمها إلى مناطق نفوذ فيما بينها، وجاء فيها:
"ولما كانت الأكثرية الساحقة من أبناء هذه البلاد راغبة جد الرغبة في الخلاص من تحكم الحكومة الحاضرة، ولما كان الواجب يقضي بضرورة العمل على تدريب هذه الشعوب فقد تقرر ما يأتي:
المادة الأولى: تتعهد فرنسا وبريطانيا وروسيا فيما بينها بأن تعمل يداً واحدة في سبيل إنقاذ البلاد العربية وحمايتها وتأليف حكومة إسلامية مستقلة فيها تتولى بريطانيا مراقبتها وإدارتها.
المادة الثانية: تتعهد الدول المتعاقدة بحماية الحج وتسهيل سائر السبل المؤدية إلى مرور الحجاج وعدم الاعتداء عليهم.
المادة الثالثة: تقسم البلاد العثمانية إلى مناطق نفوذ بين الدول المتعاقدة على الوجه الآتي:
منطقة نفوذ روسيا:
أولاً: تنال روسيا المناطق التالية:
أ-ولايتي أرضروم وبتليس والمناطق التابعة لها.
ب-الأراضي الكائنة جنوبي كردستان وتمتد على خط من ولاية موش إلى سعرد، ومن هناك ينحدر إلى جزيرة ابن عمر ثم تتبع خطاً مستقيماً إلى العمادية ومنها إلى الحدود الإيرانية.
ج-تتجه نقطة الحدود هذه من موش شمالاً إلى البحر الأسود فتدخل طرابزون في سمتها.
د-تنتهي نقطة حدود روسيا على البحر الأسود شرقي طرابزون في نقطة تحدد فيما بعد.
ه-تخضع هذه الأراضي خضوعاً تاماً إلى حكومة صاحب الجلالة قيصر روسيا وتعتبر من ممتلكاته".
تم الوصول إلى هذه الاتفاقية بين تشرين الثاني من عام 1915 وأيار من عام 1916 بمفاوضات سرية بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، وكانت على صورة تبادل وثائق تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك. تم الكشف عن الاتفاق بوصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا عام 1917.
وتم – كما هو معروف - تقسيم الهلال الخصيب بموجب الاتفاق، بحصول فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال (سوريا ولبنان) ومنطقة الموصل في العراق. أما بريطانيا فأمتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعا بالاتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سورية. كما تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا. ولكن الاتفاق نص على منح بريطانيا مينائي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الاسكندرونة الذي كان سيقع في حوزتها.
اليوم وبعد ما يقرب من مئة عام يعاود موسكو الحنين إلى عهدها القيصري وتحقيق ما يمكن تحقيقه من مكاسب في المنطقة العربية، في محاولة منها للعب دورها القيصري الذي تخلت عنه أيام الحقبة الشيوعية، لإثبات وجودها على الساحة الدولية كقوة عظمى، حيث وجدت في النظام السوري المتهالك الأداة الطيعة لفرض واقع جديد على المنطقة من خلال سعيها الحثيث إلى تقسيم سورية المثخنة بالجراح إلى دولتين في غياب الإرادة العربية ولا مبالاة المجتمع الدولي المرتهن للمصالح الإسرائيلية، وما يؤكد هذه النوايا تصريحات وزير الخارجية الروسي لافروف من أن هناك دولاً تسعى لفرض حكومة سنية في سورية يخشى من أن تكون متطرفة تعمل على استئصال الأقليات المسيحية والكردية والدرزية والعلوية والشيعية، وأن على روسيا أن تقف موقفاً أخلاقياً وإنسانياً لمنع وصول السنة للحكم في سورية حفاظاً على هذه الأقليات بزعمه، كما فعلت روسيا القيصرية عندما وضعت يديها بيد فرنسا وبريطانيا لاقتسام تركة الرجل المريض "الدولة العثمانية" بحجة حماية المناطق التي كانت تتبع الدولة العثمانية وحماية للأقليات التي تعيش فيها.
