في يومٍ من الأيام حزم جحا وابنه أمتعتهم وقصدوا المدينة المجاورة راكبين ظهر الحمار الذي لا يملكون سواه، وفي الطريق مروا على قريةٍ صغيرة فأخذ الناس ينظرون إليهم بنظراتٍ غريبة ويقولون "أنظروا إلى هؤلاء القساة يركبون معاً على ظهر الحمار ولا يرأفون به"، وعندما أوشكوا على الوصول إلى القرية الثانية نزل الابن من فوق الحمار وسار على قدميه لكي لا يقول عنهم أهل هذه القرية كما قيل لهم في القرية التي قبلها، فلما دخلوا القرية رآهم الناس فقالوا "أنظروا إلى هذا الأب الظالم يدع ابنه يسير على قدميه وهو يرتاح فوق حماره"، وعندما أوشكوا على الوصول إلى القرية التي بعدها نزل جحا من الحمار وقال لابنه اركب أنت فوق الحمار، وعندما دخلوا إلى القرية رآهم الناس فقالوا "أنظروا إلى هذا الابن العاق يترك أباه يمشي وهو يرتاح فوق الحمار"، فغضب جحا من هذه المسألة وقرر أن ينزل هو وابنه من فوق الحمار حتى لا يكون للناس حجة عليهما، وعندما دخلوا إلى المدينة ورآهم أهل المدينة قالوا "أنظروا إلى هؤلاء الحمقى يسيرون على أقدامهم ويتعبون أنفسهم ويتركون الحمار خلفهم يسير لوحده"!!
وهكذا هو حال البعض من منظري دكاكين السياسة الذين لا يعجبهم العجب ولا الصوم برجب، حتى بات ارضاءهم غاية لا تدرك!!
استقلت سورية عن فرنسا عام 1945 ولمّا تنفض غبار الانتداب عن كاهلها حتى انقض العسكر على الحكم بعد أربع سنوات من عمر الاستقلال، وتناوبوا على حكم سورية نحو ست سنوات (حسني الزعيم، ثم سامي الحناوي، ثم أديب الشيشكلي لمرتين)، ليتركوا الحكم مرغمين عن طريق انقلاب عسكري، وتعود إلى سورية الشرعية والحكومة المدنية عبر انتخابات حرة ونزيهة وتعددية حزبية، ولمّا تمض ثلاث سنوات على الحياة الديمقراطية والتعددية الحزبية حتى أقدم العسكر على انقلاب أبيض تحت يافطة شعار الوحدة السورية-المصرية، وحقيقة الأمر أن هدف هؤلاء لم يكن تحقيق الوحدة ولكن طمعاً في اقتسام الإقليم الشمالي (سورية) فيما بينهم في ظل الحكم الجديد، فقامت الوحدة عام 1958 وتنازل الرئيس شكري القوتلي عن الحكم لجمال عبد الناصر، وهمس في أذنه قائلاً: لقد سلمتك الأمانة أعانك الله على تحملها فقد صار لديك ثلاثة ملايين زعيم!!
وعندما وجد هؤلاء الذين تباكوا على قيام الوحدة أنهم خرجوا من المولد بلا حمص بدأوا في حوك المؤامرات لفصم عرى الوحدة حتى تمكنوا منها بعد أقل من ثلاث سنوات لتعود سورية.. سورية ومصر.. مصر، وينفرط عقد الجمهورية العربية المتحدة الحلم الذي راود ملايين العرب من المحيط إلى الخليج، ويستحكم العداء والتنافس بين نظامي البلدين "الناصري والبعثي" لسنوات طويلة.
اليوم وبعد نصف قرن من حكم الاستبداد والفساد انتفض الشعب السوري ثائراً على هذا النظام الباغي، ومرت ثورته – ولا تزال – بظروف صعبة لا تتحملها الجبال الراسيات، مقدماً عشرات الآلاف من الضحايا ومئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين، وأضعافهم من المهجرين في دول الجوار وملايين النازحين داخل البلاد، يرافق كل ذلك تدمير ممنهج للمدن والبلدات والقرى وتسوية أحيائها بالأرض، أمام مرآى من المجتمع الدولي المنقسم حيال ما يجري في سورية، والمتفق ضمناً على تحطيم الدولة السورية بكل مكوناتها المجتمعية والمؤسساتية والعمرانية والحضارية والإنسانية، حتى باتت الثورة السورية ثورة يتيمة بكل المقاييس لا بواكي لها!!
الثقافة الديكتاتورية التي عاشها الشعب السوري لنصف قرن انعكست على سلوكه وتفكيره، فكل واحد يعتقد أنه الصح وغيره الخطأ وأنه الوطني وغيره الخائن وأنه الفهيم وغيره البهيم وأنه المؤهل لقيادة المرحلة وغيره لا يصلح لذلك وقس على ذلك في كل المجالات.
