في تاريخ 28 /11 /1997 نشرنا مقالا يحمل إسم " الصحوة القبطية " . وقد أشار كاتب المقال الأستاذ سليم شفيق نقلا عن صحيفة " الأهالي المصرية " إلى باحثة نروجية من جامعة كوبنهاجن تريد مناقشة ما أسمته " الصحوة القبطية " .
إختلف الكاتب معها في هذه التسمية . لكني أرى فيها الصدق الذي يحمل فعلا ما يدور على الساحة المصرية أو العالمية حول مشاكل أقباط مصر . ومشاكل أقباط مصر جزء لا يتجزأ من مشاكل مصر الكثيرة التي يتحدثون عنها علناً دون مواربة أو خوف ، سواء في صحف المعارضة أو الصحف الرسمية . أما عن مشاكل الأقباط فالجميع يهرب منها عدا قلة من المفكرين والفنانين الذين يتناولون مشاكل الأقباط وتهميشهم في مصر أمثال الدكتور رفعت السعيد والمرحوم الدكتور فرج فودة الذي دفع حياته دفاعاً عن الأقباط وفنان مصر الأول الأستاذ عادل إمام . وبالطبع هناك العديد داخل مصر يؤمنون إيماناً قوياً أن للأقباط مشاكل خاصة بهم والمجتمع الذي هم جزء لا يتجزأ من نسيجه الوطني ، وتهميشهم لا يفيد مصر داخليا أو خارجيا .
هنا أقول أن إطلاق إسم " الصحوة القبطية " سليما مائة في المائة لأن الحديث عنهم وعن مشاكلهم بدأ يأخذ أشكالاً وأبعاداً لم تكن موجودة من قبل . بل كانت قبل عهدالرئيس مبارك بفترة وجيزة تحمل طابع " كله تمام أفندم " لا صوت يعلو على صوت المعركة " قولنا ح نبني .. ودي إحنا بنينا السد العالي " والوطن العربي ، الشخصية العربية ، الوحدة العربية " وشعارات وهتافات وخطابات مما جعل من المشكلة المسيحية الموجودة في المجتمع العربي ، وهنا نقول مشكلة الأقليات المسيحية ، والمشكلة القبطية في المجتمع المصري منذ الفتح الإسلامي منذ ما يقرب من 1400عام حتى الأن لا أحد يلتفت إليها . وأتحدث هنا عن أقباط مصر ووضعهم الإجتماعي وحقوقهم كمواطنين في وطن لن أقول أنه وطنهم لأن في هذا القول هدم كل ما هو جميل بين المسيحيين وأشقائهم المسلمين . لماذا ؟ …
أقول لكم لماذا ؟…
بعد دخول الإسكندر الأكبر مصر وتبعيته للإله أمون رع وليس غازيا كما يدعي البعض . بل دخلها معلنا ولاءه وتبعيته للإله أمون رع ، معطيا نفسه صفة البنوة . أي أعلن أنه إبن للإله أمون رع .. فتح الكهنة له أبواب مصر وأعطوه مفتاح النيل .
ترك الإسكندر الأكبر خلفا له في تدبير شئون مصر قائده بطليموس الأول . إندمج أهل البلاد الأصليين مع الفاتحين الجدد القادمين من مقدونيا اندماجا كبيرا أهمه خروج اللغة المصرية الجديدة والتي عرفت باللغة القبطية وأصبح يطلق على شعب مصر بدلا من أبناء الفراعنة ، إسم أقباط مصر .
عاش الشعب المصري فترة رفاهية إجتماعية وعلمية وفنية ، فظهرت الحضارة القبطية التي قبلت الديانة المسيحية الجديدة بوجود أحد كرازتها القديس مار مرقس البشير الذي كتب بوحي الروح القدس " إنجيل مارمرقس " ضمن ما كٌتب في العهد الجديد .
إرتبط هذا الإسم قبطي بالديانة المسيحية لأعتناق أهل البلاد جميعا بما فيهم بلاد النوبة ، هذه الديانة الجديدة بعد أن إنتهى عهد البطالمة بإنتهاء أخر ملوكها " الملكة كيلوباترا " ودخول مصر القبطية تحت الحكم الروماني الذي إعترف بعد ذلك بالديانة المسيحية كديانة رسمية للبلاد .
إنقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين ، شرقي وسميت بالإمبراطورية البيزنطية وعاصمتها بيزنطة ، إسطنبول الحالية . وكانت مصر من نصيب تلك الإمبراطورية . وقسم غربي بإسم الإمبراطورية الرومانية وعاصمتها روما .
الإمبراطورية البيزنطية إعتنقت المسيحية . ومصر التي تقع تحت حمايتها إعتنقت المسيحية ايضا . ولكن ظهرت بعض الخلافات في المعتقدات وخاصةحول اللاهوت والناسوت لشخصية الرب ريسوع المسيح . وبدأ الإضطهاد ... وهنا لنا وقفة حول تعريف الإضطهاد .. هوالتعصب ضد إنسان ما أو التمييز العنصري أو عدم الإعتراف بحقوقه إما بسبب الجنس أو اللون أو الدين والمعتقدات ، أفضل وصف له هو شعور الأنسان المضطهد أن ظلما يقع عليه من المحيطين به سواء عائلته "والده والدته ،
أشقائه ، وشقيقاته " أو من المجتمع الذي يعيش فيه " المدرسة ، المصنع ، الجهاز الحكومي الذي يعمل به " أو من القوانين واللوائح التشريعية التي تسنَها الحكومة إما غافلة له ولحقوقه ، وإما يختلف التطبيق عن التشريع .. القانون في جهة .. والتطبيق في جهة أخرى .
