مجتمعنا العربي منشغل هذه الأيام بالانتخابات المحلية ، التي ستجري في الثاني والعشرين من شهر تشرين أول القادم . وتبدو صورة المنافسة الانتخابية على أشدها، وهنالك غليان وحراك شعبي واسع في بعض الأماكن ، بعد ان انتهى تقديم الترشيحات للرئاسة والعضوية ، واقترب موعد اجراء هذه الانتخابات .
وكما في انتخابات تزينت الشوارع والجدران العامة بصور المرشحين للرئاسة ، وكثرت الاعلانات والبيانات الانتخابية التي تحفل بشعارات لا رصيد لها . وتشهد المقرات الانتخابية الاجتماعات واللقاءات والنقاشات ، وأصبح الكل يتغنى بـ "التغيير " ، هذا الشعار الذي عم وطم ، وغدا كالمغناطيس لجذب الناس للتصويت ، وحتى الذين كان لهم دور اساسي في نمو وتفشي الفساد والمحسوبية في مجالسنا العربية يرفعون ايضاً شعار" التغيير" دون اي ذرة خجل ..!
ما يميز هذه الانتخابات هو الاصطفاف والاستقطاب العائلي والعشائري والطائفي ، وتهميش دور المرأة وعدم تخصيص اماكن مضمونة لها ، عدا عن غياب الطروحات السياسية والايديولوجية، وتهافت غير عادي وغير مسبوق على رئاسة السلطة المحلية ، حتى صار المرشح على استعداد للتحالف وعقد الصفقات مع الشياطين لأجل تحقيق الفوز والجلوس على الكرسي ..!
اللافت للنظر ان مجتمعنا يمر في أزمة عميقة ، اجتماعية وسياسية وفكرية وأخلاقية ونفسية ، وغارق حتى أذنيه في وحل العائلية ، وهذه الازمة تجد تعبيراً وتجسيداً لها في التفكك الاجتماعي ، والتقاطب الفئوي ، والعنف المستشري كالهشيم داخل كينونتنا ، فضلاً عن الرياء والنفاق والدجل والكذب والعهر السياسي والوعود المعسولة والانتهازية والابتزاز الرخيص ، ناهيك عن الانحدار الرهيب والمقلق في تراجع الخطاب السياسي الحزبي ونكوص الحزبية ، حيث ان الأحزاب والتنظيمات والتشكيلات السياسية التقدمية لم تعد تقوم بدورها الحقيقي بشكل فعال في محاربة العائلية والطائفية ، بل في كثير من الاحيان تغذيها وتعززها بهدف الكسب الانتخابي ، اضافة الى أن المثقفين والنخب الطليعية "الانتلجنسيا" لا يقومون بالدور المنوط بهم بشكل ثوري طليعي لاعتبارات كثيرة ، والكثير من مثقفينا وأكاديميينا يقفون على رأس القوائم العائلية ..!
ان قرانا ومدننا ومجالسنا المحلية العربية بحاجة لقيادات واعية وصاحبة رؤية مهنية وادارية ووطنية واضحة ، تحارب العائلية وتوطد اللحمة الداخلية ، وتعمق وتؤصل للمشروع الوحدوي حفاظاً على النسيج الاجتماعي ، وتتصدى للشرذمة والتفرقة والفساد والمحسوبيات والتمييز وكل الأشكال والمظاهر السلبية ، وتخطط لمشاريع المستقبل وتعمل على تنفيذها ، وتعزز الثقة بين الاهالي والسلطة المحلية من خلال اشراك الناس في التخطيط والتنفيذ ، وتطوير قرانا ومدننا وفق اسلوب عصري وحضاري منهجي .
لقد آن الاوان لكي نفهم قواعد وأسس اللعبة الانتخابية لتكن منافسة ديمقراطية وحضارية نزيهة وشريفة ، بعيداً عن الضغوطات والفرقة والتمزق الطائفي والعائلي المقيت ،ويجب ادانة ورفض كل ألوان وصنوف العنف السياسي والفكري ، التي ترافق عادة انتخابات السلطات المحلية، وعلى خلفيتها مثل اطلاق الرصاص على مرشحين ونشطاء سياسيين واجتماعيين ، وتمزيق صور المرشحين . فليتنافس المتنافسون ، ولنقبل بنتيجة الحسم الديمقراطي . ولا شك أن ثمة حاجة وضرورة ماسة لتحصين مجتمعنا وشبابنا الناهض من الآفات والأمراض الاجتماعية والانتخابية ، والعمل على بث رسالة الخير والتسامح ورحابة الصدر والانفتاح واحترام الرأي الآخر خلال هذه الانتخابات ، لكي نبني ونشيد مستقبلاً أفضل لنا ولأبنائنا ومجتمعنا وقرانا ومدننا ، ونجتاز الأزمة الراهنة التي نمر بها ، وإن غداً لناظره قريب .
0 comments:
إرسال تعليق