لقد هزتنى المشاعر الطيبة للأخوة المثقفين والكتاب والنشطاء الحقوقيين المسلمين على تضامنهم ومشاعرهم الطيبة لأخوتهم أقباط مصر ‘ أمام واقعة مسودة الدستور الأسود ‘ وخرجت علينا أقلام حرة صادقة تعبر عن خوفها على الأقباط من هذا المسمى دستورا لمصر ‘ ولقد عبرت أحدى الناشطات بتخوفها من تطفيش المسيحيين من مصر بإقرار هذا الدستور. وهذه المشاعر الطبيعية لشعب مصر فى أوقاتنا الحالكة اليوم ‘ قد يكون هو ماتبقى لنا فى ظلمة مقيته تقودها جماعات يدفعها غيرة طائفية وتعصب أعمى بأسم الإسلام ‘ وهم لا يعرفون أنهم يقدمون مصر كلها لحكم الإخوان المسلمين وجماعتهم ‘ ولذا جاء دستورهم ليقنن الخلافة الإسلامية ‘ أو الفاشية بأسم شرع الله .
وخرج المجتمع المصرى بغالبية شعبية يعلن رفضه لهذا المسمى دستورا ‘ والذى يتحدى مطالب الشعب الحقيقية نحو دولة مدنية تعيش بديمقراطية سياسية وبعدالة إجتماعية ‘ وهذا هو سبب قيام ثورة مصر إذا أسميناها ثورة ‘ ولكن يتضح لنا أن بلدنا اليوم مربوطة العينيين ومسحوبة لدكتاتورية مظلمة سيرمى بها فى قاع المدنيات فى عالمنا المعاصر‘ وكلنا ثقة أن شعبنا لن يفرط فى وطنه وفى حقوقه .
وأكثر ما هزنى مقال منشور بجريدة اليوم السابع يوم الجمعة الماضى بعنوان (سحق الأقباط بوقاحة " دستورية " !) للكاتب المحترم ناصر عراق ‘ والذى يعلن فيه غضبه الشديد على خروج مثل هذا الدستور "دون وجود أى ممثل عن أشقائنا الأقباط "‘ ويتعجب بكل صدق وبالنص" إذ كيف يعقل أن يصوغ دستورا لمجتمع يعيش فيه 13 مليون مسيحى تقريبا ‘ نحو سدس المصريين ‘ولا يزعجك انسحاب الأقباط اعتراضا على استبداد تيارات الإسلام السياسى التى تسيطر على الجمعية التأسيسية ؟ وكيف هان أشقاؤنا الأقباط على أعضاء الجمعية ‘فأنجزوا (دستورهم) المشبوه بضمير ميت وروح بليدة "
" أن تلغى وجود ملايين الأقباط وتقصيهم عن المشهد لهو أمر مشين وجنونى سيدفع ثمنه أولئك الذين إرتضوا الاستمرار فى جمعية لا تؤمن بضرورة التوافق التام عند صياغة الدساتير" ‘ ويستمر كاتبنا العملاق " أشقاؤنا الأقباط ..لا تحزنوا .. فملايين المسلمين الشرفاء من أشقائكم المصريين يضعونكم فى أكرم ركن فى قلوبهم .. أشقائنا الأقباط .. لن ننساكم!..
وأنا كقبطى أنحنى شكرا لما قاله كاتبنا العظيم ‘ فقد خرجت نبضات قلبه المحب ‘ عن أصاله وطنية نحو أشقائه الأقباط ‘ والذين يكنون نفس الحب والشعور للأشقاء المسلمين فى وطننا العزيز العريق مصر . وهذه المشاعر الحقيقية غير خافية على أحد فى وطننا ‘ وهى نفسها التى تقف حاجزا صلبا أمام جحافل وقوافل العبودية والجاهلية ‘ وسيمضى هؤلاء لمزبلة التاريخ ويبقى المصرى شعبا واحدا وقلبا واحدا ‘ ولن تؤثر فى رابطة الشعب المتينة مثل هذه التيارات الزاحفة من البادية الفكرية لتمحى برمالها حضارة هذا الشعب العريق ‘ ولن يتحقق هذا أبدا طالما بقى الشعب مسلميه وأقباطه فى رابطة أبدية يغلفها المواطنة الصادقة ‘ويربطها هوية طين مصر الخصيب ‘وبالمحبة الخالصة سيقاوم المجتمع جميع هذه التيارات‘ ويبقى شعب مصر بحضارته فى عيون المجتمع الدولى شعلة مضيئة لكل المسكونة.