ما دفعني إلى كتابة ما كتبت ما تمخضت عنه إعادة هيكلة المجلس الوطني السوري الذي جمع العدد الأكبر من القوى الفاعلة في معارضة الداخل والخارج، وما تم من انتخابات ديمقراطية داخل صفوفه لاختيار هيئة تنفيذية تدير الصراع مع النظام في هذه المرحلة الصعبة توازياً مع ما يقوم به الجيش الحر على الأرض وما يحققه الثوار من انتصارات ومكاسب في مقابل تفكك النظام وتقهقر كتائبه يوماً بعد يوم في مجمل المدن السوورية حتى غدت هناك مناطق واسعة من سورية تحت سيطرة الجيش الحر وانكماش الوحدات العسكرية التابعة للنظام المتهالك، الذي عوض عن ذلك بلجوئه إلى زج الطيران الحربي في هذه المعركة لإطالة عمره وإلحاق أكبر الخسائر بالمدنيين الذين تنامى احتضانهم للثورة السورية وللثوار وأفراد الجيش الحر.
أقول تمت إعادة هيكلة المجلس الوطني وتم اختيار الهيئة التنفيذية عبر انتخابات شفافة وحرة ونزيهة لقيادة العمل في هذه المرحلة، كواجهة سياسية يتعامل معها المجتمع الدولي كممثل للثورة وللشعب السوري، وما وصل إليه المجلس الوطني لم يرق للكثيرين ممن خانهم الحظ في أن يكونوا في موقع المسؤولية التي لا يتمناها عاقل، ورحنا نسمع كلمات الطعن والتشكيك من هنا وهناك بشخوص من فازوا، يُشتم من ورائها طائفية مقيتة وحزبية رخيصة وإيديولوجية بيزنطية لا طائل من ورائها ولا تخدم إلا النظام الباغي وتطيل عمره، ومزيداً من سفك الدماء والعذابات والآلام لأهلنا الذين لا تغمض عيونهم ولا تسكن جوارحهم من مصير قادم الساعات والأيام المجهولة!!
أناشد الله كل إخواني - دون أي شك في وطنيتهم وإخلاصهم - أن يتقوا الله في هذا الشعب الذي يعطي من روحه ودمه ما لم يعطه شعب آخر بكل هذا السخاء الذي ما سبقهم إليه أحد، ويصبروا على إخوانهم الذين تصدوا لهذه المسؤولية الكبيرة ويعطوهم الفرصة ويكونوا عوناً لهم بما يملكون من عطاء وفكر وإبداع ونصح ومشورة، فالوطن بحاجة للجميع كل في مجاله وحسب إمكانياته، وعندما يتحقق النصر وتقوم في سورية الدولة المدنية المنشودة سيكون للجميع الفرص المتاحة كي ينافسوا على تبؤ المناصب التي يعتقدون أنهم يستحقونها عبر صناديق الانتخاب الحرة والنزيهة التي ستكون الفيصل بين الجميع.
وهكذا هو حال البعض من منظري دكاكين السياسة الذين لا يعجبهم العجب ولا الصوم برجب، حتى بات ارضاءهم غاية لا تدرك!!
استقلت سورية عن فرنسا عام 1945 ولمّا تنفض غبار الانتداب عن كاهلها حتى انقض العسكر على الحكم بعد أربع سنوات من عمر الاستقلال، وتناوبوا على حكم سورية نحو ست سنوات (حسني الزعيم، ثم سامي الحناوي، ثم أديب الشيشكلي لمرتين)، ليتركوا الحكم مرغمين عن طريق انقلاب عسكري، وتعود إلى سورية الشرعية والحكومة المدنية عبر انتخابات حرة ونزيهة وتعددية حزبية، ولمّا تمض ثلاث سنوات على الحياة الديمقراطية والتعددية الحزبية حتى أقدم العسكر على انقلاب أبيض تحت يافطة شعار الوحدة السورية-المصرية، وحقيقة الأمر أن هدف هؤلاء لم يكن تحقيق الوحدة ولكن طمعاً في اقتسام الإقليم الشمالي (سورية) فيما بينهم في ظل الحكم الجديد، فقامت الوحدة عام 1958 وتنازل الرئيس شكري القوتلي عن الحكم لجمال عبد الناصر، وهمس في أذنه قائلاً: لقد سلمتك الأمانة أعانك الله على تحملها فقد صار لديك ثلاثة ملايين زعيم!!