إذن الشخص المضطهد هو شخص لا يتساوى مع غيره في الحقوق السياسية والمدنية . وبالتالي يعامل مثل الرقيق أو العبيد ، والتسمية الحديثة مواطن من الدرجة الثانية .وهذه التسمية اكثر مدنية وحضارة وان لم تختلف في المضمون .
إضطهد البيزنطيون أقباط مصر من أجل الخلاف الديني الذي بينهما . لأن الرومان قبل تقسيم الإمبراطورية إلى شرقية وغربية وخضوع مصرلحكمهم لم يستطع الحكام الجدد إخضاع أبناءمصر لهم بصورة عامة ، لأن الإمبراطوريةالرومانية كانت في أشد الحاجة لقمح مصر . وعند أول بادرة للأضطهاد ترك الفلاح المصري أرضه دون أن يزرعها وفضل عيشة الكفاف وهرب إلى الجبال . لكن بعد إنقسام الإمبراطورية الرومانية وإعتناق الجميع للديانة المسيحية عاد الفلاح وزرع الأرض وأعطي المواطن القبطي الكثير من جهده وعرقه لتكملة مسيرة الحضارة القبطية والتي إتسمت في فترة ما قبل الفتح الإسلامي بالطابع المسيحي طبقا لتعاليم الكنيسة الأرثوذكسية صاحبة الرأي المستقيم .
وهنا حدث التصادم بين الحاكم الروماني البيزنطي ومعتقداته الكنسية ، كما قلت عن ناسوت ولاهوت الرب يسوع المسيح . كذلك عن الأيقونات وخلافه . وجاء التقويم القبطي مبتدءاً بعصر الشهداء. الشهداء الذين بذلوا أنفسهم فداء للدين الجديد والعقيدة الأرثوذكسية التي أمنوا بها وضحوا من أجلها .
ظهر الإسلام في الجزيرة العربية. وبدأت الفتوحات الإسلامية وإنتشرت في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الملقب بالفاروق والذي يعتبر عهده من أفضل العهود التي عاشتها تلك الدول في حضن الدين الجديد ومن تولوا شئون هذه الدول الجديدة والتي من ضمنها مصر القبطية …
يتبع
" الهيرالد " رسالة لبنان والشرق الأوسط
16 / 6 / 1998
كتبت 4 مقالات عن " الصحوة القبطية " هذا أولها وخصصته عن الإضطهاد وما يحمل في طياته من ظلم وعبودية للمضطهد من مضطهديه .
القبطي المسيحي عاش مضطهدا قرون عديدة . وهذا يعني أنه عاش عبدا ذليلا طوال تلك السنين وإلى اليوم الذي كتبت فيه هذا المقال ، وإلى اليوم الذي أعيد نشر المقال وما سيليه من مقالات متعلقة بـ " الصحوة القبطية " . ومن الطبيعي لا يمكن أن تتفق العبادة مع العبودية . لأن العبد .. عبد غير كامل الأهلية وليست له حقوق . وهذا ما نلمسه هذه الأيام والشروط التعسفية التي يضعها مسلمي أحد قرى مدينة أسوان في أقصى الصعيد لبناء كنيسة بالقرية . يريدون كنيسة بلا قباب وبلا صليب .. أليس هذا هو الإستعباد بعينه !! ومع الأسف لا مكان للدولة الحامية لأبناءها . أو قد يكون من بيدهم الأمر يؤيدون ويشجعون !!
وهذا أيضا ما لمسناه من حرق كنيسة أطفيح وطرد المسيجيين وتهجيرهم خارج قريتهم التي بدون شك هي قرية مولدهم وأباءهم وأجداد .. أجدادهم . دون تقديم المعتدين والمخربين للعدالة والإكتفاء بالجلسات العرفية !! . فهل هناك إضطهاد وعبودية أكثر من هذا ؟؟
ومع ذلك أُذكر المضطهدين الأن بالذين إضطهدوا من قبلهم وعلى نفس الأرض أرض أجدادهم لاتخافوا من الذين يقتلون الجسد ، بل من الذين يقتلون الروح .
سوف تنقشع الغمة ويزول الضباب وينير نور الرب يسوع في نفوسنا جميعا وننفض عن نفوسنا أيام الخنوع والخضوع بـ " الصحوة القبطية " معتمدين على إيماننا المسيحي الذي ينبذ الشر والذي منه الإضطهاد والعبودية . فلسنا دعاة شر ، بل طلاب حق مسلوب .. هو حق الحياة .
وإلى لقاء والجزء الثاني من " الصحوة القبطية " والذي تناولت فيه موضوع الأقباط ...
0 comments:
إرسال تعليق