وياعزيزى كاتبنا المحترم إسمح لى أن أقول لك أن الأقباط لن يسحقهم وقاحة هذا الدستور ‘ ولا أى دستور على وجه الأرض ‘ ولأنك قارئ للتاريخ ‘ولو قلبت صفحاته ‘لن يخفى عليك ‘ قوة الأقباط وكيف عاش القبطى على أرضه من آلاف السنين وحتى اليوم وإلى الأبد ‘ ولم تستطيع أى قوة من أعتى أمبراطوريات العالم أن تزحزحة عن أرضه ووطنه ‘ وتجربة الأقباط الفارقة هى حياته يشاركه المسلمين المصريين أرض وطنه مايقرب الآن عن 14 قرنا من الزمان ‘ وقد دفع أجدادنا الثمن الغالى بدمائهم وحياتهم وبما كانوا يملكون ‘ لنبقى نحن أحفادهم فى أرضنا حتى يومنا هذا ‘ ننموا ونثمر ونتزايد ‘ وبإيمان عقيدتنا المسيحية التى تجمع قوة هذه الإرادة الشعبية لجموع الأقباط ‘ وهانحن لا نتوقف عن المساهمة فى علو شأن بلدنا ‘بمشاركة فعلية مع أشقاؤنا المسلمين فى كل بقاع الآرض ‘ والتى هى صورة فريدة فى العلاقات البشرية للمجتمع الدولى ‘لأننا وفى ظل كل مراحل التاريخ الذى كان فى أغلب صفحاته ‘ متجاهل لوجود الأقباط ‘ متعمد إضطهادهم ومحاربتهم فى حياتهم الطبيعية فى مسكنهم الذين يعيشون فيه آلاف السنين ولم تستطيع قوة أن تخرجهم عن بلدهم ‘ وغريزة حب مصر فى قلوب الأقباط علاقة طبيعية مثالية لا مثيل لها ‘ وتجد القبطى يواجه بكل شجاعة وإصرار أوقات الأزمات وضيق الخناق ‘ ولكنه سرعان مايعود لبيته ‘ ويستقبله أشقائه المسلمين بألأحضان والقبلات .
وهل يخفى عليك ماعناه الأقباط طوال تاريخهم فى أرضهم مصر ‘ وسيكون تكرارا لو عددت لك كم المحتل الذى إغتصب بلدنا قرونا عديدة ‘ وتقلب على صفحات تاريخنا مالا يخطر على قلب شعب مثلنا من إضطهاد وظلم وإستعباد وقهر وقتل وسلب ‘ وإلى آخر سلسلة مامر علينا من محتل غاصب فى معاملته لشعبنا وعلى أرضه ‘ وكما لا يخفى عليك أيضا بدون مغالاة ماعناه الأقباط من الخلافات الإسلامية والولاة العرب وملوكهم وحكوماتهم المختلفة الجنسية ‘ والتى مرت علينا ومضت كلها لحال سبيلها وأين هم الأقباط بعد كل ذلك؟ ‘ موجودين على أرضهم راسخين أقدامهم عميقة جذورا متينة فى طين وطنهم ‘ وكنيستهم يعلوا شأنها‘ وهاهو الجميع يتعجب من إنتشار الكنيسة القبطية فى كل بلاد العالم ‘ ووصلت رسالتها إلى أبعاد جهات الأرض الأصلية ‘ ترفع صليبها لتعلن أنها كنيسة مصر الوطنية .
فياأشقاؤنا المسلمين مشاعركم الطيبة الوطنية عميقة فى نفوسنا ‘ نعيش جميعا بها فى حياتنا على أرض وطننا الحبيب ‘ وبهذه المشاعر التى تجلت على مدار التاريخ المصرى ‘والتى بها واجهنا معا كل المخاطر وكل أنواع الإحتلال ‘وبقينا معا فى وحدة وطنية خالدة ‘ فلا تحزنوا علينا ولا تخافوا على تطفيشنا من بلدنا ‘ وإذا حزنا فلنحزن جميعا معا على وطننا الذى يغتصب أمام أعيننا ‘ولن نقف مكتوفى الأيدى أمام هذه الهجمة الشرسة والعنيفة التى تزلزل أركان مصر اليوم ‘ وكلنا إيمان أن شعبنا العريق قادرعلى طرد هذا الغاشم والنصرة عليه ‘حتى تعود بلدنا بين يدينا جميعا كما تعودناها ‘ كأرض طيبة تمنحنا الحب والسلام والأمان ‘فإذا خفنا فلنخاف معا وإذا حزنا فلنحزن جميعا معا لأنه وطننا الذى لن نسمح لأحد بإغتياله أو إغتصابة من بين أيدينا ‘الوقت قريب وسنرفع معا أعلام النصر والحرية ‘والأيام بيننا.
0 comments:
إرسال تعليق