- كاتب من غزة
جلست متكئاً بعدما سمعت الخطاب التاريخي للرئيس الفلسطيني محمود عباس والذي كان بين القوة والضعف ، وعندما شاهدت المصفقين لخطاب الرئيس أخذتني غفوة بأن النصر يأتي عبر المفاوضات وأن المقاومة لا تجلب الا الدمار، والى خطاب رئيس حكومة الصهاينة وكيف كان تاره يبكي وتارة يستعطف وأخرى يضع اللوم على الفلسطينيين واصفهم بالإرهابيين.
أخذت أُفكر وأحلم بتلك الدولة، حدودها معالمها، أرضها، جوها، بحرها، معابرها، منافذها، عاصمتها، مينائها.
وسمعت أصوات هتافات تؤيد الرئيس الفلسطيني (البطل عباس جاب دولة يا ناس)، (الرئيس محمود جابلنا دولة والها حدود) .
فتفاجأت ولم أصدق صدور قرار العضوية الكاملة للدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، وبعد هذا القرار دخل رئيسنا التاريخ من أوسع أبوابه، واستقبله الفلسطينيون على أكتافهم مرحبين بخطوته التي اعتبرت جريئة والتي تعطينا كامل حقوقنا، وكأن الشريط يرجع بذاكرتي للخلف لعام 1994م. وكيف احتفلت فلسطين بأكملها بدخول السلطة الوطنية الفلسطينية إلى أرض الوطن بعد اتفاق أوسلو المشئوم، آملين أن تعيد لنا باقي الوطن، ولكن للأسف!!! وهنا الشخصيات تختلف، وهل أيلول الأسود عام 1970م. تحول إلى أيلول أبيض في عام 2011م. ؟
ها هو عباس بين أبنائه وبين شعبه ليشاركهم في احتفالات النصر، ودخل غزة محمولاً على الأكتاف حيث الزغاريد قد اخترقت السماء وأبرقت على الأرض والحلوى ترشق فوق الرؤوس .
وتم تشكيل حكومة وحدة طنية برئاسة عباس ورئيس حكومته هنية، يا لها من فرحة عودة إلى الحضن الفلسطيني، وعودة اللحمة الفلسطينية، وأصابني الذهول من التشكيلة الوزارية حيث تم تعييني كوزير في حكومة الوحدة، ولكنها فرحة غير مكتملة حيث اشغل وزير بلا حقيبة دبلوماسية، ففرحت بهذا التكليف وقلت في نفسي المهم المُسمى وزير ولا يهمني ما هي طبيعة العمل، المهم أن لقبي أصبح سعادة الوزير وسيارة (شبح)، و(بريستيج)، ويكفينا فقر وركوب الباصات وديون من المحلات .
وذهبت لتأدية اليمين الدستوري، ومن البوابة الرئيسية الكل يسلم عليّ والجميع يهنئ، فقبلت يدي أبي مازن ورأس أبي العبد وكأنني لم أصدق ما يجري حتى ظننت أنني في حلم عميق ولا أريد أن استيقظ منه .
ركبت سيارتي المصفحة وذهبت إلى منزلي القديم حيث هناك تقطن والدتي فصرخت في وجهي (فيلا وسيارة جديدة وتارك أهلك عالحديدة ، وشو بدولتكم جبتولنا؟ والا بأيلول بعتونا) ، وجدي خرج من غرفته ماسك بإيده مفتاح كبير وقال لي:(يا بنيي الهم كبير بعتوا الدار بأوسلو وكملتوا عالحاكورة بأيلولكوا)، فأجبتهم بصوت مرتجف كأنني لص خائف، ابنكم اصبح وزيراً وان شاء الله الهم سيصبح صغيرا، ويا جدي ارمي المفتاح وأبشرك بفرص عمل ستتاح، وانسى المجدل وبدولتنا الجديدة سنعمل، والدمعة نزلت من عيون الختيار ويصيح باعوكي يادار....
وبعد أيام تصدر الحكومة قراراً بأن تكون وجبة الإفطار كباباً في الدوائر الحكومية، وفرح الأحباب ونسوا أن هناك آخره وعقاب، وبدأت جولاتي لإحدى الوزارات صباحاً فوجدت الكل منهمكا ومشغولا في التهام أصابع الكباب فتواضعت وجلست افطر معهم، وجاءني اتصال الوو سعادة الوزير ايوه نعم مين معي ؟ أنا فلسطيني من مخيمات لبنان أهلا وسهلا تفضل أي خدمة ؟ أنا يا سيدي بيتي (أسبست) ومع الشتاء غرق وأنا وأولادي الآن في الشارع، ياسيادة الوزير لقد وعدتمونا بتقرير المصير وقلتم لنا تفاءلوا خيرا، فلم استطع الإجابة وأنهيت المكالمة وأكملت فطوري، واتصال آخر الووو مين معي ؟ أنا فلسطيني أسير أيها الوزير صرخت في وجه صهيوني خنزير، وأنت أيها المسؤول هل استحقاق أيلول معناه إنك تهرب من صحن الفول وتبيع مسرى الرسول وأمام الله ماذا ستقول؟
فجحظت عيناي واحمر وجهي وكأن قطعة من الكباب دخلت في مجرى التنفس وأنا اصرخ : راح أموت ماء الحقوني (هأ هأ ) الحقوني (هأ هأهأ) ، وزوجتي تقول لي الفطور جاهز على السفرة ففتحت عيني وأبصرت على سقف بيتي المشقق والجدران القديمة فذهبت مسرعاً إلى المطبخ فوجدت صحن الفول وجلست على الكرسي وبدأت أقبل صحن الفول وأصرخ قائلاً (بدي آكل كل يوم فول ولا كباب بدولة أيلول ) .
0 comments:
إرسال تعليق