وعندما وجد هؤلاء الذين تباكوا على قيام الوحدة أنهم خرجوا من المولد بلا حمص بدأوا في حوك المؤامرات لفصم عرى الوحدة حتى تمكنوا منها بعد أقل من ثلاث سنوات لتعود سورية.. سورية ومصر.. مصر، وينفرط عقد الجمهورية العربية المتحدة الحلم الذي راود ملايين العرب من المحيط إلى الخليج، ويستحكم العداء والتنافس بين نظامي البلدين "الناصري والبعثي" لسنوات طويلة.
اليوم وبعد نصف قرن من حكم الاستبداد والفساد انتفض الشعب السوري ثائراً على هذا النظام الباغي، ومرت ثورته – ولا تزال – بظروف صعبة لا تتحملها الجبال الراسيات، مقدماً عشرات الآلاف من الضحايا ومئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين، وأضعافهم من المهجرين في دول الجوار وملايين النازحين داخل البلاد، يرافق كل ذلك تدمير ممنهج للمدن والبلدات والقرى وتسوية أحيائها بالأرض، أمام مرآى من المجتمع الدولي المنقسم حيال ما يجري في سورية، والمتفق ضمناً على تحطيم الدولة السورية بكل مكوناتها المجتمعية والمؤسساتية والعمرانية والحضارية والإنسانية، حتى باتت الثورة السورية ثورة يتيمة بكل المقاييس لا بواكي لها!!
الثقافة الديكتاتورية التي عاشها الشعب السوري لنصف قرن انعكست على سلوكه وتفكيره، فكل واحد يعتقد أنه الصح وغيره الخطأ وأنه الوطني وغيره الخائن وأنه الفهيم وغيره البهيم وأنه المؤهل لقيادة المرحلة وغيره لا يصلح لذلك وقس على ذلك في كل المجالات.
ما دفعني إلى كتابة ما كتبت ما تمخضت عنه إعادة هيكلة المجلس الوطني السوري الذي جمع العدد الأكبر من القوى الفاعلة في معارضة الداخل والخارج، وما تم من انتخابات ديمقراطية داخل صفوفه لاختيار هيئة تنفيذية تدير الصراع مع النظام في هذه المرحلة الصعبة توازياً مع ما يقوم به الجيش الحر على الأرض وما يحققه الثوار من انتصارات ومكاسب في مقابل تفكك النظام وتقهقر كتائبه يوماً بعد يوم في مجمل المدن السوورية حتى غدت هناك مناطق واسعة من سورية تحت سيطرة الجيش الحر وانكماش الوحدات العسكرية التابعة للنظام المتهالك، الذي عوض عن ذلك بلجوئه إلى زج الطيران الحربي في هذه المعركة لإطالة عمره وإلحاق أكبر الخسائر بالمدنيين الذين تنامى احتضانهم للثورة السورية وللثوار وأفراد الجيش الحر.
أقول تمت إعادة هيكلة المجلس الوطني وتم اختيار الهيئة التنفيذية عبر انتخابات شفافة وحرة ونزيهة لقيادة العمل في هذه المرحلة، كواجهة سياسية يتعامل معها المجتمع الدولي كممثل للثورة وللشعب السوري، وما وصل إليه المجلس الوطني لم يرق للكثيرين ممن خانهم الحظ في أن يكونوا في موقع المسؤولية التي لا يتمناها عاقل، ورحنا نسمع كلمات الطعن والتشكيك من هنا وهناك بشخوص من فازوا، يُشتم من ورائها طائفية مقيتة وحزبية رخيصة وإيديولوجية بيزنطية لا طائل من ورائها ولا تخدم إلا النظام الباغي وتطيل عمره، ومزيداً من سفك الدماء والعذابات والآلام لأهلنا الذين لا تغمض عيونهم ولا تسكن جوارحهم من مصير قادم الساعات والأيام المجهولة!!
أناشد الله كل إخواني - دون أي شك في وطنيتهم وإخلاصهم - أن يتقوا الله في هذا الشعب الذي يعطي من روحه ودمه ما لم يعطه شعب آخر بكل هذا السخاء الذي ما سبقهم إليه أحد، ويصبروا على إخوانهم الذين تصدوا لهذه المسؤولية الكبيرة ويعطوهم الفرصة ويكونوا عوناً لهم بما يملكون من عطاء وفكر وإبداع ونصح ومشورة، فالوطن بحاجة للجميع كل في مجاله وحسب إمكانياته، وعندما يتحقق النصر وتقوم في سورية الدولة المدنية المنشودة سيكون للجميع الفرص المتاحة كي ينافسوا على تبؤ المناصب التي يعتقدون أنهم يستحقونها عبر صناديق الانتخاب الحرة والنزيهة التي ستكون الفيصل بين الجميع.
0 comments:
إرسال تعليق