بعيداً عن المتغيرات الإقليمية وتأثيراتها الجوهرية على أطراف الإنقسام الفلسطيني – الفلسطيني، والتجاوب من قبلها مع الرغبة الشعبية الفلسطينية بفعل الضغوطات الإقليمية التي عاكست الرغبات الحزبية في استمرار الإنقسام، يطرح سؤال ذاته على حالتنا الفلسطينية، وهو بنظر الكثير لا يعتبر جوهرياً وإنما كملحق لحالة الصراع، والبعض الآخر ينظر له بطرف العين، وكأنه ضمن التفصيليات الصغيرة، الآّ وهو من أين تبدأ المصالحة الوطنية؟
في العرف السياسي أو بالسلوك السياسي لا يوجد شيء ثابت ومستمر، فكل الأعراف والمسلكيات السياسية تخضع لمعيار المرحلية في الممارسة، وهذه المرحلية تصاغ بناءً على المواقف والأهداف الحزبية الآنية والمستقبلية، بل العديد من المواقف تتم تحت ضغوطات محلية أو إقليمية أو دولية، والدلائل هنا كثر وعديدة للاستدلال بها.
إذن فالخلافات السياسية الملتهبة في مرحلة ما بين طرفين يمكن أن تكون حالة توافق وإنسجام في مراحل قادمة أو متقدمة، وهي تخضع لقاعدة تم طرحها في رسم السياسة العامة للثورة الفلسطينية، هذه القاعدة التي انطلقت منها منظومة العلاقات الفلسطينية – الفلسطينية، والفلسطينية – العربية، والفلسطينية – الدولية، بما إنها قاعدة ناظمة لمجموعة الأهداف المرحلية والإستراتيجية، والتي تتمحور في (صراع- وحدة – صراع)، وهي قاعدة غير قابلة لمزيداً من الشرح والتفسير كما إنها غير قابلة للنفي.
عليه فإن الخصام والإنقسام السياسي الفلسطيني ما هو سوى حالة معبرة عن قاعدة الفعل في حلقة الصراع المتبلورة في النظام السياسي الفلسطيني الذي يعاني من إرباكات وإخلالات سياسية منذ نشأته وتبلوره حتى راهن اللحظة، بما إنه نظام يشابه أنظمة الحكم العربية القائمة على دمقرطة الحزب الواحد، أو النظام الشمولي الذي لا يؤمن بالآخر كشريك فاعل وإنما كأداة تساهم في تفعيل وجوده وشكله ودمقراطيته التي تتناسب ومقاسه الحزبي وأدائه الشمولي الحزبي.
من هنا لست متشائماً أو قلقاً من التوصل لتفاهمات سياسية بين رطفي الصراع الفلسطيني – الفلسطيني بما أن المنطق السائد لديهما يعتمد على المحاصصة السياسية، وهي الجانب الخفي في صراعهما السابق الذي كان من أهم ملامحه محاولة الاستحواذ على نصيب من التركه أو السلطة (المغنم)، إضافة لتدخل بعض القوى الإقليمية في الحالة الفلسطينية المأزومة مستغلين غياب الراحل ياسر عرفات وقادة الفعل الوطني الحكماء.
لا أريد أن أطيل في التوصيف السياسي لحالتنا الفلسطينية حيث استفاض بها العشرات من الزملاء في الكتابة والتحليل، والتوصيف، والاجتهاد، ولا يحتاج التكرار مرات عديدة وعديدة.
وأعود لسؤالي من اين تبدأ المصالحة الوطنية؟
كل التجارب التاريخية، وكل حركات التاريخ المادية تؤكد حقيقة ثابتة وواحدة، أن اي بيئة صالحة للإنبات لا بد أن تكون مهيأة جيداً، وهذه البيئة لا يمكن أن تكون صالحة بدون صلاح وفلاح البيئة الاجتماعية كضرورة لخلق توافق منسجم مع الحالة السياسية.
والبيئة الاجتماعية الفلسطينية التي تميزت بتماسكها وتلاحمها نتاج الحالة الثورية السابقة كانت لافعل الأساسي لإنجاح المشروع الوطني الثوري الفلسطيني في تجاوز كل المؤامرات التي دُبِرت ضد الثورة الفلسطينية ومسيرتها، ومثلت البيئة الاجتماعية الفلسطينية صمام الأمان الذي تلاشت أمامه رياح التآمر والإلتفاف.
هذه البيئة شهدت حالة من التفسخ الاجتماعي والتفتت البنيوي والهيكلي في تركيبتها منذ إندلاع الصراع الفلسطيني – الفلسطيني قبل أربعة سنوات، واصبحت بيئة غير قابلة ومهيأة لإنجاح أي محاولات سياسية في ظل الواقع الحالي المأزوم، والمفتت برغم كل التطمينات التي يحاول بعض الساسة إرسالها لجماهير شعبنا، ولأطراف الصراع، وهذه التطمينات ما هي سوى قفز عن الواقع الفلسطيني الداخلي الذي يربض تحت بركان خامد من الثأر والإنتقام، وهي الحالة التي حركت ومثلت دافع للعشرات في ممارساتهم في الصراع السابق وبعده.
إذن علينا أن نبدأ مصالحتنا الوطنية بخلق مصالحة اجتماعية فاعلة وواعية، من خلال إعادة اللحمة للنسيج الإجتماعي الفلسطيني بمعالجات جذرية وواقعية تبدأ من الفرد وتنتهي بالجماعة، وهي تتطلب جهد وعمل جماعي لا يرتكز على الساسة فقط، بل يتطلب تكاثف شعبي جماهيري مؤسساتي مدني، يشترك فيه مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني بكل أطيافها، وألوانها، وتخصصاتها.
زالبدء فوراً بالعمل بين شرائح وجماهير شعبنا، وبمشاركة النخبة المثقفة الواعية التي تتمتع بحس وطني مستقل يستهدف التآلف بين ابناء الشعب الواحد، وإعادة الوعي الوطني العام لحالته الثورية الإجتماعية التي كانت تواجه المحتل وتنصر الثورة بكل قوة وعنفوان، ولفظ كل أنواع التحزب والفصائلية من صدور أبناء شعبنا الفلسطيني.
أضف لذلك أن يتوافق الإعلام لافلسطيني المحلي المرئي والمسموع، والمقروء مع حالة التوافق لخلق أرضية يمكن الإنطلاق من خلالها لخوض معركة التآلف الاجتماعي الركيزة الأساسية والفعلية لإنجاح اي مصالحة وطنية، وتآلف سياسي وطني. ومن ثم البدء بخطوات المصالحة التي لابد وأن ترتكز على العديد من الاعتبارات والأولويات الوطنية المتمثلة في:
أولاً: محاربة الفساد بكل أنواعه وشخوصه، ومؤسساته، وبنائه، وتكويناته.
ثانياً: إعادة النظر في مكونات وبني وهيكلية النظام السياسي الفلسطيني الحالية.
ثالثاً: إعادة الإعتبار للبيت الفلسطيني م.ت.ف وتشكيلها بما يعبر عن الكل الفلسطيني وليس الإحتكار الحزبي السائد سابقاً وحالياً.
رابعاً: إعادة صياغة المفهوم الوطني وقضايا الإنتماء والولاء التي سلبت من الوطن لأجل الحزب.
ولكي لا أستفيض طويلاً في هذا الموضوع الذي لن أستطيع استكماله بمجرد مقال أعود لأنهي من حيث بدأت هل ندرك من أين تبدأ مصالحتنا الوطنية؟
0 comments:
إرسال تعليق