وكشف سفير روسيا في تل أبيب سيرجي يعقوبييف، في لقاء صحفي أجرته معه (محطة المستوطنين)، عن نوايا الحكومة الروسية الخبيثة حيال سورية، وقد قدم لسائليه ما لدى الدبلوماسية الروسية من مشروع لتقسيم سورية على أساس طائفي وقال في هذا اللقاء: "هناك مشروع لتقسيم سورية لدولتين علوية على الساحل وسُنّية في الداخل". وقد نقلت قناة العربية هذا اللقاء المهم والخطير على شاشتها يومَيْ الخميس والجمعة 1 و2/3/2012م.
موسكو في لعبتها الجديدة هذه تهدف إلى الحفاظ على حليفها الاستراتيجى بشار الأسد حتى وإن اضطرها الأمر إلى العمل على تقسيم سورية وتفتيتها، وهي ترى بيته يتآكل يوماً بعد يوم، وبذهابه سيكون ضياع كل ما بنته موسكو من مصالح وقواعد في منطقة الشرق الأوسط، وقد وضعت بيضها كله في سلة هذا النظام المتهاوي، الذي تمده بالسلاح والعتاد والمعلومات الإستخبارية واللوجستية وتشجعه على التغول في قمعه للشعب السوري، وارتكاب أفظع الجرائم بحق الثائرين والمنتفضين المطالبين بالحرية والكرامة، وإلا ما يضرّ روسيا قيام دولة "سنية" فى سورية وهم يشكلون 80% من سكانها إذا ما اختار ذلك الشعب السورى بإرادته الحرة والمستقلة، وعبر انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، والسنة طوال تاريخهم فى سورية ومنذ الفتح الاسلامى وهم يتعايشون مع باقي الطوائف فى سورية بكل الاحترام والحب والود دون إقصاء لأحد أو التمايز في الحقوق والواجبات، ولم يتوقف الأمر عند مستوى التعايش فقط بل وصل العديدين من أفراد هذه الأقليات إلى أعلى المناصب الحكومية والعسكرية والدينية والاجتماعية في الدولة، وتقلد أحد المسيحيين، وهو فارس الخوري، منصب رئيس وزراء، ومنصب رئيس مجلس النواب، وحمل حقيبة وزير الأوقاف، وعين مندوباً لسورية لدى الأمم المتحدة بعد استقلالها عن فرنسا، ولم يسجل التاريخ أية حوادث طائفية في سورية، ولم يقم أبناء السنة بأى سلوك يضرّ بالوحدة الوطنية والتعايش السلمي عبر التاريخ الطويل، كما أن السنة فى سورية معتدلون ويتّسمون بالوسطية، وأن المخاوف التى يحاول الوزير الروسى إثارتها غير مبررة وغير مقنعة ولا تستند الى وقائع حقيقية، وأن الغريب أن تأتى من وزير خارجية دولة تحمل أسوأ سجل فى مجال حقوق الانسان فى العالم وتمارس سياسة التطهير العرقى والدينى ضد الأقليات داخل روسيا كما يحدث فى الشيشان والأنغوش ومناطق كثيرة فى روسيا، وأن هدف مخططات روسيا في سورية تصب في خدمة إسرائيل، التي ما فتئ قادتها يناشدون أمريكا وأوروبا بالكف عن الضغط على بشار الأسد الذي حافظ على ما التزم والده به حيال أمن إسرائيل وسلامة حدودها الشمالية لنحو أربعين سنة.
أخيراً أتمنى على العرب ان يفطنوا إلى ما تخطط له موسكو وبمباركة من تل أبيب، فتقسيم سورية يعني اقتلاع اللبنة التي جعل منها المهندس (سنمار) تفكك وانهيار قصر النعمان الخورنق، ولات ساعة مندم!!
0 comments:
إرسال تعليق